مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.
مجلة إشكالات في اللغة والأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تطور نظرية النقد الثقافي في النقد العربي المعاصر

اذهب الى الأسفل

      تطور نظرية النقد الثقافي في النقد العربي المعاصر Empty تطور نظرية النقد الثقافي في النقد العربي المعاصر

مُساهمة  مدير المنتدى الخميس يناير 28, 2016 6:48 pm

تطور نظرية النقد الثقافي في النقد العربي المعاصر

أ.طارق بوحالة
المركز الجامعي بميلة


الملخص:
يعد النقد الثقافي من أحدث التوجهات النقدية والمعرفية التي عرفها العالم الغربي مع نهايات القرن الماضي، حيث يبحث هذا النشاط عن الثقافي داخل الأدبي، وقد ظهر ذلك جليا إثر الدعوة إلى نقد "جديد" يتجاوز مقولات النقد الأدبي وعلى رأسها الجمالية، إلى نقد ثقافي يهتم بالأنساق الثقافية المضمرة خلف البناء اللغوي. الأمر الذي دفع به إلى التقاطع مع معارف إنسانية مجاورة أبرزها: نظرية الأدب، وعلم الجمال، والتحليلين الفلسفي والنفسي، والنظرية الماركسية والتاريخانية الجديدة، والأنتروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم العلامات وغيرها...
وقد استقبل النقد العربي هذا النشاط الجديد مع بدايات القرن الحالي من خلال مجموعة من الأعمال والدراسات،على رأسها كتاب الناقد السعودي عبد الله الغذامي الموسوم بـ: النقد الثقافي ،قراءة في الأنساق الثقافية العربية الصادر عام 2000.
لهذا تسعى دراستنا إلى مناقشة أبرز محطات النقد الثقافي وتطوره في الوطن العربي، حيث تم اختيار وعرض مجموعة من التجارب النقدية التي تصف نفسها بذلك.

Abstract:
The present study attempts to trace the history of cultural criticism and its development in the Arab World. For this end, it has dealt with a set of critical experiments which call themselves as such, especially those which came after "Abdellah Elgoudhami’s book", ‘The Cultural Criticism ;a critical reading into the Arab cultural patterns’ in 2000 .


-------
تمهيد:
عرف النقد العربي المعاصر مع نهايات القرن الماضي انفتاحا على جملة من التوجهات والمقولات النقدية التي تحاول تجاوز المنجز البنيوي، حيث ظهرت مرحلة جديدة أطلق عليها نقد ما بعد البنيوية ثم ما بعد الحداثة، دون إغفال الدراسات ما بعد الاستعمارية. ويعد النقد الثقافي أبرز نشاط نقدي عرفه العرب في بدايات هذا القرن، بدعوى أنه بديل النقد الأدبي، أو بوصفه التوجه الوحيد القادر على إخراج النقد العربي من دوامة التيه النقدي.
وقد كانت دراسة عبد الله الغذّامي الموسومة بـ: النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية، الصادرة عام 2000، أول دراسة عربية تتبنى صراحة نظرية النقد الثقافي، معلنة موت النقد الأدبي ومحاولة تقويض معالمه. ثم توالت دراسات النقاد العرب بعد ذلك متبنية مقولات النقد الثقافي بغية قراءة النصوص الأدبية قراءة ثقافية، والكشف عن الأنساق الثقافية المضمرة.
لهذا تسعى هذه المقالة إلى تقديم أهم المحطات الرئيسة في النقد الثقافي في الوطن العربي، والاقتراب منها بغية الإجابة عن إشكالية مركزية مفادها: هل تم تأسيس هذه الدراسات النقدية على رؤيا واضحة المعالم، أم أنها مجرد صدى لما كان يحصل عند الغرب؟
النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي: الطرح والريادة.
يعود إهتمام الناقد السعودي "عبد الله الغذامي" بنشاط النقد الثقافي إلى السنوات الأخيرة من القرن الماضي، خاصة بعد صدور جزئي كتابه: "المرأة واللّغة " أين تحولت المرأة من خلالهما إلى قضية دافع عنها من موقع خاص، إنها مركز يدور حوله الخطاب النقدي في مجمله... (1)
ولقد خصص الناقد هذين الجزئين لدراسة المهمّش من خطاب المرأة وتحليله ومقارنته بما هو موجود ومهيمن من خطاب ذكوري، غير أن ما يلاحظ على هذه الممارسة النقدية هو عدم تبنيها للنقد الثقافي كبديل عن النقد الأدبي، حيث جاءت مقتصرة على موضوع المرأة باعتبارها أديبة وقاصة وراوية ومخلصة لبنات جلدتها من الموت كحال شهرزاد.
أمّا الكتاب النقدي الذي تبنى فيه الغذامي صراحة نظرية النقد الثقافي بمحتواها الغربي هو: النقد الثقافي، "قراءة في الأنساق الثقافية العربية"(2000)، حيث حاول فيه اقتراح مشروع وآليات جديدة في تحليل مختارات شعرية موزعة بين ما هو قديم وحديث.
وقد عرف هذا المشروع في سياق زمني خاص بالنسبة إلى الوطن العربي، فقد تزامن مع التحولات التي حدثت على مستوى منطقة الخليج، أين عرفت الثقافة العربية " منذ أواخر التسعينيات، مرحلة تغلي بالتطورات السياسية في المنطقة العربية في أعقاب حرب الخليج الثانية، عاصفة الصحراء، وكانت تنذر بالتغيرات على صعيدي الثقافة والمجتمع"(2).
وقد واكب هذا السياق التاريخي " شيوع الخطاب الديني الأصولي الذي يعتمد اعتمادا أساسيا على التفكير في المطلق، والإيمان بمنظومة عقائدية ذات صبغة دينية أو قومية لا ترى العالم إلا من خلالهما، وتعتمد كذلك من الناحية الفكرية والفلسفية على الرؤى التاريخية والقياسية والانتقائية والميثولوجية، وأخيرا يعتمد من الناحية الجمالية على اللغة والبلاغة، باعتبارهما قيمة جمالية مقدسة تحمل نفحة من نفحات الأثر الديني، والقدسي وهو ما يتعارض مع طبيعة النقد الثقافي الذي ينزع شرطي اللغة والبلاغة من النص وينظر إليها بوصفهما منظومة من العلامات التي تتجاوز نطاق اللغة والبلاغة."(3)
لهذا فإذا كان النظام العالمي الجديد (الأمركة) والخطاب الديني الأصولي جاءا كبديلين في مجالي السياسة والدين في الوطن العربي، فإن مشروع النقد الثقافي، جاء هو أيضا كبديل عن النقد الأدبي لـأنه حسب الغذامي حصر اهتمامه لمدة زمنية طويلة بالبحث في جماليات النص الأدبي فقط. لاسيما مع ما قدمته البلاغة، التي اعتبرت أيضا لم تتجاوز نطاق اللغة وجمالياتها، و يصرح الغذامي : " لقد آن الأوان لكي نبحث عن العيوب النسقية للشخصية العربية المتشعرنة والتي يحملها ديوان العرب، وتتجلى في سلوكنا الاجتماعي والثقافي بعامة، لقد أدى النقد الأدبي دورا هاما في الوقوف على جماليات النصوص، وقى تدريبنا على تذوق الجمالي وتقبل الجميل النصوصي، ولكن النقد الأدبي مع هذا وعلى الرغم من هذا أو بسببه، أوقع نفسه وأوقعنا في حالة من العمى الثقافي التام عن العيوب النسقية المختبئة من تحت عباءة الجمالي."(4)
يحاول الغذامي تجاوز مقولات ومنجزات النقد الأدبي، والبحث في ما وراء الأدبية، والجانب الجمالي، معتقدا بحتميّة البحث عن العيوب النسقية بدل الجماليات النصيّة من خلال قراءة شعرنا وفق هذه الرؤية، وهذا من صميم النقد الثقافي -كما يقول- و" مشروع النقد الثقافي هو ما يتوسل به ... لنقد ما في الأدب من أشياء غير الأدبية، ولهذا فالتساؤل عما إذا كان في الأدب شيء آخر غير الأدبية تساؤل مركزي سيظل يحتل الجوهر الفاعل في مشروعه، أي أنه قرر تجاوز نقد البعد الجمالي في النصوص الأدبية إلى بعد آخر ثقافي أو تجاوز النقد الأدبي إلى نقد ثقافي."(5)
إذا فقد قرر الغذامي من خلال كتابه قراءة عيوب وقبحيات الخطاب الشعري وما يختزنه من أنساق ثقافية عبر انتخابه لنماذج شعرية موزعة بين ما هو قديم وما هو حديث.
والملاحظ على الطرح الغذامي أنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل أكمله صاحبه بتقديم دراسات أخرى متبنيا فيه نشاط النقد الثقافي.
ومن أبرز هذه المقالات والدراسات النقدية ما تم نشره في كثير من الجرائد والمجلات العربية، وذلك حين حاول مرارا أن يعلنها صراحة باقتناعه الراسخ بأن النقد الثقافي هو الممارسة البديلة عن النقد الأدبي ومناهجه التقليدية ، وأبرز هذه الدراسات:
1- النقد الثقافي –رؤية جديدة- نادي جدة الأدبي ندوة ملتقى النص، 14 جانفي2001.
2- النقد الثقافي: الفكرة والمنهج، دائرة الثقافة، الشارقة 23 سبتمبر 2001.
3- ثقافة الصورة: مهرجان القرين، الكويت، يناير 2004.
وهذه المقالات الثلاث عبارة عن عينات من قائمة طويلة لمقالات ودراسات يصل عددها إلى حوالي ثلاثين دراسة أو يزيد.
ويواصل الغذامي طرحه حول النقد الثقافي إثر تأليفه لكتاب مشترك مع الناقد السوري "عبد النبي اصطيف"، حيث حمل عنوان: "نقد ثقافي أم نقد أدبي"، قدم فيه الغدامي مقالا موسوما بـ:" إعلان موت النقد الأدبي"، النقد الثقافي بديلا منهجيا عنه، ويقول في هذا السياق: " وأنا أرى أن النقد الأدبي كما نعهده ومدارسه القديمة والحديثة قد بلغ حد النضج أو سن اليأس، حتى لم يعد قادرا على تحقيق متطلبات المتغير المعرفي والثقافي الضخم الذي نشهده الآن عالميا وعربيا."(6)
ولم يتوقف مجهوده عند هذا الحد بل واصل التوجه الذي تبناه -أي "مشروع النقد الثقافي"- وكان ذلك واضحا في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان: "الثقافة التلفزيونية، سقوط النخبة وبروز الشعبي"؛ حيث حاول أن يقرأ من خلاله ثنائية، النخبوي والشعبي ودورهما في تشكيل الخطاب التلفزيوني.
كما ألف الغذامي كتابا آخر حمل عنوان: "القبيلة أو القبائلية أو هويات ما بعد الحداثة"، الذي حاول فيه الانتقال من النصوص الأدبية إلى الخطابات غير الأدبية والكشف عن مضمراته النسقية، حيث يصرح في أحد مواضع كتابه هذا قائلا أنه بصدد قراءة قضية كيفية مواجهة ثقافة القبلية المروج لها في بعض دول الوطن العربي وهويات بعد الحداثة التي تعرف فيها العالم إنتاج كوني وتقدم علمي.(7)
وهذا موضوع لا يمكن أن يخرج عن مشروعه في النقد الثقافي والحضاري الذي روج له منذ صدور كتابه النقد الثقافي عام 2000.
إن ما يميز مشروع النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي هو كثرة ما كتب حوله من دراسات ومقالات وما أقيم حوله من مؤتمرات وندوات وجلسات علمية، توزعت آراءها بين مؤيد له ومعارض بشدة لما قاله.
ونرى أن ما جعل النقاد العرب المعارضين لمشروع الغذامي هو كونه قد ركز على عيوب الخطاب الشعري والثقافي العربي والذي يراه قد كرس في ذواتنا التشعرن والترهل في خطاباتنا حتى العقلية منها. بيد أننا نعتقد أن دور النقد الثقافي ليس البحث في عيوب الخطابات الأدبية غير الأدبية فقط، بل هناك جانب مشرق فيه وجب البحث داخله عن جماليات أعمق مما كان يبحث عنه النقد الأدبي.
لهذا فقد توجه بعض النقاد العرب خاصة في الأردن إلى تبني توجه جماليات النقد الثقافي وحاولوا البحث داخل النصوص الأدبية عن الأنساق الثقافية دون تحميله المسؤولية الكاملة في أنتجها للعيوب النسقية الموجدة في شخصيتنا وخطاباتنا.
جماليات النقد الثقافي:
لم يتوقّف نشاط النقد الثقافي العربي عند ما قدمه الغذامي، بل ظهرت دراسات أخرى، تتبنى مقولات هذا النشاط، أو تحاول من جهة ثانية أن تعرض وتشرح معالمه وروافده المعرفية، لاسيما الاتجاه النقدي المسمى: "جماليات النقد الثقافي" الذي مثله باحثون من الأردن بخاصة عبد القادر الرباعي ويوسف عليمات وأحمد جمال المرازيق...
حيث قدم عبد القادر الرباعي كتابا عام 2007 حمل عنوان: تحولات النقد الثقافي، عن دار جدارا الأردنية، ركّز في فصله الأول على أبرز الأفكار الغربية التي تناقش موضوع الدراسات الثقافية ونقدها، إذ شكلت كتابات كل من "استهوب" و"تيري ايغلتون" وغيرهما مادة خصبة للرباعي يشرح من خلالهما وإعلانهما الصريح عن موت الأدب.
يقول الرباعي واصفا مجال الدراسات الثقافية " وباختصار فإن الدراسات الثقافية هي تجمع أطياف مختلفة تشبه في تجمعها ألوان قوس قزح المتنوعة، وهذه الأطياف المختلفة هي ما تضمه النظرية المعاصرة."(Cool
وكان قبل ذلك ليوسف عليمات وهو من طلبة الرباعي أن قدم كتابا تبنى فيه مفهوم "جماليات التحليل الثقافي"، بغية قراءة نصوص شعرية جاهلية باحثا فيها عن جماليات اللغة الشعرية التي يكرسها الشعراء بغية إضمار جملة من القيم والتمثيلات والأنساق الثقافية.
وقد حمل كتابه الأول الصادر عام 2004 عنوان: "جماليات التحليل الثقافي، الشعر الجاهلي نموذجا"، والذي تبنى فيه مقولات التاريخانية الجديدة أو التحليل الثقافي والذي يسمى أيضا الجماليات الثقافية، التي دعا إليها الناقد الأمريكي 'ستيفن غرينبلات" في بدايات الثمانينيات معلنا عن توجه جديد ما بعد بنيوي يهتم بالقراءة الفاحصة للنصوص والخطابات الأدبية قصد إعادة استخراج القيم والأنساق الثقافية التي امتصتها هذه النصوص.
وانطلاقا من هذه الرؤية يصرح عليمات في قوله " تقدم هذه الدراسة تصورا جديدا للنص الشعري الجاهلي انطلاقا من طروحات جماليات التحليل الثقافيThe poetics of Cultural Analysis، الذي يولي الأنساق المتمركزة في البنى النصية أهمية كبيرة للكشف عن تشكيلات الأنساق ووظيفتها المؤسسة للمعاني والرموز والدلالات."(9)
لهذا يحاول عليمات الكشف عن مركزية النسق الثقافي وضده في مدونة شعرية قديمة، توزعت بين عروة بن الورد والنابغة الذبياني وامرئ القيس، والشنفرى... وغيرهم.
أما الكتاب الثاني ليوسف عليمات فقد حمل عنوان: النسق الثقافي، قراءة في أنساق الشعر العربي القديم الصادر عام 2009.
جاء هذا الكتاب ليثبت توجه التحليل الثقافي لدى عليمات الذي وضع نماذج شعرية مختارة تحت مجهر القراءة الثقافية بغية الكشف عن جملة من الأنساق الثقافية المضمرة داخل هذه النماذج، إلا أن ما يميز دراسته في هذه المرة هو تبنيه جملة من المفاهيم التي تقطع تحت المظلة الكبيرة المسماة النقد الثقافي وأبرزها: التحليل الثقافي، والتأويل الثقافي، القراءة الثقافية، والنقد الثقافي وغيرها.
ولن نغادر هذا العنصر دون أن نذكر دراسة الباحث الأردني: "أحمد جمال المرازيق" الموسومة بعنوان: " جماليات النقد الثقافي" نحو رؤية للأنساق الثقافية في الشعر الأندلسي. الصادرة عام 2009.
النظرية والنقد الثقافي المقارن:
مثل هذا التوجه كل من محسن جاسم الموسوي وعز الدين المناصرة وحفناوي بعلي، أما عز الدين المناصرة فقد استغل مجال النقد الثقافي ليوسع مجال اختصاصه الذي أمضى عقودا في الاشتغال به وهو الأدب المقارن. لهذا فقد قدم مشروعا آخر أطلق عليه "النقد الثقافي المقارن، منظور جدلي تفكيكي"، الذي صدر عام 2005، أين حاول من خلاله المناصرة أن يقرأ جملة من القضايا المرتبطة بنشاط النقد الثقافي، لاسيما ما تعلق بما أطلق عليه "عز الدين المناصرة": ما بعد نظرية الأدب، النص والسياق، تعددية الأنساق المتعارضة، قراءات في النقد الثقافي المقارن...(10)
ما يلاحظ على هذه القراءة الثقافية التي قام بها المناصرة أنها حاولت تفكيك الخطاب النقدي الثقافي من خلال ما ورد في كتاب آرثر أيزابرجر، "النقد الثقافي"، ولم يخصص عز الدين المناصرة كتابه كاملا للنقد الثقافي، بل اكتفى بعرض بعض النماذج الغربية، رغم أنه قدم خلاصة مهمة حاول من خلالها مناقشة جدلية الأدبي والثقافي.
وما يجب الوقوف عنده هو تمييز عز الدين المناصرة بين نشاط النقد الثقافي والنقد الثقافي المقارن، حيث يقدم لهما تعريفا جاء فيه ما يلي:
" النقد الثقافي: يقرأ الأنساق المكبوتة داخل الأدب القومي الواحد ويقرأ النصوص الثقافية، داخل الثقافة الواحدة.
النقد الثقافي المقارن: يقرأ النصوص الثقافية في علاقتها مع النصوص الثقافية في ثقافات العالم ..."(11).
رغم تمييزه بين هذين التعريفين، يبقى عمله المذكور سابقا مخصصا لدراسات مقارنة كانت قد نشرت سابقا في مجلات ودوريات عربية مختلفة.
ومما يذكر في هذا المقام هو محاولة " عز الدين المناصرة" تفكيك بعض محتويات الكتب والمجلات وكان على رأسها كتاب الناقد آرثر أيزابرجر، وعنوانه: "النقد الثقافي: تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية"، إضافة إلى كتاب "سارة جامبل": "النسوية وما بعد النسوية".
ومن الدراسات النظرية التي تحدثت عن مجال النقد الثقافي المقارن دراسة الناقد والمسرحي الجزائري" حفناوي بعلي" الموسومة: " مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن الصادر عام 2007.
حيث جاء الكتاب ثريّا بمادة نظرية حاول من خلالها عرض وشرح الأسس النظرية التي هيأت للنقد الثقافي المقارن.
ودون الابتعاد عن مجالي النظرية والنقد الثقافي فقد قدم الناقد العراقي "محسن جاسم الموسوي" كتابا بعنوان: " النظرية والنقد الثقافي"، وقد صدر عام 2005م، إذ سعى صاحبه فيه إلى قراءة جملة من الموضوعات التي أسهمت في بلورة معالم النقد الثقافي خاصة عند العرب، وكانت أبرز محتويات هذا الكتاب عبارة عن عناوين لمقالات نشرت في عدد من الدوريات والمجلات الغربية والعربية نذكر أهمها:
- "النظرية والسنة الغربية"، وهو مقدم في المؤتمر الدولي للنقد الأدبي بإشراف د/عز الدين إسماعيل.
- هل تتغير آفاق الأدب ؟ أم هل تتغير القراءة"، نشر في مجلة سطور التي تشرف عليها " الأستاذة الدكتورة فاطمة نصر التي تعد مشروعا جادا في النقد الثقافي منذ صدورها 1998م ".(12)
- "مهادات النظرية وسياقاتها عالميا: مواجهات إعجاز احمد الثقافية"، وقد ظهرت أول مرة في مجلة ألف، العدد 18، سنة 1998م.
4- النقد الثقافي وأنساق الغيرية:
في هذا العنصر وقع اختيارنا على كتاب للناقد البحريني "نادر كاظم" بعنوان تمثيل الأخر الصادر عام 2004. وهو عبارة عن رسالة أكاديمية، وقد جاء الكتاب في بابين كبيرين، كل باب يضم فصلين إضافة إلى المقدمة والخاتمة وقائمة المصادر والمراجع.
- الباب الأول بعنوان "مرجعيات المتخيل والتمثيل الثقافي". اهتم المؤلف فيه بدراسة وتحليل أبرز الصور النمطية للعرق الأسود ومدى تجليها في النتاج العربي الثقافي من جغرافيا ورحلات وطب وعلم البحار وعلم الكلام وعلوم اللغة وعلوم الدين.
- الباب الثاني بعنوان" الأسود و التمثيل الثقافي التخيلي"حلل نادر كاظم تمثيلات السود في النتاج العربي الأدبي سواء كان نثرا أو شعرا.
وجاءت مقدمة دراسة تمثيلات الآخر بقلم الناقد عبد الله الغذامي مؤكدا طرحه السالف الذكر بأن الأنساق الثقافية المضمرة من أكثر الأمور خطورة " وتكمن خطورتها في كونها مضمرة وكامنة تمارس تأثيرها دون رقيب وحين يأتي النقد لكشف هذه الأنساق يحرك سكونا ذهنيا وبشريا كان مطمئنا ومن ثم راضيا عن نفسه"(13).
إن أبرز المفاهيم التي جاءت في هذه الدراسة هي عبارة عن مفاهيم نقدية توزعت عبر مجالات معرفية ونقدية عديدة ومختلفة يأتي على رأسها نشاط النقد الثقافي.
غير أن المفهوم المركزي الذي أطّر دراسة نادر كاظم هو مفهوم "التمثيل"، حيث اعتبره عصب الدراسات الثقافية التي تهتم بصورة الغيرية، مركزا على سؤال مفاده كيف تم تمثيل صورة الآخر في المتخيل العربي في العصر الوسيط؟
خاتمة:
إذا أردنا أن نستشرف مستقبل النقد الثقافي عند العرب، يمكن أن نقول بأنه سيلقى مكانه بين مدرجات الجامعات - رغم أنه وجد ذلك في بعضها- إذ أن الموضوعات الجديدة التي دخلت على الدراسات الثقافية وتحليل الخطاب، أصبحت تحتل مكانة هامة، لا سيما ما تعلق بموضوعات مثل: الصورة، والإشهار، والدراسات النسوية، وما بعد الحداثة، والأدب التفاعلي (الرقمي)، والنقد التفاعلي... وغيرها، وهي من صميم النقد الثقافي، من جهة ثانية فقد حان الأوان أن يهدم الجدار الفاصل بين مجالات العلوم الإنسانية في ثقافتنا العربية والذي طالما كان أحد أسباب خلق أحادية التفكير أو التعصب للرأي الواحد، وهذا ما لا يخدم نقدنا الحالي، مما يجب على الناقد الأدبي أن يكون ملمّا بما يحدث في العلوم المجاورة علم الاجتماع وعلم النفس، وعلم الأنتربولوجيا، وعلم العلامات، وعلم الاتصال، وعلوم الإعلام، والإعلانات، والإشهارات، والموضة ... كل هذه الموضوعات الجديدة في ميدان الدراسات الأدبية والنقدية، ستسهم في تطوير القراءة النقدية، والثقافية على حد سواء، مما سيفتح أبواب النقد الثقافي على مصراعيّه أمام النقاد الذين لطالما عاشوا تحت مظلة النقد الأدبي.
غير أنه لن يتحقق ذلك ما دام النقد لا يزال يعاني من تعصب بعض النقاد والدارسين لآراء وقضايا قديمة، تجاوزتها الحياة وأعلنت أفولها وإفلاسها.
من وجهة أخرى يجب علينا أن نرى الواقع والتغيرات التي باتت سمة العصر الذي نعيشه، جراء بروز مفاهيم عديدة مثل: العولمة، والعولمة الثقافية، والانترنت، والقرصنة الإلكترونية، والمحمول، والفايس بوك... وغيرها.

الهوامش:

1- عمار مقدم: الخطاب النقدي عند عبد الله الغدامي، شهادة ماجستير، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة عنابة، 2002/2003، ص 138.
2- ناظم عودة: تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر، دار الكتاب الجديد، بيروت، ص 343.
3- المرجع نفسه، ص 344.
4- عبد الله الغذامي، النقد الثقافي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ص 7-8.
5 - عبد الرحمان محمد القعود: انكسارات النسق الشعري، دار الجمهورية للصحافة، الرياض، ط1، 2007، ص 87.
6- عبد الله الغذامي وعبد النبي اصطيف: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2004، ص 12.
7-عبد الله الغذامي: القبيلة أو القبائلية أو هويات ما بعد الحداثة، المركز العربي الثقافي، الدار البيضاء، بيروت، ط1، 2009، ص 51.
8-عبد القادر الرباعي: تحولات النقد الثقافي، دار جرير، الأردن، ط1، 2004، ص15.
9- يوسف عليمات: التحليل الثقافي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص 15.
10-عز الدين المناصرة: النقد الثقافي المقارن، دار مجدلاوي للنشر، الأردن، ط1، 2005، ص 229.
11- عز الدّين المناصرة: النقد الثقافي المقارن، ص 10.
12- محسن جاسم الموسوي: النظرية والنقد الثقافي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص41.
13- نادر كاظم: تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي في العصر الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص10.



مدير المنتدى
Admin

عدد المساهمات : 166
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
الموقع : rihabalkalimah.cultureforum.net

https://ichkalat.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى