مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مجلة إشكالات في اللغة والأدب
مرحبا بزوار المنتدى وقراء مجلة [ إشكالات ].. نرجو منكم الانضمام إلى أعضائه والتواصل مع أسرة المجلة.
مجلة إشكالات في اللغة والأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المـــــديح الديني في الشعــــــر الشعـــــبي الجزائري في تبسة (أحمد بن سعد أنموذجا)

اذهب الى الأسفل

المـــــديح الديني في الشعــــــر الشعـــــبي الجزائري في تبسة (أحمد بن سعد أنموذجا) Empty المـــــديح الديني في الشعــــــر الشعـــــبي الجزائري في تبسة (أحمد بن سعد أنموذجا)

مُساهمة  مدير المنتدى الجمعة يناير 29, 2016 1:54 pm

المـــــديح الديني في الشعــــــر الشعـــــبي الجزائري في تبسة
(أحمد بن سعد أنموذجا)

أ. حميدة سعاد
المركز الجامعي - ميلة-


[يتناول المقال موضوعا تراثيا، سنحاول من خلاله أن نسلط الضوء بالدراسة والتحليل لشعر المديح الديني الذي يعتبر من أبرز أغراض الشعر الشعبي، بحيث تنكشف فيه عاطفة الشاعر الدينية تجاه خالقه عز وجل، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا المنطلق تهدف دراستنا إلى الكشف عن ظواهر المقدس في الشعر الشعبي الجزائري وذلك من خلال الشاعر" أحمد بن سعد"، بحيث تعد مثل هذه الموروثات جديرة بالدراسة لما تحتويه من رؤى دينية وصوفية ساهمت إلى حد كبير في بلورة المخيال الشعبي للمجتمع الجزائري، ولما تمثله من عمق روحي أسهم في الحفاظ على مقومات الشخصية الوطنية.]
الكلمات المفتاحية:الشعر الشعبي، المديح الديني، النبوي، الشفاعة، المقدس، الصحابة، التوسل.
:



تمهيد:
يعتبر شعر المديح الديني من الأغراض الشعرية التي طرقها الكثير من الشعراء في مختلف الأزمنة والأمكنة، وبمختلف الأنواع الشعرية الفصيحة والشعبية، واستطاعت أن تؤمن متلقين من مختلف المذاقات نظرا لما تحتويه من مميزات وخصائص ،و التي يعتبر أهمها هو ذلك المزج بين المقدس والأدب .
ولعل هذا الغرض أي: غرض المديح وبالخصوص في الشعر الشعبي له مكانته في المجتمع الجزائري المسلم باعتباره من أبرز الظواهر الشعرية التي أبدع فيها الشاعر الشعبي الجزائري وعبّر من خلالها عن تمسكه بدينه وحبه لرسوله، وهو لا يقتصر على منطقة بعينها من الجزائر، بل هو ظاهرة موجودة في كل المناطق الجزائرية؛ شمالها وجنوبها ؛ شرقها وغربها ولكن بنسب تتفاوت ومنطقة تبسة هي إحدى تلك المناطق التي عرفت هذا الغرض وكتب فيه البعض من شعرائها أمثال سعد والد الشاعر وكذا علي بن مسعود وأشعارهما معروفة يحفظها الناس في منطقة بئر العاتر على الخصوص ومحمد رواق في منطقة نقرين، والشاعر أحمد بن سعد أكثر من خاض في هذا المجال ولكن كلهم ظلوا مغيبين غير معروفين ولم تستثمر أشعارهم ولذلك سيكون بحثي محاولة للتعريف بهذا الشاعر والوقوف على المديح الديني في شعره .
أولا- تعريف المدح لغـــــــــــــة:
" مَدَحَ: المَدحُ نقيض الهجاء وهو حسن الثناء، يقال مدَحتُه مِدحة واحدة ومَدَحه، يَمدحُه مدْحًا ومِدْحة ً وهذا قول بعضهم والصحيح أن المَدْح المصدر، والمِدحة الاسم والجمع مِدَحٌ وهو المديح والجمع المدائح والأماديح الأخيرة على غير قياس ونظيره حديث وأحاديث.
والمدائح: جمع المديح من الشعر الذي مُدِح به كالِمدحة والأمدوحة، ورجل مادح من قوم مُدَّح ومديح ممدوح. وتَمَدّحَ الرجل : تكلف أن يُمدح، رجل مُمَدّح أي ممدوح جدا، ومَدَحَ للمُثْني لا غير، ومدح الشاعر واِمْتَدح وأهل الحضر تمدَّح الرجل بما ليس عنده: تشبع وافتخر، ويقال فلان يتمدَّح إذا كان يقرظ نفس ويثني عليها والممادح ضد المقابح .
- تعريف المدح اصطلاحا:
يعرفه الدكتور عمر فروخ بأنه" فن من فنون الشعر، كان الجاهليون يمدحون بالمكارم التي يفخرون بها" ، كما يعرفه الدكتور شوقي ضيف فيقول" المدح في الجاهلية كان ضربين الأول مديحا للشكر والإعجاب، يغلب على أهل البادية كما نرى عند امرئ القيس وعند زهير بن أبي سلمى والمترددين على الحضر كما نرى عند النابغة والأعشى" .
والعادة الشائعة في البيئة الجاهلية، هي توجه الشعراء إلى الشخصيات البارزة بالمدح والثناء، وهذا المدح يدور حول القيم التي يعتز بها العربي من شجاعة وكرم وغيرهما " وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم اتجهت إليه أنظار العرب في الجزيرة العربية، وانقسموا اتجاه رسالته السماوية ما بين مؤيد ولها ومؤمن بها ومتنكر لها كافر بها، فالجاحد لهدي النبي الأمين هاجمه، وأظهر الخوف على القيم الجاهلية التي تحفظ امتيازاته، والمصدق المؤمن توجه بالمدح إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم" .
- أنواع المديح :
للمديح كغرض شعري العديد من الأنواع، وهي تختلف باختلاف الممدوحين الذين يكونون كمواضيع لهذا المدح، وأهم هذه الأنواع:
1-المديح الديني
2- مديح الخلفاء والملوك
3- مديح الأمراء والوزراء والوجهاء
4- مديح العلماء والأدباء
5- مديح الأوطان والبلدان

ثانيا : المديح النبوي:
المديح النبوي هو الشعر الذي ينظمه الشعراء في مدح النبي-صلى الله عليه وسلم- معددين فيه صفاته الخلقية، وواصفين الشوق لرؤيته وزيارة قبره وكل الأماكن المقدسة المتصلة به ذاكرين معجزاته وكل مراحل سيرته العطرة، وكثيرا ما يضمنون أشعارهم الاعتراف بالذنوب والتقصير في أداء واجباتهم الدينية راجين شفاعة النبي الكريم، وقد عرفه زكي مبارك بقوله هو " فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية وباب من الأدب الرفيع لأنها، لا تصدر إلا من قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص" ، حيث تعج بحب رسول الله (ص) والإشادة بغزواته وغالبا ما تبدأ بالصلاة عليه تقديرا وتعظيما و" إلى جانب هذا كثر الحديث عن التشوق إلى الكعبة وإلى المدينة المنورة والبقاع المقدسة، ومزج هذا كله بالشوق إلى الرسول". وقد استغل الشعراء معظم هذه الصفات فجعلوا منها مادة خصبة لشعرهم، سنحاول الإشارة لبعض ما حضر منها عند الشاعر أحمد بن سعد.
المديح النبوي في الشعر العربي:
لقد مدح الشعراء الرسول المختار(ص)، بإظهار صفاته الكريمة وشمائله الطيبة ومكانته السامية، وكان حيا بينهم ومدحه لم ينقطع بموته حيث ظل الشعراء يمدحونه ليومنا هذا.
وفيما يخص فترة حياته " فمداح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كانوا في مديحهم يتبعون تقاليدهم الفنية الجاهلية فظلوا يعبرون بالطريقة التي ألفوها، والتي نتجت عن طبيعة مجتمعهم وتكوينهم الفكري والخلقي والفني، ولذلك نجد أثر الدين ضئيلا لكنه أخذ بالازدياد مع تقدم الوقت فإذا بالشعراء يمدحون النبي الأمين بمعان دينية إسلامية" ، حيث بدأت القيم الإسلامية تظهر في مخاطبة الرسول الكريم لمدحه، وخاصة عند الشعراء من الصحابة الذين حرصوا على ذكر صفاته الجليلة وأخلاقه العظيمة، كما تحدثوا عن هدايته وأوردوا المعاني الدينية في مدحه و" حسان بن ثابت فهو شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نذر نفسه للدفاع عن الإسلام وعن النبي الأمين بشعره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعه على ذلك، وشعره في الرسول المصطفى حافل بالمعاني الدينية فهو قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خضم الدعوة وتطوراتها" ، فكان له الفضل في شيوع هذا اللون من الشعر.
كما أن هناك شعراء الرسول (ص) من أمثال كعب بن مالك، وكعب بن زهير، وعبد الله بن رواحة، حيث كان مدحهم لرسول الله (ص) متميزا عن مدح غيره . فنجد كعبا يقول :
أنبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
ويقول أيضا:
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول"
أما في العصر الأموي" وبعد المصائب التي أنزلها الأمويون بآل بيت الرسول(ص) قام العديد من الشعراء يعلنون ولائهم وحبهم للنبي(ص) وآله خاصة فمن الشعراء...الفرزدق وكميت بن زيد الأسدي"11 وفي العصر العباسي فنجد شعراء يمدحون النبي (ص) من أمثال" الشريف الرضي ومهيار الديلمي وكذلك دعبل الخزاعي الذي عني بالتصوير المؤثر لمصائب آل البيت خاصة في تائيته المشهورة"12 أما ما تلا ذلك من العصور، فكان العصر المملوكي حيث زاد الإقبال على المديح النبوي وصار غرضا ينظم فيه الشعراء وضمنوه عديد الحكم والأمثال فنجد" محمد بن سعيد البوصيري ينظم مدائح نبوية من أشهر مدائحه الميمية ( البردة)، وهي من أفضل القصائد في المديح النبوي لروعة معانيها ودقة ألفاظها"13 ويقول فيها:
أمن تذكر جيران بذي سلـــــــــــــــــــم مزجت دمعا جــــــــرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من إضم"14
لقد ذاع صيتها في الأقطار والأمصار وكانت أسير في الناس من الهمزية " وقد عمد الشعراء بعده إلى معارضته وتفوقه، بإظهار قدرتهم في البديع ولكنهم لم يوفقوا إلى الإجادة فجاءت هذه البديعيات صورا مشوهة من التكلف الممقوت"15
وبالتالي فإنه واستنادا لما سبقت الإشارة إليه، يرجح نشأة المديح النبوي في المشرق العربي إلى ظهور الدعوة الإسلامية خاصة عند شعراء الرسول (ص) " حتى ربط خيوطه بالشعر الصوفي مع ابن الفارض والشريف الرضي الذين حملا على عاتقهما الإشادة بهذا الفن والإحاطة به"16، غير أن الاختلاف حول هذه النشأة ساد بين الباحثين حيث يرجعه زكي مبارك إلى عهد الدعوة الإسلامية ويذهب عباس الجراري إلى الإقرار بأن المديح النبوي جديد على البيئة الإسلامية فهو " لم يظهر إلا في القرن السابع الهجري مع البوصيري وابن دقيق العيد"17 حيث عرف ذروة ازدهاره، فالبوصيري رائد المداحين في عصره، وفي عصور لاحقة وقد ارتبط اسمه بالشعر وبشكل خاص بالمديح النبوي حتى عدّ من الشعراء الذين مثلوا تطورا بارزا في الاتجاه الديني ضمن الحركة الأدبية، فيؤكد أن هذا " المديح النبوي لم ينتعش ويزدهر ولم يترك بصماته إلا مع الشعراء المتأخرين وخاصة مع البوصيري في القرن السابع الهجري الذي عارضه كثير من الشعراء الذين جاؤوا بعده، ولا ننسى في هذا المضمار الشعراء المغاربة والأندلسيين الذين كان لهم باع كبير في المديح النبوي عند الدولة المرينية 18
المديح النبوي في الشعر الشعبي الجزائري :
يمكن القول بأن الشعر الجزائري الحديث، وخصوصا من بدايات القرن الماضي له ميزة ينفرد بها، وتتمثل في " أن كثيرا منه ينطلق من الدين، سواء ما كان بمفهومه التقليدي مثل الشعر الصوفي، أو بمفهـــــــــوم جديد ينظر إلى الدين نظرة واعية مدركة لأثره القوي في وجدان الفرد والجماعة "19، والشعر الشعبي الجزائري لم يشذ عن ذلك حيث استمد من الدين موضوعاته خاصة وأن فحوله تكونوا في الزوايا، فحفظوا القرآن الكريم وسنة نبينا الكريم ما ساهم في تشربهم آداب وعلوم اللغة العربية، يضاف إلى هذا من جانب آخر الواقع الذي كانت الجزائر تعيشه وهو واقع الاستعمار الفرنسي حيث دفع الشعراء إلى نظم أشعار تحرك السخط في نفوس الجماهير، فتثور على الواقع وتحاول تغييره وتكون مرجعياتها من التاريخ الإسلامي، ووجدوا في" الدين محركا قويا له السيادة على هذه الجماهير باعتباره رباطا عاما يجمع الساخطين على الأوضاع، وهو في نفس الوقت كان السبب في حضارة المسلمين ومجدهم" 20، وبذلك قوي ظهور هذا الغرض بسيطرة فرنسا على مختلف جوانب الحياة سواء الجانب الفكري أو السياسي أو الثقافي، فالاستعمار " ترك المجال مفتوحا أمام هذا اللون من الشعر، فأخذ الشعراء يلتفتون إلى عصر الرسالة يستنجدون به من هذا الظلم الذي سلط عليهم فوجدوا في المدائح الرحاب، الذي يمكن أن يسكنوا إليها ويطمئنوا فيها وأنشدوا تلك القصائد وكأنهم يرثون الحالة التي وصلت إليها البلاد" 21 .
وتجـــدر الإشارة إلى أن المدائح النبوية في الشعر الجزائري الحديث قد انقسمت إلى نوعين " الأول هو ما كان امتدادا للتراث القديم في هذا الموضوع، وهو ما ارتبط أساسا بالنظرة الصوفية إلى حد كبير، أما النوع الثاني فهو الذي اتخذ من مدح الرسول (ص) مبدأ للدعوة إلى النهوض واليقظة، وذلك بعد أن تطورت الحياة الفكرية والأدبية والسياسية، فالأول كان تعبيرا عن مرحلة حضارية عاشتها الجزائر قبل هذا القرن، وكان الدين فيها قد أصبح هو القوة الوحيدة التي بقيت للناس في حياتهم أما النـــــوع الثاني فكان تعبيــــــــرا عن مــــــرحلة حضارية جديدة انتقلت إليها الجزائر" 22.
وبذلك اتخذ الشعر الشعبي الديني من التوجه إلى الله عز وجل والاستعانة به، ومدح النبي (ص) وإبداء الشوق للأماكن المقدسة موضوعات لقصائده، وإن كان هناك من الشعراء من يغرقون في مصطلحات الصوفية، حيث يعدون من المنتمين إلى طرقها وهناك من تحضر بعض مصطلحاتها في قصائدهم لفهمهم البسيط لهذا الاتجاه، حيث خاضوا فيها وذلك بمعرفة بسيطة .
ثالثا :التعريف بالشاعر أحمد بن سعد:
لقد كانت للشاعر محطات في حياته سنحاول تتبعها لنعرف أثرها في شعره:
- مولده ونشأته:
الشاعر المجاهد أحمد بن سعد بن عبد الله ولد خلال سنة 1934 بمنطقة القصير بأولاد سيدي عبيد ضواحي بئر العاتر ولاية تبسة من أب شاعر ( سي سعد بن الحاج عبد الله )، تربى في محيط صعب بسبب ظروف الاستعمار وما نتج عنه من حرمان.التحق بالكتاب كغيره من أبناء الريف فحفظ ما تيسر من القرآن. وكان مجبرا مع حداثة سنه أن يشارك أسرته الأعمال اليومية من رعي وزراعة....، تأثر بأبيه فكان يرافقه في جولاته ويحضر معه المناسبات التي يلقي فيها قصائده خاصة المتعلقة بسياسة الاستعمار وأخبار الثورة.
- جهاده:
في سنة 1953 التحق بثورة تونس وكان عمره آن ذاك 17 عاما حتى قيام الثورة الجزائرية الكبرى حيث التحق بصفوف الثورة وأصبح واحدا من مجاهدي وجنود ثورة نوفمبر الخالدة سنة 1955.
شارك في عدة معارك ومواقع مع كبار الثوريين وأبناء المنطقة، وبأحد المعارك مع جيش الاحتلال الفرنسي في منطقة الماء الأبيض شرق تبسة، أصيب في قدمه اليمنى نتيجة قصف جوي حيث نقل للعلاج بتونس ثم عاد بعد ذلك إلى التراب الجزائري وخاض الكثير من المعارك ضد الاحتلال الفرنسي، وكان إلى جانب مشاركته بسلاحه وبذله نفسه لأجل هذا الوطن, يلهب ضمائر الناس والمجاهدين بقصائد معادية للوجود الاستعماري الفرنسي ،وحاثة على الجهاد المقدس ضدهم إلى غاية نيل الجزائر استقلالها سنة 1962.
- عودته للوطن بعد الاستقلال وعمله:
استقلت الجزائر وبقي الفقيد ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير برتبة رقيب،التحق بالمحافـظة السياسية إلى غاية 30/10/1963 حيث تخرج بشهادة مدرس وطاف عدة ولايات، يعود المرحوم بعد تقاعده إلى مسقط رأسه بمدينة بئر العاتر .
- شعره:
بعد انقطاع دام حوالي 15 سنة يعود خالد أحمد بن سعد المجاهد إلى نظم الشعر من جديد شارك بشعره في كل نواحي الحياة فصور الفقر والغنى الفرح والحزن، وفي سنة 1996 أدى مناسك الحج فكان لهذه الزيارة أثر كبير في نفسه وحياته وأشعاره، تناول في شعره كل الأغراض وكان أعظمها في مجال التصوف والزهد الديني.
- وفاته:
أصيب المجاهد والشاعر بمرض عضال في جوان 2004 لزم على إثره الفراش لتوافيه المنية يوم الجمعة 17 سبتمبر 2004 "23.
رابعا: المديح الديني النبوي في شعره :
المديح الديني كغرض شعري له نوعان: الثناء على الله عز وجل والغرض الثاني هو المديح النبوي الذي موضوعه مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فهو في معرض مدحه يوحد الله ويحمده ويسبح له ويذكر صفاته وأسمائه، ويصلي على النبي ويدعو للصلاة عليه ويذكر صفاته وينعته بكل خير، كما يذكر صحابته ويثني على آل بيته ويتشوق للبقاع المقدسة ويناجي حبيبه ويتوسل به في طلب الشفاعة، ولا ينسى الشاعر الوعظ والإرشاد لكل ما علمته الحياة من حكم وهو في مدينة تبسة يسمى شعر المديح النبوي، وسنحاول طرق موضوعاته ونوردها تباعا:
1- الاستفتاح بأسماء الله تعالى وصفاته مع تحميده :
قد ألف شعراء الملحون أن يذكروا اسم الله ابتداء حتى يكون عملهم مكتملا، وغالبا ما يجتهد الشاعر الشعبي في استذكار الله عز وجل بأسمائه وصفاته والاستفتاح بها مناجيا الله عز وجل بصدق حامدا إياه على كل نعمه حيث يقول:
سميت باسم الله القادر الفعال ومن بدا باسم الله لا يخاف ولا يذل
ويواصل قائلا:
ذكر الهادي يطياب ويفك على المصاب باسم الله فتحنا الباب ودخولو جا يسير
بادي بكلام ثبات محصن بالآيات فيه المعوذات والحمد مع التكبير
له الكرمات مجيب المخلوقات من غير اللي عوصات والكافر الشرير
بادي بكلام رغوث24هلا عابث لا معبوث في كل أرجاء مبثوث منو هناشير25
نرجى من الله الغوث كيما نبدا مبغوث26
والباحث والمبحوث تحت أمرو هو لا غير
بادي باسم الفتاح والقول يجي بكياح 27 ما يقدوش المرتاح والقاصر عل لمسير
في كل مسا وصباح تاتوا هبة لرياح تنشط فيه لرواح وينهض بيه الضمير"28
فالشاعر حرص على ذكر الله عز وجل بأسمائه وصفاته فهو يبدأ باسم الهادي، ثم الفتاح ثم الجواد ويلي ذلك بذكر أفضاله والاعتراف بها ثم الاستعانة به، وهذه العادة قد التزم بها شعراء المديح الديني في الشعر الشعبي في كثير من قصائدهم، والشاعر بدا متيقنا أن الابتداء بذكر أسماء الله هو خير استفتاح لما وقع في قلبه من علم بمعانيها ومدلولاتها.
2- الاعتراف بعظمة الخالق ونعمه على مخلوقاته :
إلى جانب الاستفتاح بأسماء الله تعالى يؤثر الشاعر وصف عظمة خالقه كيف لا وهو الذات المقدسة عن النقائص ويتجلى ذلك من خلال الألفاظ والعبارات فلفظة( الكمال) توحي بعظمة له لا يمكن أن تعادلها صفة عند البشر،كما يحرص على الاعتراف بنعمه ولعل أجل هذه النعم نعمة العقل التي يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات حيث يقول:
هو اللي وحدو موصوف بالكمال و هو اللي فضل العبد بالعقل
هو اللي يجري القمر والهلال و هو اللي نور الشمس كي اطل
و هو اللي آمر بأكلة لحلال و هو اللي حرم سبايب العلل
وهو اللي نزل الهدى لكل ضال و هو اللي خصص برحمتو الرسل" 29
فالشاعر الشعبي معترف بعطاءات خالقه مقر بها، فهو وحده معتمده في كل شيء لأنه هو مالك الملك وبيده التصرف، ثم أثنى على الله جل شأنه بأنه مسير الكون الآخذ بيد الإنسان وهو ما يعني ضمنيا دعوة للناس حتى يحمدوا الله ويشكروه لأنه أسبغ علينا من نعمه وهو وحده المستحق للشكر ويضيف قائلا:
بادي باسم الله مقسم لقسام رب العالمين سبحانو الجبار
سميع عليم حي لا ينام يرزق من يشاء وبيدو لعمار" 30
فالشاعر في هذه الأبيات يضفي صفات( الرزاق، السميع، العليم) على الله وهي أحد أسمائه الحسنى وهذا إن دل فإنما يدل على وجوب التعلق بالله عز وجل لأنه مصدر القوة والحول.
3- الصلاة على النبي والدعوة إليها :
وانتقالا من مدح ذات الله المقدسة دأب الشعراء الشعبيون على مدح شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وهي الشخصية المقدسة لدينا كمسلمين حيث أوجب الإسلام محبته وجعلها أحد أركان الإيمان فلكل مسلم في الصلاة عليه أجر عظيم ،وهي من بين أهم الأمور التي اهتم بها شعراء الشعر الشعبي ومن بينهم أحمد بن سعد، فالصلاة على النبي(ص) هي فاتحة الكلام بالنسبة إلى المتحدث في الوسط الشعبي وتعد وسيلته للفت الانتباه وحث المستمع على الإصغاء فيقول:
صلي على محمد وأكثر بالصلاة
بيها غدوة تفوز وتنجح وتكون النجاة
صلي على محمد تربح يا من لالك زاد
على قد أملاك اللي نسبح باسم الله الجواد" 31
فالشاعر يجتهد في الدعوة إلى الصلاة على الحبيب المصطفى، ولا يكتفي بصلاته عليه ككل ذاكر وإنما يصلي عليه قدر كل ما خلق الله من كائنات، وهو بذلك يبث محبته لسيد الخلق لنلاحظ انتقال الرسالة من المتكلم إلى المخاطب "و هاهنا تترسخ شعبية الخطاب وتتعمق ويتسق النص في خط ومستوى واحد للرسالة فيتحقق الاتصال ،و ينفتح المجال أمام الشاعر للقول" 32، ويضيف مفصلا مقدار هذه الصلاه التي جاوزت عدد ماهو موجود في هذا الكون فيقول:
صــلّـو علَى مَن نُورُو نَوَّر طَه الأزهــر سَـــيُّـــد الــعُـــرْبَان
علَــى قَـــد الخَافِي والظّاهَر واللِّي أسْتُقْبِر والإنـــس مَعَ الجَان
علَـــى قَـد نْجُوم اللِّي تَظْهَر طَلْعَت يَاسَر صَــــوَّرْهَا السبْحان
علَـى قَــدْ جــرَاد اللِّي طَــايَر حَطْ ونَشَّر والـلِّـي مَــــارَدْ بَانْ
علـــى قـَــد القـُـرْآن مَسَطَّر واللِّي يَكَرَّرْ عَــلْ طُولْ الــزّمان
علَــى قَـدْ سحَاب اللِّي يَكَنْدَر بَرْقُو يْشَوَّر شَالَى عَــلْ لَـــمَزَانْ
عــلَـى قَـــــدْ القَمْح ومَاجَدَّر صَابَه عَمّر وَقْـــت أبَّــــانُو حَانْ"33
وهكذا يلتفت الشاعر لكل ما يحيط به في هذا الكون من كائنات حية أو جمادات ليجعلها نائبة عن الأرقام في تعداد صلواته على النبي المصطفى، وقد لا يكتفي بهذه الأحياء بل يتعدى إلى الصلاة عليه قدر كل حرف من حروف الهجاء، ملزما نفسه بذكر هذه الحروف، وهو الأسلوب الذي عرف به فحول الشعر الشعبي الجزائري منهم ابن خلوف بصفة خاصة، حيث يريد بهذا الإحصاء التعبير عن الكثرة المطلقة التي تزداد في نفسه من الصلوات على الحبيب المصطفى.
4- التوسل والتشفع:
لقد دأب الشعراء الشعبيون على مدح النبي عليه أفضل صلاة وسلام وضمّنوا مدحهم عديد الموضوعات ولكن موضوع التوسل والتشفع كان له نصيب كبير فيه،لأن الرسول الكريم هو صاحب الشفاعة وذلك وارد في الحديث لقوله (ص)"إن لكل نبي شفاعة ودعوة دعا بها في أمته فاستجيب له، وإني أريد إن شاء الله أن أدّخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " 34 فيقول الشاعر:
صلوا على من نورو يلمع مصباح الظلام
المصطفى اسمو المشفع في يوم الزحام
و اللي يهرب عندو يمنع سيد الكرام
يا ربي عبدك يتخضع والخايف يرحام
يسر على الإسلام وسع واجعل عفوك عام
ساعات ابن آدم يتهوع 35و يخش الظلام
تطغى بيه الدنيا ويهمع36 يتعدى لرسام
نا متيقن بيك وطامع تغفرلي الآثام
تعديني الصراط نقطع ثبتلي لقدام
لا نتلاط37 ندعدع38 سالم يا سلام" 39
إن الشاعر يدرج الاستهلال بطلب الصلاة على النبي الكريم، فيذكر المستمع أو القارئ بأن محمدا شفيعهم يوم القيامة، والحديث عن الشفاعة هي عادة الشعراء مادحي الرسول الذين يتوسلون به ويطلبون حمايته ونصرته في الدنيا والآخرة، فيتضرع لله تعالى أن يغفر ذنوبه راجيا منه أن يشفع فيه الرسول الكريم هو وعامة المؤمنين ليعبروا الصراط وينالوا الجنة لذا فهذه الصلاة متنوعة في التراث وأغلبها مجالا لتعظيم الرسول (ص) ويواصل قائلا:
سِيد رُقــــيّه نَسْـــبُو لِيــنَا بَجَاه الزِّينَه والقُـــــــرْبـَه وَالآل
غُدْوَه فِي جَنَاحَكْ خَبِّينَا علَى الهَجِينَـه هـُـول مَنْ الأهْـوَال"40
الشاعر يتعدى في طلب الشفاعة لنفسه عند النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبول كل فرد توسل به ورضي بمديحه فيرجوه بأن يكونوا تحت جناحه يوم القيامة في قوله( في جناحك خبينا) وهو مايعني الشفاعة.
5- الإقرار بحبه والتشوق له وذكر معجزاته:
حيث نلمح في مثل هذه القصائد الموحية، إيمانا قويا يعبر عن شوق الشاعر ولهفته وكذا حبه للمصطفى (ص) مع ذكر ما عرف عنه من معجزات فيقول:
حبيت حبي الأول من البال ما يتحول
في ساحتو نتسول من الباب للدكانة
وحدو عليه معول ما يخيبش رجانا
أصاحب الغمامة والنور والوسامة
ذخري ولي دعامة في أماتنا ومحيانا
صلو على نبينا قد الحصى والطينة" 41
اللشاعر يصف حب النبي الذي امتلكه، ولن يجاريه حب آخر ولن يتحول ثم وصف وسامته التي لا يتحلى بها بشر فقد كرمه الله تعالى بذلك، كما يتخلل هذه الأبيات الحديث عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث المعجزة حجة على صحة دعوى الرسالة ومن بين أعظم معجزات الرسول ( الغمامة) التي كانت تظلله وهو على ظهر الناقة إذ كرمه الله تعالى بها متخذا منها وسيلة لإبراز مكانة النبي وقدره.
وفي خضم القصائد الدينية الشعبية المتضمنة مدح سيد الخلق، والمبدوءة غالبا بالصلاة على النبي الكريم نلمس توظيف الأسلوب القصصي يقول المقطع:
دنولو فتية سرية وباتوا عساسين رادو قتلو بالجملية جماعة مغرورين
عدتلو العدة سمية ذات اليقين ودع مكة من لعشية واهجرها الأمين" 42
حيث يريد الشاعر من خلاله إبراز معجزات الرسول (ص)، من ذلك معجزة نجاته من الأعداء وقد حاصروا بيته حيث وضع الله على أعينهم غشاوة أعمت أبصارهم، ونجا سيد الخلق وكأن الشاعر يريد أن يثبت أن الله في صف عبده الصابر في أي زمان ومكان.
وعن التشوق إلى مقام سيد الخلق يضيف قائلا:
يا خالق البرية يا خالق البرية تجعل في الضيق ثنية
تجعل في الضيق دبارة للحايرين فكارة شاهي تكون زيارة للهاشمي بورقية
نطفي لوايع ناره من كبدتو ومضماره ثمة تكون جواره في تربتو المحمية
في تربتو نتعافى انح ريافه هو كريم ضيافه من الله يدو سخية " 42
فالشاعر يتوق شوقا لزيارة مقام النبي (ص)، لأن نار الشوق تأكله والبعاد والفراق قد أرقاه فهو في حاجة لأن يضمه ويشم تربته ويلمسها، ففيها شفاء لكل عليل، فهو الكريم الذي تقصده كل النفوس المشتاقة والحائرة لتداوي ما في أعماقها، والشاعر كي يحسن التعبير عن شدة شوقه عبر عن ذلك بالنار التي تحرق كبده وضميره، وإكراما لآل بيته يكني النبي الكريم بأبي رقية وكذا الهاشمي تعظيما لهذا النسب الطيب، ويواصل قوله:
صلو على من نورو ضاوي بارق ناوي يلمع فسط سماه
حبو في مكنوني قاوي قابض لاوي 43 ما صبناش دواه " 44
الشاعر يجهر بحبه الذي لا حدود له لسيد الخلق وشوقه لرؤيته ولقاه فيصف هذا الحب الساكن في قلبه بأنه الداء الذي لا دواء له إلا اللقاء، والشعراء الشعبيون حاولوا عبر شعرهم استظهار مشاعرهم السامية والاعتراف بها وهذا ما يظهر جليا عبر قوله أيضا:
تايه في غرام المشفع غير ندمع غايبلي الإحساس
و تلطف ربي بالمجمع عنهم وسع وتنحى لكباس45
قدوه الرياس وشرع ماه يبزع 46 حفزولو47 لقياس
رفعولو العلم نورو يلمع دل على الخلاص
روح للمرسى في السابع عندو موضع دنولو حراس " 48
الشاعر يصف نفسه حاجا متجها إلى مكة حاملا حبه وعشقه للنبي (ص)، واصفا كذلك المقام ونوره الخالص حيث يلوح من بعيد منظر الكعبة الشريفة، فيتولد إحساس وينبعث في داخل كل قاصد ومشتاق له.
ويضيف قائلا:
صلاة ليس تتوقف على صاحب الكمال
مستاحشو راني مرايف نمشي أكاكا خبال "49
حتى يصل لقوله:
أخالقي بينا تلطف وأسقيني شربة زلال
من حوض لمجد نترشف ماهوش للجهال
في نهار صايف صيفو غف والناشية تذبال
صراط هولو مصدف سبعة أشواط طوال"50
أحمد بن سعد الشاعر الشعبي في أغلب قصائده، يعبر عن تشوقه للنبي المصطفى ومقامه الطيب بعبارة ( مرايف) التي تعني في التعبير الشعبي ذروة الشوق، وهو في قصائده دائما يذكرنا بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو شفيعنا يوم القيامة فيتوسل الله عز وجل بأن يتلطف بعبده يوم يلقاه.
إن الشاعر بحاجة للحظات بوح واعتراف بالذنوب وطلب الرحمة وهو ما يظهر جليا في قصائده.
6- التشوق إلى البقاع المقدسة:
نجد من الشعراء من يقدس أماكن زارها أو ولد فيها فكانت لها مكانة مرموقة في نفسه فجاشت قريحته من قوة حبه المكان، وكانت مكة المكرمة والكعبة الشريفة فضاءات مقدسة تركت كبير الأثر في زائريها والشعراء الشعبيون غالبا لم تقع البقاع المقدسة في نفوسهم محل قداسة في ارتباطها بالدين وإنما كانت قدسيتها في ارتباطها بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان حبهم لها منبعثا من حبهم له وانكشف ذلك الارتباط الروحي بشخص الرسول (ص) والشوق لملاقاته في بث شوقهم لهذه الأماكن.
و بالنسبة إلى الشوق إلى الروضة النبوية والكعبة لشريفة، فالدراسات تشير " إلى أن المحور في النبويات إنما يكون قد ترسخ في الشعر المنجز خارج الحجاز، وقد يكون للمكان دور في ذلك"51 حيث الشاعر في كل مكان تبدو له الكعبة المطهرة أهم المحطات وهذا ما يعكس تصادما وهذا " التصادم بين بعد الملجأ ومحدودية الإمكان تفتح الباب للشكوى والشوق"52، فيقول الشاعر متمنيا أن يسوقه القدر لزيارة هذا المكان المقدس:
نتمنى بابور دزيري نايا وغيري في الموجة مزاق
قفلولو البيبان مسيري في تقديري رياسو حذاق
دخل الدهسة والدرديري53 غير انتيري54 عاد على ممراق 55
يا نفسي لا مناش تحيري معاك عشيري ما يهمش لفراق
قاصد من هو مجيري من السعير لهيب لا ينطاق
هذا واش يقول ضميري شري وخيري سايقهم سواق
في المحراب نحل بصيري انح غويري56 من الزلة ولرقاق57
فالشوق والحنين لمقام النبي (ص)، قد شكل ملمحا ظاهرا في شعر أحمد بن سعد وهو ما يعكس تجذر حبه للأمكنة المقدسة، فهو يحلم أن تحمله باخرة هو وكل المتشوقين إلى مقام النبي الكريم مطمئنا نفسه أن راحتها في ذلك المكان ،فلا يهم إن مات هناك وافترقت روحه عن جسده فثمة يتواجد مجير المؤمنين وشفيعهم.
يقرن الشاعر في حديثه عن أكثر الأماكن قداسة وهي مكة المكرمة الحديث عن ما يسمى الزمن المقدس فهو يتذكر لحظات حجه وأدائه المناسك، ثم زيارته الروضة النبوية فيحمل شوقه لهذه الأماكن الطيبة كل زائر آخر لها ولو كان طائرا فيقول:
يا قمري نوصيك برا كل شهر توصلي للباهية أم لقطار58
و ادي ليها سلام يملا ألف سطر واثني بالصلاة على طه المختار
مستاحشها ووحشها في الجاش كبر من كثر الحمان ولالي معصار
لا نرقد كي الناس لا يحلالي سهر كي من يجبد فيه بالقوة تيار
يا سعد اللي مشالها ساقو لقدر يملا منها العين من غير احتكار
يطوف السبعة أشواط ويقبل الحجر وإذا ما طالوش بيدو اليمنى شار
ورى مقام ابراهيم صلى واستغفر يقرى الكافرون والإخلاص قصار
و لماء زمزم حاف نحى كل كدر شربة منو خير من وصفة تذكار" 59
والقصيدة طويلة ما يجعلنا نجزم بأن النص هو بث حقيقي للشوق للمقام النبوي والتوق لتكرار الزيارة إليه وكذا من أجل التفاعل مع المتلقي الذي يجد استحبابا عند الحديث عن النبي (ص) وكل ما يتعلق به، وربما دفعه إلى القيام بهذا الفرض الديني عند الاستطاعة.
7- ذكر الصحابة :
إن استحضار وذكر الشخصية الدينية أو التاريخية، لها ارتباط عميق بالهوية والأمجاد حيث هي بمثابة المخزون الروحي لصراع الفرد مع مستجدات عصره، وذكرها يمد الإنسان القوة.
وأولى هذه الشخصيات هي شخصية الرسول (ص)، فهي النواة الرئيسية للمديح النبوي ثم تأتي بقية الشخصيات لترتبط بها يقول الشاعر:
صلو على خاتم لنبية تاج المرسلين طه لمجد سيد رقية جد الحسنين
شعشع لنوار ضوية تلوح من الخدين شق ظلام الجاهلية بعزيمة ويقين" 60
حتى يصل لقوله:
مصطفى البشرية مرسل جا بالدين
بين لحكام الشرعية على مر السنين
لا منقوصة ولا مخفية السنة والستين
نثني قولي ومعاني جت الهية وتكاثر لونين" 61
إن هذه المقاطع تخص الرسول (ص)، بأنه مخلص البشرية من عتمة الجهل الذي عاشته لحقب طويلة وهو من فصل في كل القضايا وحكم فيها استنادا للشرع والدين، فاتضحت حياة الإنسان وأصبح بإمكانه أن يرسم لنفسه طريقا يسير عليها ،إن الرسول(ص) قدوة البشر وأسوتهم الحسنة .
كما يرد ذكر الصحابة في ثنايا قصائد الشاعر، حيث صحابة الرسول(ص) هم الرجال الذين كانوا حوله فعززوه ونصروه، فكان أن التصق ذكرهم بذكر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حيث يلخص أعمالهم وأخلاقهم في قوله:
و الصلاة على النبي خير الأنام والرضى على الراشدين من الأعلام
بوبكر الصديق بكر بالإسلام وعمر الفاروق سيرة لأهل الدار
واذكر ذو النورين عثمان الهمام ركن من الأركان ليه ألف اعتبار
و علي حيدر ما اسجد شي للأصنام من صغرو معروف نقمة للكفار
طلحة والزبير قول بن العوام سعد و سعيد نصرة مع الأنصار
أبو عبيدة كان تفهم يا علام مع عبد الرحمان بن عوف الكرار
يحشرنا في صفهم يوم الزحام ويجعلنا جيرانهم نعم الجوار" 62
نلاحظ من خلال هذا المقطع ما يلي :
الصحابة يمثلون:
التمسك بالإسلام نصرته وحمايته
القوة
الصدق
فصورة النبي (ص) لا تبدو في وضع جديد في المخيال الشعبي، فهي لا تختلف عن الوضع الحقيقي فهو العادل والهادي الذي أخرج الناس من الظلمة إلى النور، أما فيما يخص صورة الصحابة فهم كلهم يحتلون مساحة كبيرة، تحضر في القصائد تعكس صورتهم في الضمير الجمعي المشبع بصورة( الصبر، القوة ،الكرم، التضحية، نصرة الإسلام والإجهار به) .
و من أكثر الصحابة ذكرا في قصائد الشاعر" علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، فبالإضافة إلى قرابته من الرسول باعتباره ابن عم له وصهره، فهو البطل المغوار الذي لا يجاريه أحد، حيث بلغت قوته وبطولته حد الخيال يقول الشاعر:
صلو على سيدي الطيب وارضو على الأحفاد
علال بن عمو لشنب كذلك المراد
ضحى بنفسو ما حسب سبيل للجهاد63
وهو ما يعطي صورة مميزة لعلي (كرم الله وجهه)، حيث تحتل صورته في فضاء الشعر الشعبي عموما مساحة كبيرة وهي صورة القوة غير العادية في الضمير الشعبي.
8- ذكر آل بيت الرسول (ص):
لقد ورد في المدائح النبوية ذكر آل البيت والتنويه بمآثرهم، ولعل ذكر الشاعر لهم مع ذكر الرسول الكريم (ص) يفسر بأن" آل البيت ينتسبون إليه، ولأن غاية ما يمدحون به هو علاقتهم بسيد الوجود" 64 يقول الشاعر:
فيها أبو الفضل عم المنتصر سيدنا العباس ليه ألف اعتبار
فيه نساء الرسول درات الدرر وابنو ابراهيم خوذ أصدق لخبار
و فيها حليمة رضعت وقت الصغر السعدية يا سعدها نالت لفخار
فوت لجبل أحد شاهد لمقابر فيهم حمزة سيدنا الليث المغوار65
إن الشاعر يجتهد في جعل الكلمات تعبر بأكثر صدق عن الصفات التي تعكس أخلاق آل البيت وميزاتهم المستمدة من السيرة النبوية العطرة والمتمثلة في القوة والعفة( بالنسبة لنسائه)، وهم في ذلك قدوتنا في الحياة فيضيف قائلا:
الله بنت الطاهر أفاطمة الزهرة دخيلك بالمنور وأمك خديجة الكبرى
لا تكسر لينا خاطر في الدنيا هاذي ولخرى "66
فالشاعر يتوسل لله بفاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة ( رضي الله عنهما)، بأن يرحمه ولا يكسر خاطره في الدنيا والآخرة، وفي ذلك تعظيم لآل البيت من قبل الإنسان الشعبي، وإعطائهم صورة طيبة من خلال شعرهم كما يتوسل بها مضيفا:
يا زوجة علالة حيدر فيه تنظر هنيني نطمان
واكتبني في وسط الدفتر سبة نبشر نمنى بالأمان "67
فالشاعر كلما توجه لله بطلب الرحمة والمغفرة والأمان استحضر فاطمة وتوسل بها.
9- النصح والإرشاد:
لقد سار الشاعر على طريقة الوعظ والإرشاد إما للمتلقي أو لنفسه، من خلال إظهار تقصيره في أداء الواجبات سواء الدينية أو الدنيوية وذكر آثامه وكثرة ذنوبه معترفا بها، مبديا الندم والرغبة في التوبة وطلب المغفرة والعفو فحوت قصائده الكثير من المواعظ التي يمكن أن ينتفع بها الناس ويهتدون بها حيث يقول:
يا ابن آدم خوذ كفاك واصبر على ما يتلاك
حسبها الموت وراك والقبر أول المصير
عارف نعرف للقول بيه لساني مدلول
ربي ثبت لعقول عند النزع الأخير
تفنى الدنيا وتزول غبط من هو مقبول
يلقى مقامو معدول سرة وفراش حرير"68
فالشاعر يدعو الناس دائما إلى التزود بالعمل الصالح وفعل الخير، لأنهما الزاد يوم الحساب فلا شيء باق غيرهما، ولعل أكثر ما دعا إليه هو الاحتراز من الدنيا وغرورها وحرصه على الزهد فيها لأنها فانية كما يوجه الشاعر في قصائده دائما اللوم لنفسه ويدعوها إلى التزود بالعمل الطيب لأنه سلاحها يوم القيامة فيقول:
و الظاء يا نفسي ريضي علاش تزيدي على غيظي
ديمة وانت قبيظي 69 ما تدي غير الحدرة
لاوين نرد لحيظي70 من ضري وتعظيظي71
أعين بدمعك فيظي حتى تبردش الجمرة
الكاف انفسي بالك توبي واخطي لمهالك
تبع ساهل لمسالك راي الثنية واعرة
يوم ان يأتي ميجالك72 ترحل وتخلي مالك
ما تدي كان أفعالك تمسي في كسوة بترة " 73
فالشاعر موقن أن زاد النفس هو العمل الصالح، لذا يوصيها بالتزود به، فحين تأتي لحظة رحيلها يرافقها فقط جميل هذه الأفعال.
10- الدعاء:
الشاعر الشعبي يناجي دائما الله تعالى بصدق وشوق راجيا منه التوبة والمغفرة، منتقلا إلى رسول الله (ص) راغبا وطامعا في وساطته وشفاعته فلا يفوته أن يكثر من الدعاء خاصة الاستغفار أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول:
اغفرلي يا خالقي الظاهر والسر وارحمني في الدار هاذي وهاك الدار
ما عنا قلناه واللي ينقد حر في الزايد والناقص يكون الحوار
يقروها لملاح من بر إلى بر مختومة ومزينة بذكر المختار"74
فمن خلال هذه الأبيات نلاحظ أن الشاعر دائما يتوجه إلى الله راجيا متذللا طالبا رحمته، مشيرا إلى أن رسالته مزينة بذكر الرسول المصطفى عليه السلام ما يعني دعوته المتلقي إلى السير على نفس النهج ويضيف قائلا:
صلو عنه بن عبد الله زين الحلة مشعشع لنوار
يجعلنا نكونو في ظله نا والملة في يوم المحشار
تبدى الخلايق تتقلى يا للعلة مكبوسة بزيار
ثمة يظهر زين الطلة ما يتخلى قاوي من القدار
بيدو باب الجنة يحله بقدرة الله ويفك الحصار" 75
الشاعر يدعو الله أن يكون تحت ظله تعالى يوم تدق الساعة وعلى نفس المنوال لا يستثني غيره من هذا الرجاء فيدخل جميع المنتمين إلى سيد الخلق بقوله (نا والملة)، ويبدو متيقنا وجازما بأن الرسول (ص) لن يتخلى على من طلبوا شفاعته من أفراد أمته.
بعد هده الجولة سيدرك المتتبع لشعر أحمد بن سعد:
- أن شعر المديح فن أصيل وموضوع بارز عند شعراء الشعبي حيث سار على منهاج فحول الملحون الجزائري أمثال ابن خلوف وابن مسايب وابن قيطون وغيرهم في الإشادة بالرسول صلى الله عليه وسلم وإبراز العواطف الدينية .
- كما سيستنتج أن لكل شاعر شعبي عبر ربوع الوطن سهم في هذا الغرض.
- المديح الديني مرتبط بتجليات المقدس المتمثلة في الذات الإلهية، شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، المقدس الزماني والمكاني.
هوامش:

مدير المنتدى
Admin

عدد المساهمات : 166
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
الموقع : rihabalkalimah.cultureforum.net

https://ichkalat.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى