مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.
مجلة إشكالات في اللغة والأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

غناء الموت وسر الكتابة في جدارية محمود درويش - دراسة سيميائية موضوعاتية –

اذهب الى الأسفل

غناء الموت وسر الكتابة في جدارية محمود درويش - دراسة سيميائية موضوعاتية – Empty غناء الموت وسر الكتابة في جدارية محمود درويش - دراسة سيميائية موضوعاتية –

مُساهمة  مدير المنتدى الجمعة مايو 22, 2015 8:55 pm

غناء الموت وسر الكتابة في جدارية محمود درويش
- دراسة سيميائية موضوعاتية –

أ. حليمة بولحية
جامعة جيجل


الملخص:
تناول هذا المقال محاولة محمود درويش بناء قصيدة مركبة تقوم على الانفتاح النصي، مستفيدا من خبراته و أدواته الإبداعية ووسائله التعبيرية ، منتجا الجدارية الانشودة الملحمية التي البسها احد أهم القضايا و أكثر المشاغل حميمية وأشدها التصاقا بالوجود الإنساني، بطريقة جمالية تهدف الى إيضاح  الحالة الوجدانية الانفعالية التي تتلبس الذات عندما تواجه سؤال المصير، وهي القبض على لحظة فريدة واستثنائية، لحظة التحديق في الموت ومجابهة الغياب. بطريقة شعرية جذابة تلمس فيها الموت بأسلوب مغاير يخفف من الوجع والألم الذاتي.
الكلمات المفتاحية: الغناء، الموت، الكتابة، الجدارية، محمود درويش.

Abstract :
       This article studies Mahmoud Darwish attempt to build a constructed poem that centers on textual openness. Taking benefit from his innovatory experiences and expressive tools, he produces the lyrical epic that expresses the most important question sand preoccupations that are mostly related to the human being; it was done in a very artistic way which aims at clarifying the effective and emotional state that haunts the self when confronted by an existential question; it is the capture of a unique and exceptional moment, the moment of staring at death and the confrontation of abcence.
-------
تمهيد:
إن تجربة درويش الرهيبة مع المرض أصابته بنوبة من اليأس القاتل والانهزام الروحي، الذي هزه من العمق، وجعل العالم حوله سرابا ووهما، مما ترك أعمق الأثر في وعيه الإنساني ولا وعيه الإبداعي، هنا أنجبت نفسه اليائسة ديوان (الجدارية) 1999، تقوم بتسجيل موضوعها في المدى الذي تستبطن به الذات تحولات تجربتها في مصارعة الموت، مستعينة بلغة الشعر، لغة تصف أوابد العدم وضواري الغياب، خاصة حين تتقمص حضور غيرها المبدع الذي لا يفنى إبداعه ، ولكن يتجدد في النقطة الفارقة التي يتغلب فيها الحضور على الغياب، والحياة على الموت، مؤكدة الانتصار المتكرر للإبداع سر الخلود.  
ولدت الجدارية من مخاض معركة قاسية اجتمعت فيها ثنائية خوف الفناء/ وخوف النسيان، حين تدفقت من مآسي روح تنازع من اجل البقاء في غمر رغبة الإرادة الإلهية سلبها من قلب شاعر تحاول ان تقدم له الأيادي البشرية المساعدة. دام الصراع وقتا وأعطي درويش فرصة تقديم ما غاب عنه، ما ظن انه نسيه أو لم يوليه حق قدره، وللوصول إلى مبتغاه انتقل بعيدا بفكره وخياله إلى زمن الطفولة واختلطت الهواجس والأحلام والرغبات واجتمعت في سفرة خاصة عبر التاريخ والثقافات لينتقي بها صاحبها ويثير أسئلة وجودية، تلك الأسئلة الحارقة التي تستبطن أقاصي الروح الشاعرة وأقاصي الكلام وتخوم الذاكرة القصية ، معالجا قضايا لم يعالجها من قبل، حافرا بشعره كوة في جدار الصمت الكوني، بحدس ثاقب وبصيرة مرهفة لا تهدا حتى تتكشف أمامها الأستار والحجب عن كل الأسرار.
      تجسد الجدارية بشكل عام صراعا بين الموت والحياة ، وتحديا وإصرارا على المواجهة، واحتفاء بالفجيعة والغياب حين تتحول المعاناة باعتبارها صورة للفجيعة إلى حضور جمالي فياض وشفاف غني ومتنوع بالظواهر الأدبية والفنية. جمعت جوانب أدبية ودينية واجتماعية وفلسفية وسياسية، وكانت المصب الذي يفرغ فيه درويش همومه، مستفيدا من خبراته وأدواته الإبداعية ووسائله التعبيرية ليشكل فضاءً نصيا يتسم بجدل متوتر بين الذاتي والكوني، الواقعي والخيالي، السردي والدرامي، الغنائي والملحمي، الغرائبي والفجائعي بلغة شعرية كثيفة وشفافة أساسها الرمز والإيحاء، شيدت جماليات خطاب الموت وولدت مساراته الدلالية واستراتيجياته النصية، كأغنية تفيض جمالا موسيقيا وأسلوبيا ودلاليا.
انطلاقا من هذا التوحد والاندماج الشاعري تحاول الدراسة الوقوف عندها ومعالجة الظواهر اللغوية والتشكيلية، كالتناص، الرمز، الأسطورة، الصور الشعرية، التكرار، إضافة إلى اللغة هرم النص وأساس جمالياته؛ التي تنطوي على رؤية درويش لها من ناحية أنها متجددة وفي تجاوز دائم، تستوعب القديم، لتنشأ الحديث في صور بلاغية تقوم على الإدهاش. حين استطاع أن يشحن الكلمات بمداليل جديدة. معتمدة على المنهج السيميائي والتحليلي للتعمق في الجوانب النفسية والإيديولوجية والأدوات الفنية اللغوية .

جماليات الموسيقى الشعرية:
    إن مقاربة الأثر الشعري الدرويشي لا بد وان تكون معززة بعتاد معرفي ونظري وجمالي وتاريخي ملائم حتى تتحصل لدى القارئ تلك الذائقة الشعرية أو ذلك الأفق التأويلي القادر على عبور العتبات الأولية اللازمة للوصول إلى أتون التجلي الشعري ، لذا يجب المرور على عتبة العنوان لفهم أصل  اختياره، ومن ثمة فهم معنى النص الذي يتأسس على جدلية الخفاء / التجلي لتبدأ  فعالية القراءة ودينامكيتها الرامية إلى القبض على جمالية المعنى أو المعنى الجمالي .
العنوان:
      تعد الجدارية سؤالا جديدا، يلقيه الشاعر في وجه الثقافة والوجدان العربيين سؤال ما برح يعمّق نفسه، حتى غدا واضحاً في ذروة غموضه، وغامضاً في ذروة وضوحه ، وقد اختاره  بعناية مركزة ليؤدي مقصدية دلالية معينة تمنح النص شكلا وهوية. وبما أن العنوان هو نص مصغر فانه « يشكل كونا من العلامات والإشارات يقبل دوما التفسير والتأويل، ويستدعي أبدا قراءة ما لم يقرا فيه من قبل »(1)، وهذا ما تحيل عليه كلمة الجدارية التي يمكن أن نضع لها معاني افتراضية لعلها تقربنا من المعنى الهائم للشاعر:
1- تجسيد لمشروع فني، يجتث له الفنان بوصفه مشروع العمر، الذي يتجلى من خلال إعادة تشكيل عناصر متباينة في إطار فني معقد، تعكس ما يشتغل في أعماقه لحظة تنفيذ ذلك العمل، واختيار رموزه وعناصره وألوانه وإشاراته.
2- اكتسبت هذه الصبغة لأنها منذورة لتكتب أو لتعلق على جـدار، ودليلها ما جاء في قوله في القصيدة نفسهـا: « معلقتي الأخيرة » (2). كتبها لتحكي سيرة صاحبها ولتخلد صيته وصوته فتبقى من بعده معلقة بماء الذهب على حجر وعي راسخ يكتنـز في دخيلته جذوة الخلود.
3- مفردة مرادفة لـ (معلقة) فلعل الشاعر بهذا يرغب في أن يعود لنقطة البداية من جديد بعد صراع محموم مع النهاية (الموت) ، ولأن للمعلقات مكانة خاصة ومتميزة في الشعر العربي فإن اختياره لهذا العنوان يرفع من القيمة الأدبية لعمله ويضعه في مصاف المعلقات وربما كان ذلك إيماناً من الشاعر بحكمته وتجربته الحياتية التي تستحق أن تعلق في الأذهان، و بعبقريته الشعرية التي أفرغها في القصيدة الملحمية الغنائية الجديرة بان تعلق على الجدران كأي عمل عظيم باعتبارها سجلاً للحظات صراع ضد المرض، وضد الموت.
مهما تعددت الدلالات وتنوعت الممكنات للوصول إلى المقصدية الباطنية بالذات، فان اغلب تقدير أن العنوان وضعه درويش ليكون حاملا لقدرته الإبداعية الشعرية وإمكاناته اللغوية لتتجسد في الذاكرة الجماعية كرمز للخلود الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وكنموذج أصيل للشعر الحداثي الراقي الذي يحفظ مكانة صاحبه وتسمو عاليا مع اكبر الشعراء على مدار الزمن واختلاف الأجيال ليظل اسمه خالدا وروحه حاضرة رغم غياب الجسد.

نكهة الموت والنظرة الابداعية:  
       قدم درويش حكايته الحوارية الفريدة وفق رؤية فنية متميزة، انتقل فيها عبر الذاكرة إلى التراث الديني والصوفي والأدبي والأسطوري، محاورا من خاض تجربته وأفكاره شعريا إما نفيا أو تثبيتا أو تماهيا، دون أحداث خللا في الجسد الشعري الجديد، ليطفو التراكم المعرفي والإنسان المثقف بوعي منه وبقصد او بدونهما ، تعميقا لروح النص وإخراجه عن لبوسه القديم وإعطائه أفكارا جديدة تناسب رؤيته الآنية وذاته المهددة بالموت، ليشكل الكل لوحة فنية تشكيلية متكاملة شديدة التعقيد والجمال لرؤيا الاندثار الذي عاشه وسمت به روحه، بلغة مضادة تنبض بالحياة تتكتل بالزخم المجازي ورقي الأسلوب، لينتج نصا زئبقيا مخالفا للعادة يتحدث فيه الموت بلغة الحياة، مبهرا القارئ بجماليته الأخاذة. يراهن درويش على جعل الجدارية حاملة لهاجس كتابي واضح ومحدد، تبتدع زمانها وتاريخها، تتجاوز حاضرها إلى الصيت الدائم والنقش الغائر في ذاكرة الزمن، بابتكاره لغة خاصة تتجاوز العادي واليقيني، لتترسخ في الأذهان كعلامة مميزة ودائمة يحفل بها القارئ أينما وجد زمانا ومكانا، وذلك من خلال:
1- الذوات وسيمياء الموت(الانا، الممرضة):
      بدأ الشاعر قصيدته بالتذكير باسمه والتأكيد عليه « هذا هو اسمك»(3) وبما ان تأكيد الاسم هو بمثابة تأكيد للهوية وتأبيد للوجود، فان انطلاقته  كانت ذاتية تنم عن تجربة شخصية مع المعاناة، مما يجعلها تقترب من قصيدة السيرة الذاتية التي تتناول وقائع قوليه وفعلية يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والممكن بالمتخيل، وفق نظام شذري يخضع لإيقاع وانفعالات الذات الشاعرة ، مما يؤدي إلى إكساب النص السمة الدرامية من حيث هو سرد فاجع لأشواق ذات تحدق في موتها وتعانق غيابها. ومن جهة أخرى فقد شكل الاسم انفصالاً طفيفاً عن جسد النص، وهو انفصال دلالي تخلقه لغة الحوار السائدة في المقطع  إذ يتحول النص إلى إسناد مباشر إلى ضمير المتكلم، ويدعم هذا الانفصال ويغطيه ربط التذكير باسمه بالمرأة التي جعلها الرابط بين الواقع والخيال، وإشارة إلى أن رحلة توشك أن تنطلق، رحلة تقود إلى عالم يشبه العالم الآخر، ولكنه لا يطابقه بالضرورة، وليست امتدادا لرحلة الإسراء والمعراج في الآداب العربية و الإسلامية، لأنها ما تكاد تصل إلى عالم الفناء حتى ترتد لتبدأ رحلة موازية في عالم الصيرورة، وكأن الذات التي يقترب الموت منها تمسى لتبدأ رحلة جديدة في عالم الإرادة الإنسانية.  
إن حضور المرأة التي سيعلن عنها فيما بعد أنها الممرضة جاء قرين البياض- رمز المرض والموت- الذي هو بداية الطريق إلى غرفة العمليات، ليبدأ الشاعر رحلته بين الوجود والعدم، حيث تختفي حدود الزمان والمكان، مع اكتمال عملية التخدير، كأننا في سديم المابين، حيث تتدافع المجازات، صانعة عالماً من الرؤيا - الحلم، أو الحلم - الرؤيا،  وكأن الشاعر في حالة من الهذيان واللاشعور، حين يحمله جناح حمامة بيضاء صوب طفولة أخرى، حيث الواقعي هو الخيالي الأكيد، إلى أن يصبح الجسد جسدين: أولهما راقد وسط البياض، يراقب الثاني الذي انشق منه، مُحلِّقاً في الفضاء الأبيض الذي يحدِّق فيه اللاوعي الذي يغلب الوعي.                                                                     2- موسيقى اللغة: انزياح لغوي، سيمياء الخلود:
       في خضم الارتحال اللاواعي والهذيان غير المنطقي، وحالة الضياع التي يمثلها الصراع في الحياة بين الحقيقة والوهم، وصراع الموت ومحاولة الجسد التغلب عليه، انبعثت فيه الحياة من جديد  أصفى وأوضح في عين الروح البصيرة إذ صرح بقوله:  سأصير يوماً ما أريد، سأصير يوماً فكرة، سأصير يوما طائرا، سأصير يوما كرمة، سأصير يوما شاعرا " والتي ترددت في مواضع متعددة من الجدارية مما يدل على مدى الإلحاح التي مارسته على نفسية الشاعر وذاكرته المبدعة. فهي اختزال للحلم الإنساني المستحيل والعصي على التحقق في الحياة التي جربها الشاعر. وقد جعل من العبارة الشعرية " سأصير يوما ما أريد"(4) وأيضا "خضراء ارض قصيدتي خضراء "(5) كلازمة بنائية تشيد جمالية خطاب الموت وتؤدي إيقاعا موسيقيا يعكس شجون ذات حزينة ومنكسرة تجابه مصيرها الأليم في صمت فاجع، وتواجه موتها بالغناء، ذلك أن الغنائية التي تنبعث من المقاطع المكررة تعمل على توتير المواقف والوقائع المسرودة أو الموصوفة ، وفي هذا تكييف لإستراتيجية النص الجمالية، كما أن هذا التكرار للازمة عمل على صيانة وحدة النص من التفكك مهما تشعبت مكوناته لتدفع بالقارئ إلى التفاعل مع الطقس المأتمي والفجائعي الذي تستدعيه القصيدة. ذلك أن « أسلوب التكرار يستطيع أن يغني المعنى ويرفعه إلى مرتبة الأصالة، ذلك إن استطاع الشاعر أن يسيطر عليه سيطرة كاملة، ويستخدمه في موضعه، وإلا فليس أيسر من أن يتحول هذا التكرار نفسه بالشعر إلى اللفظة المبتذلة »(6) والى جانب هذا فهما يمثلان التحدي وقهر الموت بالحياة حين تستمر الرغبة (سأصير) في تحقيق الأمنية على الرغم من الصراع الذي يعيشه الجسد المنهار، والتي تتحقق بدورها عن طريق الفن والإبداع الذي يمثله اللون الأخضر رمز الخصب والنماء الأسطوري ، لتنتقل من عالم البياض إلى عالم الخضرة وبكل ما يرمز إليه اللونين، لتكون المخايلة الرمزية بين تموز والإبداع تعويذة الشاعر للوصول إلى الخلود.
3- الأنا وسيمياء الحياة:
       يواصل الشاعر سرده ويِؤكد على اسمه لأنه سيكون سر خلوده إذ يعود إلى نفس المقطع مكررا إياه لكن بطريقة مختلفة حيث يكون متنامياً في حجمه ومتشعباً في دلالته، مع الإشارة إلى أن « تكرار الجملة من الأشكال البارزة عند محمود درويش، وتأتي غالبا في سبيل الإلحاح على معنى معين او تأكيد فكرة محددة، تعد بمثابة مفتاح النص الشعري»(7):
هذا هو اسمك، فاحفظ اسمك جيدا
    لا تختلف معه في حرف. (Cool
بعد غياب الممرضة ، نجد درويش يردد في حالة من الهذيان ، ما قالته هذه المرأة: (هذا هو اسمك) وكأنه يستعيد ما فقده، مؤكّداً قيمة الاسم الدلالية ، وقدرته على الانفتاح على آفاق الذاكرة، بل يجعل منه شيئاً خارجياً منفصلاً عنه. ومع التنامي المقصود في إطار سردي يتخذ الاسم وضعيته التي تسمح له بالانفتاح على جوانب تأويلية متنوعة :
يا اسمي سوف تكبر حين اكبر
سوف تحملني وأحملك
الغريب اخ الغريب (9)
تتطور العلاقة مع الاسم من تشخيص له مبني على تأكيد ذاتية الشاعر الفردية، إلى أسئلة وجودية تثيرها الذات عن حقيقتها وهويتها التي تميزها عن غيرها:
قل: ما الآن، ما الغد ؟
ما الزمان وما المكان
وما القديم وما الجديد؟ (10)
يبحر الشاعر السارد عبر المقاطع الشعرية التالية في رحلات مطولة في وعيه وذاكرته بحثاً عما يحفظانه، ويظل مشغولاً بالبحث عن حقيقة اسمه ودلالاته، وسواء طفا السؤال أحياناً على سطح الوعي وانعكس في النص، أو غاب عنهما أحياناً أخرى، فإن صوت الشاعر السارد يعود في المقطع الأخير من القصيدة وقد أوشك أن ينهي رحلة البحث عن اسمه الذي هو دال على وجوده وهويته، ليعدد مجموعة من الأشياء التي يمتلكها أو تمتلكه هي، لأن تلك العلاقة ببعديها هي دليل تحقق وجوده(11)، ومن ثم يقف عند اسمه ويفكك حروفه في تشكيل لغوي فاتن يحقق دلالة الهوية الفردية، اذ يقول:
واسمي، وإن أخطأت لفظ اسمي
بخمسة أحرف أفقية التكوين لي:
ميم  المتيم والميتم والتمم ما مضى
حاء/ الحديقة والحبيبة، حيرتان وحسرتان
ميم/ المغامر والمعد المستعد لموته
الموعود منفيا، مريض المشتهى
واو/ الوداع، الوردة الوسطى،
ولاء للولادة أينما وجدت، ووعد الوالدين
دال/ الدليل، الدرب، دمعة
دارة درست، ودوري يدللني ويدميني/
وهذا الاسم لي... (21)  
4- المعرفة والخلود:  
     إذا كان الاسم سر الخلود فان الفن أو الإبداع سليله، ذلك أن الكتابة هي تحقيق للكينونة ونهاية لاغتراب الذات المبدعة، والسبب ذاته جعله يستعيد مشاهد الصراع الأبدي بين الإبداع الذي ينتسب إليه انتساب الاسم إلى مسمَّاه، مؤكداً النغمة الأساسية التي تتجسد دلالتها المتكررة ، في معنى أساسي مؤداه أنه ما مات من أبدع، أو خلق فنّاً يظل باقياً على الدهر، أو على رغم الدهر، لذا جاء في قوله:
هذه لغتي. وهذا الصوت وخز دمي
ولكن المؤلف آخر...
اكتب تكن
واقرأ تجد (31)
تأججت في ذات الشاعر الرغبة في التجدد ونهم المعرفة للتحديق في الموت وقهره، مؤكدا قدرة الفن على الانتصار المتكرر والمتجدد بتقمص الذات لإنتاجات غيرها واستحضارها ، فيتغلب الحضور على الغياب، وتتحول لحظة الانتصار إلى موقف للكشف عن أبرز ما فيها وهي نقطة الالتقاء التي تتقاطع عندها كل حقولها الدلالية:  
 هَزَمتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعها          
وانتصرتْ، وأَفلَتْ من كمائنك الخلود. (41)
5- المجاز اللغوي: خلود وجمال:
      نلحظ من خلال هذا المقطع وغيره ( أيها الموتُ انتظرني خارج الأرض انتظرني في بلادكَ، ريثما أُنهي حديثاً عابراً مع ما تبقّى من حياتي ) (15) أن محمود درويش انطلق من الخواء الذي هو فيه، محاولا فهم  الموت، وتشخيصه، حتى يتمكن من تعيين ملامحه وضبط ممارساته مؤسسا بذلك لجمالية جديدة في مواجهة عدوه، اذ يتجسد أمامنا الخصم من خلال الرسم الشعري الذي أنجزه درويش موتا أليفا مختلفا عن صورته في المخيال الثقافي الجماعي؛ حيث يسعى الخطاب المباشر له إلى تجريده من الجوانب المأساوية التي تصاحبه في المتخيل الإنساني وتحريره من صورته المفزعة، لتعطيه بعدا إنسانيا يجعل العلاقة بين الذات والموت ودية غير عدائية أحيانا، وعدائية لامبالية عابثة ساخرة من أفعاله وقوته أحيانا أخرى، من خلال محاورات مطولة معه . وهنا يكون النصّ الدرويشيّ في أجمل حالة من التوهّج ؛ يتجلى في لغة مدهشة، لغة حلميه تنبؤية لا تعترف بالحدود المنطقية بين الأشياء، احتفى فيها درويش بالصيغ المجازية والتراكيب الاستعاريــة، إذ « تأتلف وتتمازج الصور فيما بينها، وتمتد لتنقل الصور من وحداتها الصغرى إلى وحداتها الكبرى، تدخل في شبكة علاقات تفقد داخلها دلالاتها الجزئية لتتحد في تيار دلالي عام يمثل حركة الصورة وفعلها الجمالي في النص »(16).
كما ان الشاعر تجاوز قوانين الواقع الطبيعي والفيزيائي من خلال فعالية الحلم وآليات الترميز الشعري، اذ سرد الوقائع عبر انتقالات متوالية ومتتابعة، ومتداخلة في الوقت نفسه، بين أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل ما يتخذ صيغ التذكر والإدراك والتنبؤ، وذلك ما يحقق جوهر القص أو السرد عبر تصوير الصيرورة التي تعتري الذات الشاعرة في بحثها عن هويتها، وهنا تلعب مظاهر الانحراف الإسنادي دورا جماليا في بناء المعنى وتشكيل الدلالة. وتتضافر عناصر الفعل الشعري التخييلي  وتتساند من اجل تشكيل سياق تعبيري مميز يمكن الشاعر من ترتيب عناصر الوجود العيني والغيبي ترتيبا جديدا يرتهن إلى مقتضيات الرؤيا الشعرية التي تستطيع تجسيد المعنى التجريدي بطريقة تشكيلية نادرة تجمع بين المرئي واللامرئي، بين الممكن والمتخيل، بين التاريخي والأسطوري. وهو ما يمكن القارئ من النفاذ إلى أسرار الذات الشاعرة التي لا تنكفئ على نفسها إلا لكي تحل في الكون وتنحل فيه، مثل ما جاء في قوله:
..وتنحلٌ العناصر والمشاعر. لا
أري جسدي هناك ، ولا أحسٌ
بعنفوان الموت ،أو بحياتي الأولي .
كأنٌي لسْت منٌي. منْ أنا ؟ أأنا
الفقيد أم الوليد ؟ (71)
اعتمد درويش الى جانب الصيغ المجازية على التشظي واللايقين كإستراتيجية تعبيرية وجمالية لتأسيس خطابه في القصيدة، اذ توجه إلى خلق صور وأخيلة غائمة مفارقة للإطار المتحكم في فهمها وتداولها، ينشئ بها عالما نصيا سديميا تطفو على سطحه ذكريات متشظية ترتبط بمسيرة ومصير حياة الشاعر المفعمة بالهشاشة والانمحاء أمام الحضور الطاغي للموت والغياب كما يظهر من هذا المقطع الشعري الذي يهيمن عليه الالتباس وعدم اليقين:
منْ أنت ، يا أنا ؟
في الطريقِ اثنانِ نحْن ،
                          وفي القيامة واحد                                                              
خذْني إلي ضوء التلاشي كي أري
صيْرورتي في صورتي الأخرى . (18)
6- تيمة الموت، والسفر بالذكريات:
قدم درويش وقائع سردية لاواعية يبحر بها في سديم اللايقين أساسها الحلم والوصف والتذكر، دليلها مجازات راقية تسبح بها إلى رموز دلالية متنوعة، توهم القارئ بواقعية تخييلها، ومخيلة واقعيتها، تأخذه إلى التعمق في عبارات وجمل النص اللامنطقية، يشخص المحسوس ويحاكيه، يتوحد معه وينفر منه ويعاديه، يدور في بوتقة غامضة، وكأنه إنسان مهووس، يستمر على هذه الحال إلى أن تأتي الممرضة وتوقظه وتطمئنه عن حاله وتدعوه للعودة إلى حلمه ليكون جديرا به، فقد جعل منها الرابط بين الحلم والحقيقة، ولكن هذا يبعث الشك فينا ويثير تساؤلا قلقا حول ما اذا كانت الممرضة جزء من القصة، لأنه وضع فيها صفة العليم بالغيب وما يدور في عقله وتخيلاته، لكن الشاعر لا يترك مجالا للقارئ للتساؤل حتى يعلمه ببداية الرؤيا عن طريق الفعل (رأيت) والذي  يبدو أكثر اتصالا بعالم الشهادة. وهي رؤى تنتقل بين الأماكن المغلقة والمفتوحة على صعيد المكان وتجمع بين الشخصي والجمعي والشعري والفلسفي، مع تكثيف الشاعر من هواجس عالم يتشكل في اللاوعي بعيدا عن الأنساق الجاهزة، مبنية على مفارقات مراوغة ساخرة تعكس نموذجية العلاقاتSadرأيت طبيبي الفرنسي   رأيت أبي عائدا..  رأيت شبابا مقاربة..  رأيت ريني شار..رأيت رفاقي الثلاثة  رأيت المعري.. ) (91).
جعل درويش من هذه الرؤى بوابة لتفاعل الألسنة والثقافات، في قصيدة موحدة تجمع ما تركته إبداعات الآخرين في الشاعر، بحضورها وغيابها، حيث تستحضر ذاكرته ما يناسبها، وتنفي ما يناسبها أيضا، معتمدا على نصوص تجسد قضيته المطروحة بأكثر من صيغة وتتوسل الوصول إلى إجابة ورفض إجابــة، كأنها تضع بذلك هالة حول الطرح التساؤلي فيها. فكان التواجد مستفيضا للقرآن وسحره الأسلوبي، أسماء الأساطير، روح الديانات القديمة، الشعراء العرب، في بوتقة موسيقية جمالية تكمل الواحدة الأخرى دون الإخلال بالتركيب أو إحداث فجوة تنم عن الانتقال، وسنستعرضها الآن في عجالة لتبيين سحرها الأخاذ.
إن الذات الشاعر هنا تعيد إنتاج الآخر الغيبي الذي يشاركها تجربة التحديق في الموت من أجل التوغل داخله مما يتيح لها تجاوز نقصها وتأسيس كينونة يتضاعف فيها وجودها، وبالتالي انجازها ما يمكن تسميته بالتداخل السيري الذي يسمح بتخليدها وتأبيدها في الزمن، لأن الحضور هنا يغدو حضورا مزدوجا تعيش من خلاله الذات تجارب الآخرين ومصائرهم، الأمر الذي يعمق الوجود ويضاعف الحضور. وأول ما بدأ به كان لغة المتصوفة التي يعزز بها وظيفته من سبب خلقه، فالحياة طريق لمعرفة ظلّ الله، والجمال يأخذ إلى الجميل، والحبّ يقود المحبّ إلى ذات محبّه متحرّراً من ذاته و صفاته، فكلاهما واحد، ورحيله من الدنيا ما هو إلا نهاية مهمته على الأرض التي ستكون بدورها سبب خلوده، فالجسد بوابة الروح، والحياة بوابة الخلود .. وهذا ما يريده درويش :
لم أولَدْ لأعرفَ أنني سأموت، بل لأحبّ
محتوياتِ ظلّ اللهِ
يأخذني الجمالُ إلى الجميلِ …(02).
بعد الاستهلال بلغة المتصوفة، انتقل إلى تأكيد عظمة السير بخطى ثابتة نحو النهاية والتمسك برغبة الخلود الذي يحصنه سر الكتابة، الذي أكده في العديد من مواضع القصيدة بطرق تعبيرية مختلفة، وثبت رأيه بخلقه نوعا من الحلول بين الماضي والحاضر حين استدعى طرفة بن العبد الذي يعتبر من أبرز الشعراء الذين أقاموا حوارا عميقا مع هذه التيمة في معلقته الشهيرة، حيث أدرك على حداثة سنه أن الإنسان يحمل في جسده بذور فنائه. وما دام الموت قدر الكائن فقد قرر الشاعر أن يواجهه بالإغراق في متع الحياة والانهماك في ملذاتها. يقول درويش:
أيها الموت انتظرني خارج الأرض،
…. قرب خيمتك ، انتظرني ريثما أنهي
قراءة طرفة بن العبد. (12).
يستمر درويش في علاقته بتراث الماضي الشعري على نحو لا يقوم على رفض أو احتقار له، فهو قد يؤنس الشاعر أو يتعبه، لكن هذه المؤانسة وهذا التعب اللذان يؤكدان لحظة الاتصال، ويرفضان القطيعة الشعورية والمعرفية مع الماضي، لا يكفيان لتأسيس مشروع شعري حديث قادر على تجسيد إيقاع العصر المملوء بالتناقضات والتوتر والغموض. ونلاحظ هذا في استدعائه للمعري من دون ذكر اسمه وإنما على ما ينسب إليه، وأيضا امرئ القيس في قوله:
ويؤنسني تذكر ما نسيت من
البلاغة: "لم الد ولدا ليحمل موت والده"...
وآثرت الزواج الحر بين المفردات... (22).
وإذا كانت الإشارة للمعري مرتبطة بموقفه الشهير الذي يرفض فيه الزواج، فان درويش أوﱠلها لتقوم بدلا منها علاقة زواج فنية قائمة على علاقة حرة مع اللغة، تحررت المفردات من سياقاتها البلاغية والمعجمية الثابتة، لتؤسس دلالات متحركة في سياق قصيدة نامية تجسد رغبة الذات في التحرر من غربتها والسعي لبناء عالم أكثر جمالا وعدلا.
أما المقطع الآخر الذي جاء فيه ذكر امرئ القيس فهو:
تعبت من لغتي تقول ولا
تقول علي ظهور الخيل ماذا يصنع
الماضي بأيام امرىء القيس الموزع
بين قافية وقيصر... (23).
       سعى درويش إلى خلق لوحة تشكيلية، شديدة التعقيد والجمال، تنعكس فيها كلّ معطيات معرفته وثقافته، خاصة أنه يريد إعلاء شأن الشعر بذكر المعري وامرئ القيس، وجعلهما مدخلا لأسطورة الخصب، من خلال أجمل رموزها (عناة) حيث يحتفل درويش بها أيّما احتفال، وكأنه بهذا يعبّر عن توقه الدائم للخلود، بما تمثله هذه الأسطورة، التي تدخل في بنية القصيدة، لتسير بها نحو جمالية دلالية عالية ولاسيما مع وضوح الغنائية العالية، التي تتخذ شكل أغنية على لسان عناة الوحيدة المستوحشة بذاتها.. يقول:
كلما يمّمتُ وجهي شطر آلهتي،
هنالك، في بلاد الأرجوان أضاءني
قمرٌ تطوّقه عناةُ ، عناةُ سيّدة (42).
        لهذا تأتي عناة في الجدارية تشكيلا أسطوريا لحياة تسعي اليها الجدارية ولا تستطيع بلوغها، إضافة إلي كونها على المستوى الفني. نقطة تحول وعنصر إخصاب جمالي، يشكل مناخا شعريا يحفل بالعناصر التاريخية والشعرية والغنائية والدرامية، ويعبر في مجموعة عن ثنائية الحياة والموت، فالمعري وامرؤ القيس وعناة مأزومون، وهم في أزمتهم، يضيئون أزمة الشاعر، ويكشفون أبعادها، وما تنطوي عليه من مرارة وجودية، ومحاولة الخروج منها ببناء نص يتسع لعناصر تشكيلية متعددة تتحرك فيه الدلالات في خضم الغموض والتوتر وانشطار الذات.
قدم الشاعر عناة كرمز أسطوري يبعث الأمل والحياة والانبعاث في زمن ملئ بالتناقضات، وكان إصراره على الحياة ومواجهة الموت كبيرا، لذا عزز القصيدة بأسطورة أخرى عمقت المعنى (جلجامش )اقدم رحلة في البحث عن الخلود. استفاض الشاعر في دمج تفاصيل هذه الأسطورة ذات العلاقة المباشرة بجوهر الجدارية وذلك حين يعبر عن انكساره، وهو المتواري خلف شخصية جلجامش، حين ينكسر أمام الغياب، الغياب الأبدي الذي سلبه صديقه أنكيدو ولم يبقِ له من سمات الحياة والتواصل شيئاَ فقد ذهب أنكيدو ليعانق الموت ويتركه إزاء فلسفته. يندفع الشاعر بأسلوب التداعي الحر على لسان جلجامش معبراً عن حيرته تارة، وعن انكساره تارة أخرى، وحيناً يتلبسه الإصرار والثبات، متوليا سرد تفاصيل  مغامرته بضمير المتكلم حيث بدأت مأساته مع الفناء بوفاة رفيقه أنكيدو الذي رأى فيه علامة تنذره بمصيره الأليم.
ولم نزل نحيا كأن الموت يخطئنا,
......والقلب مهجور
كبئر جف فيها الماء فاتسع الصدى
الوحشي : انكيدو,خيالي لم يعد
يكفي لأكمل رحلتي. ... (25).
       الأسطورة بنيةٌ مضادة للواقع، على الرغم من أنها استطاعت أن تمثل واقعا ً ما، بنيةٌ استطاع الشعر أن يمتصّها، ويعيدَ إنتاجها على نحو أجمل غالباً، فهي تصعيد لحالة متفرّدة في الواقع ، كالبحث عن الخلود / جلجامش، أو تفجرِ الحياة واستعادِتها خصبَها / عناة، أو انهزام الفطرة الأولى أمام قسوة الواقع / أنكيدو. لم يتوقف الشاعر عندها فحسب وإنما تجاوزها لذكر خلفيات دينية كالطوفان وسفينة ادم لتكون رمزاً جديداً في النص ، للموت والحياة، وقد أراد من استحضار القصة معرفة  ماهية الموت / الطوفان .. وماذا سيفعل الإنسان على هذه الأرض، انه يلقي أسئلته ويمضي  ليقدّم النتيجة التالية: " لم يعد أحدٌ من الموتى ليخبرَنا الحقيقةَ ". ولعلّ درويش في طرحه هذا، أراد من جديد، تأكيدَ عجز (الشعر / الحلم / الأنبياء) عن تغيير الواقع المنهار، ولكن يكفي الإنسان أن يحلم، لا لشيء إلا ليحلم:
سأحلم لا لأصلح مركبات الريح
أو عطباً أصاب الروح
.......ولكني سأحلم ... (26).
        إذا كان النبي يوسف قد حلم وتحققت رؤياه، فإن درويش حلم أيضاً، ولكن رؤياه ذهبت مع الرياح وتحوّل كلّ شيء إلى غبار ومحض سراب. ولهذا يستنهض درويشُ حكمةَ الشاعر الجاهليّ لبيد بن ربيعة بعدما أسلم  وخلع عنه حياته الجاهلية ( ألا كلّ شيء ما خلا الله باطلُ وكلّ نعيم لا محالة زائلُ)  وكذلك درويش بعد أن امتلأت نفسه بالموت والرحيل وصل إلى هذه النتيجة، وبلغة الشاعر الجاهليّ وأسلوبه مستخدماً البحر الخفيف، وكأنما الشاعر يستخفّ بكلّ ما على هذه الأرض فيعلن ومكررا خمس مرات وفي مواضع متعددة أنه:
باطلٌ باطلُ الأباطيل ... باطلْ
كلّ شيء على البسيطة زائلْ (72).
خاتمة:
إن قصيدة الجدارية كشفت عن أكثر المشاغل حميمية وأشدها التصاقا بالوجود الإنساني، حيث ينشغل درويش فيها بتشييد واقع جمالي يروم التعبير عن حالة وجدانية انفعالية تتلبس الذات عندما تواجه سؤال المصير، مقدمة التي تتحصن بها الذات من التحطم والانهدام ( الحلم، المعرفة)، بلغة شعرية كثيفة وشفافة أساسها الرمز والإيحاء، ابتعد فيها عن التقرير والمباشرة في بوتقة استيتيكة تجمع المعارف من شتى المجالات دالة على اتساع ثقافته اطلاعاته ( الشعراء، الأساطير الديانات )، حيث استنفذ فيها  درويش كل طاقاته الفنية وإمكاناته الجمالية من أجل تصوير دراما الغياب الفاجع.                  
لقد امتلأ الشاعر بكل أسباب الغياب لكن شهوة الحياة التي تضطرب في عروقه جعلته يتفجر شلالا من الشعر يتدفق ممتطيا صهوة الأمل ليغني لمستقبل أبهى وأجمل. مقدما لقارئه قصيدة مطولة تدفعه نحو الأمل والتجدد بعد كل انقلاب نفسي، انها مغنية وليست مرثية تكون أينما كان وتحلق به بعيدا إلى الشاعرية والاستمرار.
الهوامش:
1- علي حرب: نقد الحقيقة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1993، ص 6.
2- محمود درويش:الأعمال الجديدة، ط1، رياض الرسي للكتب والنشر، لبنان، 2009،ص 441.
3- الجدارية : ص 441- 442.
4- الجدارية: ص 445- 446- 447- 448- 449.
5- الجدارية: ص 450- 454- 466- 474- 501.
6- نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 1983، ص 263.
7-  محمد صلاح زكي ابو حميدة: الخطاب الشعري عند محمود درويش، دراسة أسلوبية، "1، مطبعة المقداد، غزة، 2000، ص 314
8- الجدارية: ص 447
9-  10 -الجدارية: ص 448
11- سامي سليمان أحمد: السرد وتشكيل بنية النص في» جدارية « محمود درويش، حصاد الشعر،نشرة يومية تصدر عن بيت فلسطين للشعر،ع 98، 2012، ص 5.
21- الجدارية: ص 534
31- الجدارية: ص 457
14- الجدارية: ص 487
15- الجدارية: ص 505
16- عالية محمود صالح: اللغة والتشكيل في جدارية درويش، مجلة جامعة دمشق، م 26 ،ع 3و4، 2010، ص360.
71- الجدارية: ص 470
18- الجدارية: ص 477
91- الجدارية: ص 462- 463- 464
02- الجدارية: ص 468
12- الجدارية: ص 481
22- الجدارية: ص 501
23- الجدارية: ص 504
24- الجدارية: ص 504
25- الجدارية: ص 513.
26- الجدارية: ص 505
27- الجدارية: ص 523

مدير المنتدى
Admin

عدد المساهمات : 166
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
الموقع : rihabalkalimah.cultureforum.net

https://ichkalat.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى