مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.
مجلة إشكالات في اللغة والأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مفاهيم التّداوليّة وأسسها عند جورج يول –الخطاب والثّقافة أنموذجا-

اذهب الى الأسفل

مفاهيم التّداوليّة وأسسها عند جورج يول –الخطاب والثّقافة أنموذجا- Empty مفاهيم التّداوليّة وأسسها عند جورج يول –الخطاب والثّقافة أنموذجا-

مُساهمة  مدير المنتدى الجمعة يناير 29, 2016 1:55 pm

مفاهيم التّداوليّة وأسسها عند جورج يول
–الخطاب والثّقافة أنموذجا-

د. سعاد بسناسي
جامعة وهران / الجزائر


[لقد احتلّت إشكاليّة الخطاب وتحليله مكانة هامّة عند الدّارسين، شأنها شأن إشكاليّة الثّقافة التي هي موضوع بحث منذ أمد بعيد إلى يومنا هذا، ولأهمّية الخطاب واعتماده بنسبة كبيرة على ثقافة المتكلّم، عقد جورج يول (George Yule) في كتابه التّداوليّة (PRAGMATICS) فصلا خاصّا بالخطاب والثّقافة، ومنه سنقف في هذا البحث عند أهمّ مفاهيم التّداوليّة وأسسها من خلال هذا الفصل؛ باعتبار التّداوليّة –كما يرى ذلك جورج يول- علما يختصّ بتقصّي كيفيّة تفاعل البنى والمكوّنات اللّغويّة مع عوامل السّياق، لغرض تفسير اللّفظ، ومساعدة السّامع على ردم الهوة التي تحصل أحيانا بين المعنى الحرفيّ للجملة والمعنى الذي قصده المتكلّم.]

تصدير:
تختصّ التّداوليّة (pragmatics) بدراسة المعنى كما يوصله المتكلّم أو الكاتب، ويفسّره المستمع أو القارئ؛ لذا فإنّها مرتبطة بتحليل ما يعنيه النّاس بألفاظهم، أكثر من ارتباطها بما يمكن أن تعنيه كلمات أو عبارات هذه الألفاظ منفصلة؛ فالتّداوليّة بذلك، هي دراسة المعنى الذي يقصده المتكلّم. والحديث عن التّواصل، والتّأثير، والإقناع وما بينها من عناصر وعمليّات، يتطلّب الحديث عن اللّغة وبخاصّة عن بعدها التّداوليّ (فاعتبار الممارسة اللّغويّة مجرّد عمل نفعيّ، مصلحيّ، غائيّ قد يقلّل من شأن الوظيفة الإخباريّة للّغة، فأن نتكلّم هو أن نفعل قطعا، ولكن هو أن نقول ما نعتقد أنّه صحيح، هو أن نطلب تزكية الآخر لنا، وهو أن نكون على حقّ فقط دون أن نطلب تزكية الآخر لنا)" " فالتّداوليّة بذلك هي علم استعمال اللّغة لمقاصد معيّنة، مع مراعاة كلّ العناصر والمواقف المساعدة على تحقّقها من ماديّة ومعنويّة.
ومن الأشكال الأدبيّة التي لا تستغني عن اللّغة الخطاب والنّص، وكذا الثّقافة" " التي تكون باللّغة ومن اللّغة، كون اللّغة هي وسيلة هامّة للحفاظ على الثّقافات والحضارات والعلوم في مختلف المجالات والتّخصّصات، ومنه جاء الفصل التّاسع من كتاب التّداوليّة لجورج يول للحديث عن الخطاب والثّقافة، وقبل تحليل عناوينه في ضوء المفاهيم التّداوليّة المعاصرة، لنا وقفة وصفيّة مع الكتاب شكلا ومضمونا.
التّداوليّة عند جورج يول بين الشّكل والمحتوى
قسّم جورج يول (GEORGE YULE)" " كتابه التّداوليّة إلى أربعة أقسام رئيسة هي: الدّراسة، والقراءات، والمراجع، ومسرد المصطلحات؛ فالقسم الأوّل خصّه بالدّراسة وقسّمه إلى تسعة فصول؛ حيث
جاءت بعناوينها مرتّبة كالآتي:
- قدّم في الفصل الأوّل تعريفات وخلفيّة، وفيه ثلاثة عناوين الأوّل هو: النّحو وعلم الدّلالة والتّداوليّة، والثّاني الانتظام، والثّالث سلّة مهملات التّداوليّة.
- والفصل الثّاني من القسم الأوّل وسمه بالتّأشير والتّباعد، وقسّمه إلى: تأشير شخصيّ، وتأشير مكانيّ، وتأشير زمانيّ، والتّأشير والنّحو.
- وجاء الفصل الثّالث لدراسة الإشارة والاستدلال وفيه: استعمالات التّعابير الإشاريّة والوصفيّة، والأسماء المشار إليهم، ودور النّص المرافق، والإشارة العائديّة.
- الفصل الرّابع: الافتراض المسبق والاستلزام، وفيه العناوين الآتية: الافتراض المسبق، أنواع الافتراض المسبق، مشكلة الإسقاط، والاستلزامات المرتّبة.
- الفصل الخامس للتّعاون والتّضمين، وحلّل من خلاله العناوين الآتية: المبدأ التّعاوني، الاستدراك، التّضمين التّحادثيّ، التّضمينات التّحادثيّة المعمّمة، التّضمينات المتدرّجة، التّضمينات التّحادثيّة المخصّصة، خواصّ التّضمينات التّحادثيّة، وأخيرا التّضمينات العرفيّة.
- الفصل السّادس: أفعال الكلام ومقام الكلام، وفيه: أفعال الكلام، وسائل التّدليل على القوة الوظيفيّة، شروط اللّباقة، الفرضيّة المنجزة، تصنيف أفعال الكلام، أفعال الكلام المباشرة وغير المباشرة، وأخيرا مقام الكلام.
- الفصل السّابع: التّهذيب والتّفاعل، وفيه حديث عن التّهذيب، ورغبات الوجه، والوجه السّلبي والوجه الإيجابي، الذّات والآخر: لا تقل شيئا، قل شيئا: التّصريح والتّلميح، والتّهذيب الإيجابيّ والسّلبي، الاستراتيجيّات، والتّتابعات القبليّة.
- الفصل الثّامن: المحادثة وبنية التّفضيل، وفيه ما يأتي من عناوين فرعيّة: تحليل المحادثة، التّوقّعات والتّداخلات وقنوات الإرجاع، أسلوب التّحادث، أزواج التّجاور، بنية التّفضيل.
- الفصل التّاسع: الخطاب والثّقافة، ويضمّ الحديث عن تحليل الخطاب، والتّرابط المنطقيّ، والمعرفة الخلفيّة، والمخطّطات الثّقافيّة، والتّداوليّة عبر-الثّقافيّة" ". كان هذا عن عناوين القسم الأوّل المخصّص للدّراسة، وهو أطول قسم من أقسام الكتاب الأربعة، ويليه القسم الثّاني للقراءات، والثّالث للمراجع، والرّابع لسرد المصطلحات، ومنه اخترنا تحليل الفصل التّاسع وعناوينه، وذلك لأهمّية إشكاليته المتمثّلة في الخطاب والثّقافة.
آليّة تنظيم المنطوق والمكتوب في البنية التّتابعيّة للمحادثة
لقد ركّز جورج يول في العناوين السّابقة للفصل التّاسع من كتابه التّداوليّة، على البنية التّتابعيّة للمحادثة؛ ذلك لأنّ الكثير من الخصائص التي تميّز نظام تبادل الأدوار في المحادثة، تمنح معان من قبل مستخدمي النّظام. حتى في مجتمع المتكلّمين العامّ، يوجد غالبا تنوّع كاف للإتيان بسوء فهم كامن، وهذا أسلوب تحادثيّ (conversational style)" " واعتبر ذلك تمهيدا للفصل التّاسع (الخطاب والثّقافة).
إنّ البنية التّتابعيّة للمحادثة تقوم على جملة من الإجراءات، يعتمدها المتكلّمون لأخذ دور السّيطرة على الأرضيّة، مع تركيز ضئيل على ما يتوجّب على النّاس قوله لحظة وصولهم إلى الأرضيّة؛ فحال حصول المتكلّمين الأرضيّة، يتوجّب عليهم ترتيب بنية ومحتوى ما يريدون قوله. وعليهم تنظيم رسائلهم وفقا لما يعتقدون أنّ مستمعيهم يعلمونه أو لا يعلمونه، ويتوجّب عليهم أيضا ترتيب كلّ شيء بطريقة مترابطة" " هذا في حالة الإرسال الشّفويّ الذي ينطبق على مفهوم الخطاب. ويرى الفيلسوف الإنجليزيّ جون لانجشو أوستين (John langshaw austin) صاحب نظريّة أفعال الكلام أنّ (النّطق بالعبارة هو أهمّ معين لنا على معرفة الغرض منها)" " وذلك من خلال توظيف تلوينات صوتيّة ذات أثر في تغيير وتحويل الدّلالة، نحو التّنغيم والنّبر والإيقاع وغيرها من التّلوينات فوق التّركيبيّة.
وما ينبغي مراعاته في حال الخطاب الشّفويّ، يراعى في حال رغبة المتكلّم تدوين ما يقول؛ إذ يتوجّب على المتكلّمين حين رغبتهم في تدوين الرّسائل المنطوقة إنشاء نصّ مكتوب، فلن يكون لديهم مستمعون يوفرّون صدى تفاعليّا آنيّا، لذلك عليهم الاتّكال على آليّات بنيويّة أوضح لترتيب نصوصهم. وفي هذه الحالة يعتبر المتكلّمون والكتّاب مستعملين للّغة ليس في وظيفتها الشّخصيّة التّفاعليّة (interpersonal function) أي المشاركة في تفاعل اجتماعيّ فحسب، وإنّما في وظيفتها النّصيّة (textual function) أي إيجاد نصّ مناسب ذي بنية صحيحة، وكذلك في وظيفتها التّصوريّة (ideational function) أي تمثيل الفكر والتّجربة بطريقة مترابطة. وتسمّى دراسة هذا المجال الأوسع لشكل ووظيفة ما يقال أو يكتب بتحليل الخطاب" " ويمكن تلخيص ذلك في ستّة عناصر" " هي كالآتي:
1- مراعاة جهة صيغة تكييف الفعل كتوظيف صيغة الأمر عن طريق النّطق، ويفهم منها عدّة معاني، نحو دلالة الوجوب أو الإباحة أو الحضّ أو التّعارض على وجه الإضراب،
2- التّشديد على الصّوت وإيقاعه وتنغيمه بإمالته وغير ذلك من فنون القراءة،
3- الظّروف النّحويّة وما تركّب منها تركيبا إضافيّا وغير إضافيّ، في المكتوب والمنطوق ومن شأنها تقوية المعاني بمراعاة السّياق، مع أنّ العلاقات والدّلالات التي يقتضيها السّياق كثيرة، منها: الإثبات، والتّصريح والتّلميح، والرّمز والإيحاء، والاقتضاء، والاستنتاج، وضروب الانتقال من أسلوب إلى آخر.
4- أدوات الرّبط، وربّما في أعلى مستويات التّعقيد يأتي استعمال حروف وألفاظ خاصّة تدلّ على الرّبط، ولها دورها في تبليغ العبارة ودلالتها،
5- ما يصاحب التّلفّظ بالكلام ومستتبعاته، فقد يساعد التّلفّظ بالكلام على استخدام الحركات والإشارات (من نوع غمز بالعين، وتحريك للأيدي، ورفع للكتف، وتقطيب للوجه وعبوسه، وغير ذلك) وهذه الأنواع من التّعابير الحركيّة تستخدم دون نطق، ورغم أهمّيتها إلاّ أنّ مصاحبة النّطق أثناء حدوثها أحسن من حدوثها دون نطق، وتسمّى في الدّراسات اللّغويّة بالسّمات شبه اللّغويّة (paralinguistics)" " مع الإشارة إلى أهمّية هذه السّمات وأثرها في فهم الكثير من الدّلالات، ممّا جعلها أحد أهمّ مجالات اهتمام دارسي علم النّفس واللّغة؛ ذلك لأنّ الجسم الإنسانيّ يقوم بدور مهمّ في التّواصل بين المتخاطبين، وإدراك وفهم كلّ منهما للآخر يتأثّر إلى حدّ كبير بهيئة الجسم وإشاراته وحركاته،
6- ملابسات وأحوال التّلفّظ بالعبارة، فالوسائط والموارد المعينة على فهم الكلام كثيرة وغنيّة بالدّلالات؛ حتّى لتكاد تجرّنا من تلقاء ذاتها إلى الالتباس وسوء التّأويل، وعدم التّمييز، وبخاصّة فإنّه يحدث أن ننقلها ونستعيرها لأغراض أخرى، فننحرف بها عن أصل وضعها، كأن نستعملها مثلا في باب الرّمز والإيحاء.

تحليل الخطاب
يغطّي تحليل الخطاب (discourse analysis) في نظر (جورج يول) مجالا واسعا جدّا من الفعاليّات، يمتدّ من الدّراسات الثّانويّة التي عتبرها استعمالات بسيطة، نحو كيفيّة استعمال كلمات مثل "أوه" و"حسنا" في حديث عرضيّ، إلى عرض دراسة الإيديولوجيّة السّائدة في ثقافة (culture) معيّنة ممثّلة على سبيل المثال بممارستها التّعليميّة أو السّياسيّة. وعند حصره للقضايا اللّغويّة، يرتكز تحليل الخطاب عنده على سجل العمليّة (شفاهيّا كان أم مكتوبا) التي تستعمل اللّغة في بعض السّياقات للتّعبير عن القصد" " لأنّ القصد هو أحد أهمّ الشّروط التي ينبغي مراعاتها في الدّلالة.
كما يقتضي مبدأ القصديّة أن لا كلام إلاّ بوجود قصد، وهذا القصد محدّد ثابت عند المتكلّم لا يتغيّر، وهو لذلك يتّخذ من الرّسائل الكلاميّة والمقاميّة ما يعين السّامع على إدراك ما يريد؛ ولكن مراتب السّامعين تتفاوت في إدراك مقصود المتكلّمين، تبعا لتفاوت قدراتهم العقليّة واللّغويّة والثّقافيّة.
التّرابط المنطقيّ
إنّ استعمال اللّغة هو موضوع التّداوليّة كما أشرنا سابقا، واللّغة ظاهرة إنسانيّة فكريّة، بمعنى أنّها تخضع للعقل والمنطق اللّذان يميّزان اللّغة الإنسانيّة الفكريّة المنطوقة عن غيرها من أنواع اللّغات ووسائل التّواصل الأخرى، ولذلك يرى (جورج يول) أنّ معظم ما في عقول مستخدمي اللّغة هو افتراض ترابط منطقيّ (coherence) مفاده أنّه سيكون لما يقال أو يكتب معنى وفقا لخبرتهم الاعتياديّة بالأشياء" ". وسيفسّر كلّ فرد الخبرة "الاعتياديّة" محليّا، ولذا سيكون مقيّدا بالمألوف والمتوقّع. ففي الحيّ الذي أقطنه، تعني الملاحظة في 1-أ أنّ شخصا يبيع الخضار، ولكن الملاحظة في 1-ب لا تعني أنّ شخصا يبيع مرآبا.
1 أ- بيع خضار.
ب- بيع مرآب.
رغم أن هاتين الملاحظتين بنية متطابقة، إلاّ أنّهما تفسّران بطريقة مختلفة. يتطلّب تفسير 1-ب أنّ شخصا يبيع أغراضا منزليّة من مرآبه، أُلفة ومعرفة بحياة الضّواحي.
يرى (جورج يول) بعد عقد هذه الأمثلة، أنّ هذا التّأكيد على الألفة والمعرفة يعتبر أساسا منطقيّا ضروريّا؛ لأنّنا ميّالون إلى إيجاد تفسيرات آنيّة للمادّة المألوفة وننزع إلى إغفال العديد من البدائل والخيارات الأخرى المحتملة. على سبيل المثال، يجيب نفر غير قليل من النّاس بسهولة على السّؤال المطروح في 2 وهو: كم حيوانا من كلّ نوع أخذ موسى في سفينته؟.
فإذا حضر على بالك فورا "اثنان" فإنّك ولجت إلى معرفة ثقافيّة عامّة، ربّما دون ملاحظة أنّ الاسم المستعمل "موسى" غير مناسب. فنحن غالبا ما نخلق تفسيرا مترابطا للنّص يعوزه التّفسير المترابط" " ومهما يكن التّفسير؛ فإنه بالتّأكيد كلّ مستمع أو قارئ يعتمد على ما في ذهنه من أفكار ومعطيات، وليس على ما يحمله النّص فقط.
المعرفة الخلفيّة
يشترط (جورج يول) أثناء القيام بالعمليّات التّفسيريّة أسسا منها: القابليّة في الوصول إلى تفسيرات ما لم يتمّ قوله مسندة على بنى معرفيّة موجودة مسبقا. تؤدّي هذه البنى وظيفة معروفة موجودة مسبقا لنماذج مألوفة من خبراتنا السّابقة التي نستعملها لتفسير جديد. والمصطلح الأعمّ لنموذج من هذا النّوع هو مخطّط (schema) وهو بنية معرفة موجودة مسبقا في الذّاكرة. وإذا توافر للمخطّط نموذج ثابت وساكن، فإنّه يسمّى أحيانا هيكلا (frame) تتشارك فيه أفراد المجموعة المنتمية إلى مجتمع واحد، ويشبه نسخة النّموذج الأصليّ (prototype) ويمثّل (جورج يول) لهذه المصطلحات: (هيكل، والتّفسير الاعتياديّ، قراءة الخطاب، والمخطوطة "scripte" وتتابع الأحداث) بالخطاب الآتي وهو عبارة عن إعلان" ":
5 شقّة للإيجار، 500 دولار، ه/7636683.
تعليق:
إنّ كلمة (شقّة) في النّص السّابق تعتبر في نظر (جورج يول) هيكلا له موّنات مفترضة، مثل: المطبخ والحمّام وغرفة النّوم التي لا تُذكر عادة، كما في الإعلان. والتّفسير الاعتياديّ المحلّي، لن يستند في هذا الجزء من الخطاب 5 على هيكل الشّقة حسبُ أساسا للاستدلال (إذا كانت س شّقة فإنّ ل (س) مطبخ وحمّام وغرفة نوم) وإنّما على هيكل إعلان "شقّة للإيجار أيضا" باعتماده على هيكل مثل هذا، والمعلن يتوقّع أن يضيف القارئ كلمتي شهر وليس سنة بعد قراءة المبلغ 500 دولار، وسيكون لديه هيكلا مختلفا مستندا إلى خبرته في كلفة إيجار الشّقق. مع ذلك تبقى وجهة النّظر التّداوليّة ذاتها، تستعمل القارئ بنية معرفة موجودة مسبقا للإتيان بتفسير ما لم يذكر في النّص.
ويشترط (جورج يول) في هذا المقام أن تكون المخطّطات أكثر ديناميكيّة؛ لأنّها عبارة عن (بنية مُعرَّفة موجودة مسبقا ضمن تتابع أحداث، كما نستعمل المخطوطات لإيجاد تفسيرات الأحداث التي وقعت، مثل المخطوطات التي تحصل عادة في أنواع الأحداث جميعها، كالذّهاب إلى عيادة الدّكتور، السينما، المطعم أو متجر الخضار...)" " فحين الذّهاب إلى عيادة الطّبيب للفحص، تتوقّع حصول جملة من الأحداث المتتابعة، تنتظر دورك، تدخل في الوقت المناسب، تجيب عن أسئلة الطّبيب، تأخذ الوصفة، تدفع ثمن الفحص، تخرج من العيادة، تذهب إلى الصّيدليّة لشراء الدّواء، وإذا فحصت ولم تجد نفسك أحضرت النّقود؛ فهذا أمر يؤثّر على تسلسل الأفكار والمعرفة المسبقة. ومنه فإنّ تتابع هذه الأحداث يعتبر مخطوطة اعتياديّة؛ فالذّهاب إلى الطّبيب يتضمّن حدوث ما بعدها من وقائع في تتابع، وهذا جزء من المعرفة المشتركة.عادة بالنّسبة لأعضاء الثّقافة ذاتها. يسمح افتراض المخطوطات المشتركة للكثير أن ينقل دون أن يقال.
ويلخّص (جورج يول) مفهوم المخطوطة في كونها (طريقة للتّعرّف على تتابع أحداث متوقّعة. وبسبب افتراض أنّ معظم تفاصيل المخطوطات معلوم، فإنّها لا تذكر مع ذلك، بالنّسبة لأعضاء الثّقافات المختلفة، قد يؤدّي افتراض مثل هذا إلى إعاقة كبيرة في التّواصل)" " مع أنّ العمليّة التّواصليّة أصلا تهدف إلى التّفاهم، الإقناع والاقتناع والتّأثّر والتّأثير؛ وذلك كون العمليّة التّأثيريّة هي غاية كلّ موقف تواصليّ بين طرفي العمليّة الكلاميّة.
المخطّطات الثّقافيّة
إنّ المخطّطات الثّقافيّة (cultural schemata) تتطوّر بتطوّر المجتمعات، وبتطوّر لغة الأفراد؛ فنحن نطوّر مخطّطاتننا الثّقافيّة في سياقات تجاربنا الأساسيّة" " فقد يحدث أن يتفاجأ أيّ شخص حينما تكون المكوّنات المفترضة لحدث معيّن ناقصة، مثلا تدخل مطعما فلا تجد داخله الكراسي، التي هي مجودة أصلا في "مخطوطة مطعم"؛ بل تجد ما يشبه وسائد كبيرة للجلوس وهي اختلافات واضحة؛ لكن مع ذلك يمكن تعديل تفاصيل المخطّطات الثّقافيّة. ولكن بالنّسبة لاختلافات أعمق، فإنّنا لا نعي إمكانيّة حصول تفسير خاطئ بسبب وجود مخطّطات مختلفة؛ فمثلا عامل غربيّ في مجتمع عربيّ يعطى له يوم المولد النّبويّ الشّريف عطلة، أو يوم من الأيّام الوطنيّة الخاصّة بذلك البلد، قد لا يتقبّلها أو لا يفسّرها تفسيرا صحيحا؛ ذلك لأنّ مخطّطاته مختلفة، فيمكن أن يبدو الأمر جيّدا في مخطّط شخص معيّن وعكسه في مخطّط شخص آخر.
التّداوليّة عبر-الثّقافيّة
إنّ الاختلاف في مخطّطات المتكلّمين الثّقافيّة أمر حتميّ، ونظرا لهذه الأهمّية كانت هذه الإشكاليّة جزءا من مجال دراسة أوسع يعرف عادة بالتّداوليّة عبر-الثّقافيّة (cross-cultural pragmatics) وإنّ إدراك مواضع وخصوصيّات هذه الاختلافات، يتطلّب حسب (جورج يول) الرّجوع إلى مختلف عناوين الكتاب التي أشرنا إلها في بداية هذا البحث لأهمّيتها، وهو يرى أنّ (دراسة الطّرائق التي يبني من خلالها متكلّمون من ثقافات مختلفة معنى معيّنا ستتطلّب في الواقع إعادة تقييم كامل لكلّ شيء درسناه في هذا الكتاب)" " ويخصّ في هذا المقام حديثه عن مبدأ التّعاون والمبدأ الثّانويّ؛ حيث افترض من خلالهما نوعا معيّنا من الخلفيّة الثّقافيّة الخاصّة بالطّبقة الوسطى الأنجلو-أمريكيّة إضافة إلى آليّات تبادل الأدوار، وأنواع أفعال الكلام.
- المبدأ التّعاونيّ والثّانويّ: فيقول (جورج يول) في ذلك: (ماذا لو افترضنا تفضيلا ثقافيّا لعدم قول الحقيقة في حالات متعدّدة؟ يقال إنّ تفضيلا مثل هذا موجود في ثقافات كثيرة، وسيتطلّب منهجا مختلفا بالنّسبة للعلاقة بين مبدأي النّوع والكمّ في تداوليّة أكثر شمولا)" " المقصود بمبدأ النّوع أو الكيف" " أن لا يقول المتكلّم إلاّ ما يعلم صدقه، ومبدأ الكمّ أن يفيد المتكلّم السّامع بقدر ما هو مطلوب دون زيادة أو نقصان، ويضاف إلى ذلك قاعدة العلاقة وهي مراعاة المناسبة في الكلام، وقاعدة الجهة التي تعني تجنّب الغموض والغرابة، وتفادي الحشو والإطناب.
- آليّات تبادل الأدوار: ينبغي في هذا الموضع وانطلاقا من هذا الإشكال البحث في الدّور الفعّال للصّمت في المحادثات الاعتياديّة في ثقافات عديدة، إضافة إلى ضمان "حقّ الكلام" الموصوف اجتماعيّا، والذي يعتبر في العديد من الثّقافات الأساس البنيويّ لكيفيّة استمرار التّفاعل" " وذلك ما يسمّى بالفعل التّكليميّ، الذي يعني أثر الفعل التّكلّميّ في المستمع" " هذا الأخير الذي سيتّخذ مواقف وقرارات، نسبة إلى درجة تأثّره.
- أفعال الكلام: ينبغي البحث في كنه الاختلافات الجوهريّة الموجودة بين الثّقافات عند تفسير مفاهيم، مثل: الإطراء أو الشّكر أو الاعتذار؛ فالاعتذار في الإنجليزيّة يخلق حرجا كبيرا لبعض المتلقّين من الهنود الأمريكيين المحلّيين، إذ يعتبرونه فائضا، وقد يسبّب ردّ فعل مشابه لبعض المتلقّين اليابانيين حيث يعتبرون قبوله مستحيلا" " فالتّقسيم الذي تجعله مجموعة ثقافيّة معيّنة بين أيّ فعلين اجتماعيين مثل الشّكر والاعتذار، لا يطابق ما هو موجود في ثقافة أخرى. فالتّداوليّة هي دراسة الفعل الإنسانيّ القصديّ؛ لأنّ كلّ فعل في الحياة هو جزء من التّداوليّة، كون المفاهيم الأساسيّة في التّداوليّة تقوم وتتضمّن اعتقادا وقصدا أو هدفا وخطّة وفعلا.
وتسمّى دراسة هذه الطّرائق الثّقافيّة المختلفة للتّكلّم بالتّداوليّة المقارنة (comparative pragmatics) ويرى (جورج يول) أنّ تحقيق تطوير الاتّصال والتّواصل بين الثّقافات، يتطلّب الاهتمام أكثر بفهم مميّزات اللّكنة التّداوليّة (pragmatics accent) ليس عند الآخرين فحسب وإنّما عند أنفسنا.

حواشي:

مدير المنتدى
Admin

عدد المساهمات : 166
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
الموقع : rihabalkalimah.cultureforum.net

https://ichkalat.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى