تيسير النحو عند تمام حسان بين الرؤيتين التخصصية والتعليمية
صفحة 1 من اصل 1
تيسير النحو عند تمام حسان بين الرؤيتين التخصصية والتعليمية
تيسير النحو عند تمام حسان بين الرؤيتين التخصصية والتعليمية
أ / مبروك بركات
مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية
- وحدة ورقلة -
الملخـــص
[يتناول هذا البحث رؤية تمام حسان حيال قضية تيسير النحو العربي التي شغلت بال الدارسين قديما وحديثا، وسنقف في هذه الدراسة على نظرتين لهذا اللساني، وهما: النظرة التخصصية للتيسير ومثلتها نظريته القائمة على القرائن، ونظرة أخرى تعليمية تستند إلى مقترحات اللسانيات التربوية في مجال تقريب النحو من المتعلمين، ونخلص في الأخير إلى بعض النتائج المستفادة.]
Résumé
] On aborde dans cet exposé le point de vue de Tammam HASSAN vis à vis la simplification de la grammaire Arabe, le sujet qui a été longuement abordé par les linguistes anciens ou contemporains.
Deux visions sont éclaircies; la vision spécialisée de la simplification représentée par la théorie qui se base sur les reperds, une autre vision didactique, dépend à des propositions des linguistiques éducatives qui a pour but de rendre la grammaire arabe facile pour les apprenants. Enfin des conclusions sont mises au point.[
• تقـــــــــديــم:
إن الممعن في مسيرة العلوم يجدها لا تخرج عن السنة التي فطر الله عليها الكون، إذ تبدأ ساذجة بسيطة ثم تنضج وتكمل، وتبدأ شذورا وأشتاتا ولكنها في أثناء نموها تترعرع وتتشعب معها الرؤى والمفاهيم في ذلك الطريق فتنتهي مقعدة متعددة وذلك ما كان مع النحو العربي، ذلك الفرع من فروع اللغة الذي إذا ذكرت اللغة العربية حدجت إليه الأبصار وشغلت به الأذهان وأشير إليه بالبنان ، وسهر الدارسون مع دروسه الليالي والأيام وشدوا في ذلك أوقاتهم بالحرص والزمام لكن في العصور المتأخرة بات النحو كابوسا يشتكى منه، ودرسا ملفوفا بالصعوبة والمنطقية والقواعد الرياضية ، فاضطلع بعض الدارسين بتيسيره وتحديثه وإصلاحه وتجديده وتيسيره، وإسداء بعض المقترحات التي تسهم في جذب التلاميذ نحو درسه.
• مصطلحات التيسير الحديثة ودلالاتها :
لقد تعددت المصطلحات الدالة على تيسير النحو، ونذكر منها:
أ – الإحياء: لقد اشتهرت دلالة هذا المصطلح على التيسير مع كتاب إبراهيم مصطفى الموسوم بـ: إحياء النحو، والمسوغ الذي جعل متبني هذا المصطلح يلصقونه بالنحو هو ما وقفوا عليه من صيحات الضجر والشكوى من درسه التي بدأت تتعالى وقتها من المعلمين والمتعلمين، وكانت نتيجتها بعدا ونفورا من نشاط قواعد النحو.
وقد وضح طه حسين المقصود من مصطلح الإحياء الذي اقترحه في عنوان كتاب الأستاذ إبراهيم مصطفى في قوله:" فالكتاب كما ترى، يحي النحو لأنه يصلحه، ويحي النحو لأنه ينبه إليه من اطمأنوا إلى الغفلة عنه، وحسبك بهذا إحياء" .
ب – الإصلاح: ورد هذا المصطلح في أعمال وزارة المعارف المصرية وردده عدد كبير من المهتمين بهذا المجال، وهو ما لمسناه عند طه حسين في قوله الآنف الذكر حيث سوى بين الإحياء والإصلاح، كما صدر به عبد الوارث مبروك كتابه: في إصلاح النحو العربي .
ويقصد به الباحثون الذين أطلقوا هذا المصطلح على التيسير تخليصَ النحو العربي من الشوائب والاختلالات التي أسهمت في النفور، وفي وصفه بالصعوبة والعسر، وقد قادتهم هذه الرؤية إلى حذف بعض الأبواب النحوية، وإعادة عرضها بطرق أخرى .
وهذا المفهوم للتيسير قد يصدق على رغبة تمام حسان تخايص النحو من شوائب التعليل والتأويل والعاملية التي لصقت به
ج – التجديد: يرى محمد حسين الصغير أن هذا المصطلح يرمي إلى فك الحصار عن التراث النحوي ليعود طليقا بعد الأسر، وبعث الحياة في المنهج النحوي ليعود غضا طريا بعد الجفاف .
ويبدو أن معتنقي هذا المصطلح لا يختلفون عن الآخذين بالمصطلحات الأخرى من الناحية العملية، إذ إنهم يسعون إلى الحذف والاختصار والإلغاء متخذين من محاولة ابن مضاء القرطبي سندا مقتفى .
ويرى الباحث عبد الكريم بسندي أن اتجاه التجديد ظهر بوضوح عند مهدي المخزومي في كتابيه: في النحو العربي نقد وتوجيه وفي النحو العربي قواعد وتطبيق، كما ظهر له أن التجديد عنده أخذ سبيلين:
1/ التجديد التراثي: وتجلى ذلك في هدمه لفكرة العامل النحوي التي يرى أنها طغت على النحو العربي، وألجمته بلجام الفلسفة الكلامية والمنطق .
2/ التجديد الموضوعي: وتجسد في تحمس المخزومي إلى ضم علم المعاني إلى علم النحو، وقد بين عن نيته تلك من خلال الإشادة بعلم المعاني وعلمائه، في قوله: إن هناك دارسين " سموا بعلماء المعاني وهم النحاة الحقيقيون فيما أزعم وهم الذين دفعوا بالدرس النحوي إلى أمام وقدموا للدارسين فيه نتائج طيبة خليقة بأن يستفاد منها " .
وقد عزز تمام حسان هذا الرأي أيضا حيث يذهب إلى أن النحو في حاجة ماسة إلى أن يدعي لنفسه علم المعاني .
ويرى بسندي أن مصطلح التجديد ارتبط عند تمام حسان بالإحلال والاستبدال، إذ قام باستبدال نظرية القرائن بفكرة العامل النحوي وإحلالها محلها .
د - التيسير: لقد نال هذا المصطلح ذيوعا وشهرة فاقت المصطلحات الأخرى الدالة على المجال الذي نتحدث عنه، ويرى بعض الباحثين أن هذا المصطلح يعني عرض المادة بأسلوب سهل ميسر، وبناء على هذا فإن التيسير يعنى بكيفية تعليم النحو، لا بالنحو في حد ذاته تغييرا وحذفا ، وقد منح المخزومي هذا المفهوم لمصطلح التيسير في قوله: " التيسير ليس اختصارا ولاحذفا للشروح والتعليقات ولكنه عرض جديد لموضوعات النحو ييسر للناشئين أخذها واستيعابها وتمثلها " ، ولكننا إذا اطلعنا على جل محاولات تيسير النحو الحديثة فإننا قد نقف على تيسير يقوم على حذف بعض القواعد، أو تغيير رأي وغير ذلك.
ويبدو أن مصطلح التيسير لم ينل هذه الشهرة جزافا وإنما لمفهومه الذي يمثل الغاية التربوية التي ابتغاها الباحثون الذين كتبوا في هذا المجال، إضافة إلى أنه برئ من إشارات الاستنقاص لجهود النحاة القدامى التي حملتها المصطلحات سالفة الذكر، ونظرا لهذه المزايا فإننا نرتضي هذا المصطلح للدلالة على ما نحن بصدد البحث عنه في جهود الأستاذ تمام.
• أسباب الشكوى من تعلم قواعد النحو وتعليمها:
لقد حدد بعض الدارسين مجموعة من الأسباب التي جعلت درس النحو العربي يتسم بالصعوبة، ومحل نفور وزهد من المعلم والمتعلم أيضا، فقد لخص الباحث محمد كشاش تلك الأسباب في مقال عنونه بـ: تعليمية القواعد النحوية ، ونذكر منها:
1 - توظيف المعلمين النحو على أنه غاية في حد ذاته، لا وسيلة لفهم الكلام، وفصاحة اللسان، وصواب الكتابة أيضا، فقد راح المعلمون يلزمون تلاميذهم بالحفظ الببغاوي للقواعد وساعتها بدأت ترانيم الشكوى تتعالى من هذا الدرس الذي صار حملا ثقيلا يحوي مكامن التنفيرأكثر من المشوقات .
2- عدم التوفيق في اختيار القواعد التي تناسب كل مرحلة من مراحل التعليم ، إذ تلمح حشوا للمعلومات في بعض المقررات ، أو تلمح افتقارها لأمثلة ناصعة ترسخ في ذهن المتعلم ، وتكون له نماذج يتمكن من محاكاتها.
3- انشغال ذهن المتعلم بالمصطلحات والتفسيرات الفلسفية التي تشغله عن توظيف القاعدة في كلامه، بقدر ما يتمسك بحفظ نغمة يكررها في الإعراب اللفظي للكلمة الموضوع تحتها خط في المراحل الأولى من التعليم ، إلى درجة أن وفرة من تلاميذ التعليم الابتدائي والمتوسط بل والثانوي أيضا لا يحسنون التفريق بين الحركة المقدرة بسبب الثقل أو التعذر مثلا، ما ينأى بهم عن تطبيقها في كلامهم التواصلي ، ومن المعلوم أن الإفراط في استعمال المصطلحات يشتت الأذهان وهذا ما تنبه له ابن خلدون قديما في قوله " اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد طرقها " .
4- التركيز على حفظ القواعد دون توظيف: إذ يعمد بعض المدرسين إلى التلقين والاستظهار دون التركيز على الغاية من ذلك، فقد يُلَقَنُ المتعلم درس الفاعل مثلا، وقد يحفظ قواعده من خلال متن، ولكنه ينصب الفاعل فيققول: حضر المعلمين ، دون أن يوظف ما تعلمه في كلامه .
ولايعني ما سبق ذكره أن الحفظ سلوك يغلق مسام الفهم لدى المتعلم، بل هوعمل يوفر له زادا لغويا يمكنه من السلاسة في التعبير والكلام، وقد قيل: " احفظ تقل "، ولكن السلبية تكمن في طغيان الحفظ على الفهم وعلى التوظيف أيضا .
5– عدم الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعليم لجذب التلميذ وتشويقه إلى درس القواعد من خلالها .
• الرؤية التخصصية للتيسير عند تمام حسان:
لقد تصور تمام حسان صعوبة النحو كامنة في اعتماده على نظرية العامل، ونتيجة لهذا فإنه قد اهتدى إلى هدمها لكي يكتسي النحو يسرا وسهولة.
وقد بدا الأستاذ تمام ساخطا على هذه النظرية، وتكفي عبارته الآتية في الدلالة على ذلك، إذ يقول: " ويرى هذا المنهج الذي بين أيدينا أنها أكبر خدعة جازت على ذكاء النحاة العرب على مر العصور " .
وبنقد تمام حسان لنظرية العامل فإنه قد أتاح لنفسه ضرورة الإتيان ببديل عنها تمثل في نظرية القرائن النحوية التي رأى فيها بديلا لا تصمد أمامه نظرية العامل ، وقد طرح نظريته هذه بصورة مكتملة في كتابه اللغة العربية معناها ومبناها معتبرا إياها جهدا تيسيريا، إذ يقول في موضع آخر: " وقد اهتديت في هذا الكتاب إلى أفكار نافعة في فهم النحو العربي وتيسيره وتفسير ما أحب النحاة وأوضعوا في الخلاف حوله " ، ومن أبرز أفكاره الدالة على رؤيته التيسيرية:
1 - أولى اهتماما كبيرا بالمعنى، وقام بتقسيمه إلى ثلاثة أنواع: معنى معجمي ومعنى مقامي ومعنى وظيفي، ويرى أنه إذا اتضح المعنى الأخير أمكن إعراب الجملة دون حاجة إلى فهم معنى كلماتها المعجمي، ذلك لأن المعنى الوظيفي هو الثمرة الطبيعية لنجاح عملية التعليق ، وليؤكد نظرته هذه صاغ نصوصا هرائية تشتمل على حروف عربية منسوجة وفق الصيغ الصرفية والتراكيب العربية، ولكن كلماتها لا تدل على معنى معجمي، ومن تلك النصوص، قوله:
قَاصَ التَّجِينُ شِحَالَهُ بِتَرِيسِهِ الـ فَاخِي فَلَمْ يَسْتَفْ بِطَاسِيَةِ الْبَرَنْ
ويرى أن القارئ لهذا النص الهرائي بمجرد أن يقرأه يبدأ في إعرابه، على الرغم من أن كلماته ليس لها معنى في المعجم، ولكنها تحمل في طياتها معاني وظيفية .
2 – لقد قسم القرائن النحوية إلى قسمين: قرائن لفظية وأخرى معنوية :
القرائن اللفظية: العلامة الإعرابية - الرتبة – الصيغة أو البنية – المطابقة – الربط – الأداة - النغمة .
القرائن المعنوية: الإسناد – التخصيص ويدخل تحت هذه القرينة عدة قرائن وهي: (التعدية – الغائية – المعية – الظرفية – التأكيد والتحديد – الملابسة – الإخراج – التفسير ) – المخالفة – النسبة .
3 – رفض تمام حسان التعليل واعتبره " بلية فلسفية ميتافيزيقية ومنطقية ابتلي بها النحو العربي ولازال يبتلى" ، كما دعا إلى إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي، ورأى أن مبدأي الترخص في القرائن والتضافر بينها كافيان للقضاء على كل هذه المفاهيم التي وسمت درس النحو بالتعقيد .
• نقـــد الرؤية:
إن من يطلع على كتب تمام حسان بصورة عامة، وعلى نظريته حيال القرائن بصورة خاصة يقر بجهوده العلمية المبذولة في دراسة التراث اللغوي العربي بجدية وتجديد، ولكن هذا الإقرار لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات على بعض آرائه :
1 – إننا نرفض ما ذهب إليه من الاقتصار على المعنى الوظيفي في تحليل الجمل تحليلا إعرابيا، لأن لبَّ التراكيب والجمل إنما يتضح من خلال وضوح المعاني المعجمية للكلمات المكونة لها، إضافة إلى أن المعنى الوظيفي يجعل التراكيب اللغوية خاضعة لقوالب شكلية مجردة يُصَبُّ فيها أي كلام، وهذا يتنافى مع وظيفة اللغة المتمثلة في التواصل والإفهام، الذي لا يمكن أن يتوصل إليه بالاقتصار على المعنى الوظيفي لوحده، وإنما لبلوغ ذلك لابد من التعرف على المعنى المعجمي والسياقي للكلمات أيضا.
وقد تنبه النحاة القدامى إلى دور المعنى المعجمي في بيان المعاني النحوية، وتجلى ذلك بصورة واضحة في قول ابن هشام :" أَوَّلُ واجب على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه، مفردا كان أو مركبا" . وقد ساق ابن هشام خبرا يبين المقصود من كلامه، ويمنع القارئ من أن يحمل مصلح المعنى على غير وجهه المقصود منه، وهو المعنى المعجمي، وملخص ذلك الخبر أن أعرابيا سُئِلَ عن إعراب كلمة « كلالةً » في قوله تعالى: ﴿ وإن كان رجـــــــــــل يورث كلالة أو امرأة ﴾ فلم يعربها إلا بعدما أخبروه عن المعنى المعجمي لكلمة الكلالة .
2 - وأما البيت الهرائي الذي ألفه تمام حسان وقام بإعرابه، على الرغم من أن كلماته ليس لها معنى معجمي فيرى وليد الأنصاري أنه ما تَمَّ إعراب هذا البيت إلا على أساس من الظن ؛ لأن بعض كلماته قد تحتمل الحمل على عدة أوجه إعرابية ، وذلك عائد إلى تغييب المعنى المعجمي، الذي يقوم بدور كبير في تجلية الوظيفة النحوية للكلمات في التراكيب .
3 - إننا إذا قارنا بين اعتماد نظرية العامل على العلامات الإعرابية في التحليل الإعرابي ونظرية القرائن النحوية التي تلزم الطالب أن يمر بعدة قرائن للوصول إلى بغيته فإن نظرية العامل التي حملها الأستاذ تمام مسئولية عسر ستبدو لنا ألعوبة يتلهى بها المتعلم إذا هي خلصت من بعض الشوائب التي عكرت صفوها، وفي المقابل ستبدو لنا نظرية القرائن صعبة تكد ذهن المتعلم .
4 – إن رفض التعليل إجمالا فيه نظر، لأن التعليل قد يكون ضروريا لتفسير الظواهر اللغوية، خاصة للمبتدئين الذين تتوق أنفسهم إلى معرفة أسباب الظواهر اللغوية، وقد أدرك الأستاذ تمام نفسه هذا الأمر مع ذيوع أفكار المنهج التحويلي، فقد ذكر في مقال من مقالاته سنة 1984 م: " من مظاهر الطاقة التفسيرية في النحو العربي ظاهرة التعليل لأحكام النحو وأقيسته " .
إن تصنيف نظرية القرائن النحوية ضمن محاولات تيسير النحو الحديثة - في نظري - تصنيف بعيد، وغير مستقيم ؛ لأن ما قامت عليه النظرية من مبدأي تضافر القرائن والترخص فيها ، ومن قرائن لفظية وأخرى معنوية متعددة ومتشعبة يدخل طالب النحو في دوامة يصعب معها الوصول إلى المعاني النحوية بيسر إذا ما قورنت مع ما قامت عليه نظرية العامل من الوصول إلى المعنى عن طريق أهم قرينة من القرائن - في نظر النحاة - والمتمثلة في العلامة الإعرابية، التي لاترهق الطالب ولا تكد ذهنه على النحو الذي سلف من تشعب للقرائن النحوية، خاصة إذا قلل من التعمق في الإعرابين التقديري والمحلي .
ولست بدعا في هذا الرأي، فقد رفض بعض الباحثين تصنيف هذه النظرية ضمن المحاولات التيسيرية قبل، ومنهم أستاذنا عبد المجيد عيساني الذي رفض وبشدة ذلك التصنيف، بل رأى في هذه النظرية تغييرًا لطبيعة النحو وأسسه يَبعُد بها عن أي وصف بالتيسير أو التبسيط .
وإن وضع نظرية القرائن النحوية ضمن محاولات تيسير النحو يكتنز في طياته خطأ منهجيا وقع فيه بعض الدارسين قبل تمام حسان تمثل في عدم تفريقهم المنهجي بين الكتابة النحوية التيسيرية التي ترمي إلى عرض المادة النحوية بطريقة ميسرة وأسلوب مبسط يسهم في تيسير تعليم النحو، وبين الكتابة النحوية المتخصصة التي تروم مناقشة القضايا والأسس والنظريات التي انبنى عليها النحو العربي، ولعل هذا هو السبب الذي جعل هذه النظرية تُتَناوَل في البحوث الأكاديمية بالدراسة والنقد دون أن تجد مكانا لها ضمن محاولات تيسير تعلم النحو العربي وتعليمه في وقتنا الحاضر.
وبناء على ما هذا النقد فإننا نرى أن إطلاق مصطلح التيسير على هذه الرؤية هو من باب التجوز فحسب، وأما التصنيف الدقيق الذي ينبغي أن تندرج فيه فهو مجال النقد النحوي الحديث الذي يُعنَى بتحليل نظريات النحو العربي وأسسه وفق مناهج علمية وموضوعية، وتستخدم خطابا موجها إلى المتخصصين والأكاديميين بالدرجة الأولى.
• الرؤية التعليمية التربوية للتيسير عند تمام حسان:
لقد استفاد الأستاذ تمام من مفاهيم اللسانيات التربوية في تقديم وصفة تسهم في معالجة الواقع الأليم الذي يعيشه تعليم النحو العربي وتعلمه، وقد لخص نظرته في مقال بعنوان: تعليم النحو بين النظرية والتطبيق، ومن أبرز آرائه التيسيرية التربوية نذكر:
1 – تأديب الدرس النحوي: يشكو كثير من الناس من جفاف النحو وصلابته فيعرضون عنه، وقد سعى الأستاذ تمام إلى البحث عن وسيلة ترجع المتعلمين والمعلمين إلى سكة الدرس النحوي مع ضمان الشوق والمتعة، وقد تمثلت تلك الوسيلة في تأديب الدرس النحوي، ويقصد بهذا المفهوم " استغلال المتعة التي يوجدها الأدب بما فيه من أقاصيص عن الأدباء أو عن التاريخ تشتمل على نصوص، وما فيه من أمثال سائرة، وأبيات شعرية رائعة قريبة المتناول بالنسبة لفهم التلميذ، على أن تشتمل هذه الفقرات القصيرة على الأنماط اللغوية المراد إيصالها للتلميذ في إطار الدرس "، ونشير إلى أن متعة الأدب الكامنة في أقاصيصه وأمثاله السائرة لا تكفي لوحدها لرأب الصدع بين التلميذ وتعلمه للقواعد مالم تجد معلما يحسن المزاوجة بين المتعة وتبليغ القاعدة النحوية دون طغيان القصص إلى حد تُفقَد معه الغاية المنشودة .
2 – الاستفادة من الوسائل التعليمية: يركز الأستاذ تمام على مسألة بعث الشوق في نفس المتعلمين، ومن دواعي التشويق الاستعانة بالوسائل التعليمية الحديثة في الدرس النحوي، ومنها: (الأشرطة المصورة برسوم متحركة تمثل فيها الصور مواقف حوار، والأشرطة المصورة للرحلات تعرض ثم تقيد الملاحظات ويجري حولها النقاش، ويمكن أن يأخذ المعلم التلاميذ في رحلة قصيرة في بيئة المدرسة أوأي مكان محبوب لديهم ويكلف كلا منهم أن يعد وصفا لمشاهداته في هذه الرحلة وهلم جرا ....) .
وإن أثر هذه الوسائل التعليمية طيب على مردود التلاميذ لقربهم منها، ويتوصل من خلالها إلى هدفين هما:
أولا: ترطيب الجفاف الذي يحسه التلاميذ في تعلم القواعد النحوية.
ثانيا: تعتبر عنصرا من عناصر الترفيه والتشويق التي تُشعر المتعلم بالأريحية .
3 – التركيز على التدريب: إن من الأسباب التي تدعو إلى فقدان المهارة المكتسبة هو نقص التوظيف والتدريب اللذين يضمنان رسوخ الملكة وزيادتها، ويرى تمام حسان أن انعدام التدريب هو بيت الداء في ضعف مستوى المتعلم والمعلم معا ، لأننا حتى وإن يسرنا الدرس النحوي، وفَهمَ المتعلم القاعدة النحوية ووعاها، ولكن دون محاولة تطبيقها فإنها ستبقى مادة خاما لا تلبث أن تمحي وتندثر .
وقد قدم تمام حسان رؤية منهجية تفيد واضعي المناهج والبرامج التعليمية اللغوية في رسم خطة علمية لتوزيع الدروس النحوية – من حيث البساطة والعمق - في الكتب بحسب المراحل التعلمية، ونتج عن رؤيته أربع مراحل :
المرحلة الأولى: ويفضل الأستاذ تمام أن تكون الكتب الموجهة لتلاميذ الطور الأول مرتكزة على القراءة دون النحو، وأن يشتمل الكتاب على مناقشات لكل فقرة من فقرات كل نص، ويستهدف الكتاب في هذه المرحلة أن يكتسب التلميذ مهارات القراءة والفهم والتعبير.
المرحلة الثانية: يضاف لكتاب القراءة في هذه المرحلة معلومات نحوية تتبع كل باب من أبواب الكتاب، ومن القضايا التي يمكن إدراجها: التعرف على الأنواع الأساسية للجمل، ثم على الأبواب الإسنادية كالفعل والفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وغيرها، وينبغي مراعاة القدرات الذهنية للتلاميذ في تقديم الدروس، ويركز في هذه المرحلة على الفهم وصحة التعبير، ولعل هذه الرؤية نجدها ماثلة في كتاب اللغة العربية للطور الثاني من التعليم الابتدائي في المدرسة الجزائرية.
المرحلة الثالثة: بعد تخطي التلميذ للمرحلتين السالفتين يرى الأستاذ تمام أن يفصل كتاب النحو عن كتاب القراءة، وينبغي أن تبنى القاعدة على النص في كتاب النحو المدرسي، وعلى المؤلفين أن يختاروا نصوصا جيدة تحتوي على أمثلة تشتمل على القاعدة المرجو التعرف عليها، وأمثلة أخرى تذكر التلاميذ بما مر بهم من أبواب النحو، ويشترط الأستاذ تمام أن توضع القواعد في الكتاب باختصار غير مخل بحيث يسهل تذكرها عند الضرورة، وأن تخلو القاعدة من أي إشارة إلى تعدد الأوجه الإعرابية.
ويتضح من هذه الرؤية أن تمام حسان يفضل الطريقة الاستنباطية في تدريس القواعد، إذ تستنبط القواعد من الأمثلة والنصوص بعد عملية حوارية بين المعلم والمتعلم .
وأما مسألة فصل كتاب النحو عن كتاب القراءة فإن هناك من يفضلها لأنها تتيح للتلاميذ الغوص في القواعد النحوية والتركيز على فهمها، وإتاحة الفرصة للتمرين، وهي النظرة التي كانت ماثلة في التعليم الإكمالي في فترة التعليم الأساسي في المدرسة الجزائرية، ويرى بعض الدارسين أن هذا الفصل يرسخ في ذهن التلميذ انفصال الدرس النحوي عن غيره من مستويات الدرس اللغوي، ولذلك فإنهم يدعون إلى أن يكون كتاب اللغة العربية جامعا لنصوص القراءة متبوعة بدراسة لهذا النص من نواحي لغوية متعددة: الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية والسياقية وغيرها، وتنبني هذه الرؤية في التأليف على الطريقة التكاملية في التعليم التي لا تختص بتدريس القواعد فحسب، بل تتجاوزه إلى تعلم اللغة بأنشطتها ومستوياتها المختلفة دون فصل إلا من باب التنظيم المنهجي للعملية التعليمية التعلمية .
المرحلة الرابعة: وتخص هذه المرحلة تلاميذ التعليم الثانوي، ويذهب الأستاذ تمام إلى أنه من الواجب في هذه المرحلة العناية بالجانب النظري خاصة إذا تعلق الأمر بتلاميذ شعبة اللغات، ولكن دون إغفال للجانب التدريبي والتوظيفي للمكتسب من القواعد .
تعد هذه النقاط من أبرز مقترحات تيسير النحو من منطلق الرؤية التربوية عند تمام حسان ، ونتوصل من خلالها إلى أن التيسير عنده يتلخص في ثلاث نقاط:
أ – إن التيسير لا يتوجه إلى المادة بالحذف والتغيير، وإنما يركز على نجاعة طريقة التدريس.
ب – ينبغي أن يراعي واضعو المناهج ومؤلفو الكتب النحوية حاجات التلاميذ وقدراتهم في كل مرحلة من مراحل التعليم، وذلك لكي تؤتي الدروس أكلها وتظهر ثمرتها عليهم، وألا يغفلوا ميولاتهم النفسية والشعورية من خلال تطعيم الدروس بالألعاب اللغوية بالصوروالوسائل التعليمية الجاذبة التي تجعلهم في شوق دائم نحو نشاط القواعد.
جــــ – الطريقة الناجعة في تدريس قواعد النحو تتمثل في جعل المتعلم فاعلا ونشطا ومشاركا في العملية التعلمية التعليمية، وفي هذا راحة للمعلم من أن يكون " العنصر النشيط الوحيد في قاعة الدرس، إذ إن استقلاله يتعبه ويزهده في المهنة من جهة، ويقتل فاعلية تلاميذه وروح الاستقلال فيهم من جهة أخرى" ، وإن التعليمية جاءت مؤكدة لهذه الرؤية، إذ اعتبرت المعلم موجها ومديرا للدرس وموزعا للأدوارعلى التلميذ، وهذا العمل يحتاج فيه المعلم إلى الجمع بين المهارة العلمية والتعليمية التي لا تخلو من الفنية التربوية لكي يتمكن من تحصيل نتائج مرضية في الصف الدراسي .
• خاتمــــــــة:
نخلص من الرؤيتين السالفتين لتيسير النحو عند تمام حسان إلى أن هناك تداخلا منهجيا في النظر إلى التيسير، إذ إن الرؤية التخصصية للنحو تقتضي النقد والتحليل للمفاهيم النحوية، وقد تستند إلى الحذف والتغيير، وإبدال نظرية بنظرية، على نحو إبدال نظرية القرائن بنظرية العامل، ولا يلام الناقد في النقد والحذف والإبدال، إذا سلك منهجا علميا موضوعيا، لأنه يتوجه بخطابه إلى ذوي الاختصاص الذين يمكنهم فهم نقده ومناقشته، ولكن يلام بتصنيف رؤيته تلك في محاولات تيسير النحو التي تستحضر المتعلم وحاجاته، ولا جرم أن المتعلم المبتدئ يجد صعوبة في التعامل مع القرائن النحوية إذا درست القواعد في ضوئها .
وأما الرؤية التربوية التعليمية فقد ركزت على طريقة تعليم قواعد النحو والأساليب المنتهجة فيها، ويبدو أن الشعور بصعوبة نشاط النحو في المراحل التعليمية متأت من ذلك، بالإضافة إلى مراعاة حاجات المتعلمين وقدراتهم في كل مرحلة تعليمية.
وتجد هذه الرؤية ما يعضدها في مقترحات مجموعة من الباحثين في مجال تعليمية النحو، ونذكر منهم نهاد الموسى الذي قدم رؤى تفيد تيسير تعليمه، ومنها على سبيل العرض:
- تعليم النحو في موقف وظيفي مقنع.
- إحياء القاعدة بالنص.
- الاقتصار على القواعد الأساسية التي لا غنى للمتعلم عنها لشدة حاجته إليها .
ويتجلى من خلال عرض تمام حسان للرؤية التعليمية استفادته من مفاهيم اللسانيات التربوية التي استنجد بها الباحثون المحدثون في البحث عن رؤى تسهم في تيسير تعليم أنشطة اللغة العربية على وجه العموم، وتعليم قواعد النحو على وجه الخصوص.
وينبغي أن لا ننكر أن من مكامن الصعوبة في تعليم النحو ما يتعلق بالقواعد في حد ذاتها، إذ منها ما يعسر على المتخصصين فهمه وإدراكه بله المبتدئين، مثل درسي الاشتغال والتنازع .
الإحـــــــــالات والهـــــــــوامــــــش:
أ / مبروك بركات
مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية
- وحدة ورقلة -
الملخـــص
[يتناول هذا البحث رؤية تمام حسان حيال قضية تيسير النحو العربي التي شغلت بال الدارسين قديما وحديثا، وسنقف في هذه الدراسة على نظرتين لهذا اللساني، وهما: النظرة التخصصية للتيسير ومثلتها نظريته القائمة على القرائن، ونظرة أخرى تعليمية تستند إلى مقترحات اللسانيات التربوية في مجال تقريب النحو من المتعلمين، ونخلص في الأخير إلى بعض النتائج المستفادة.]
Résumé
] On aborde dans cet exposé le point de vue de Tammam HASSAN vis à vis la simplification de la grammaire Arabe, le sujet qui a été longuement abordé par les linguistes anciens ou contemporains.
Deux visions sont éclaircies; la vision spécialisée de la simplification représentée par la théorie qui se base sur les reperds, une autre vision didactique, dépend à des propositions des linguistiques éducatives qui a pour but de rendre la grammaire arabe facile pour les apprenants. Enfin des conclusions sont mises au point.[
• تقـــــــــديــم:
إن الممعن في مسيرة العلوم يجدها لا تخرج عن السنة التي فطر الله عليها الكون، إذ تبدأ ساذجة بسيطة ثم تنضج وتكمل، وتبدأ شذورا وأشتاتا ولكنها في أثناء نموها تترعرع وتتشعب معها الرؤى والمفاهيم في ذلك الطريق فتنتهي مقعدة متعددة وذلك ما كان مع النحو العربي، ذلك الفرع من فروع اللغة الذي إذا ذكرت اللغة العربية حدجت إليه الأبصار وشغلت به الأذهان وأشير إليه بالبنان ، وسهر الدارسون مع دروسه الليالي والأيام وشدوا في ذلك أوقاتهم بالحرص والزمام لكن في العصور المتأخرة بات النحو كابوسا يشتكى منه، ودرسا ملفوفا بالصعوبة والمنطقية والقواعد الرياضية ، فاضطلع بعض الدارسين بتيسيره وتحديثه وإصلاحه وتجديده وتيسيره، وإسداء بعض المقترحات التي تسهم في جذب التلاميذ نحو درسه.
• مصطلحات التيسير الحديثة ودلالاتها :
لقد تعددت المصطلحات الدالة على تيسير النحو، ونذكر منها:
أ – الإحياء: لقد اشتهرت دلالة هذا المصطلح على التيسير مع كتاب إبراهيم مصطفى الموسوم بـ: إحياء النحو، والمسوغ الذي جعل متبني هذا المصطلح يلصقونه بالنحو هو ما وقفوا عليه من صيحات الضجر والشكوى من درسه التي بدأت تتعالى وقتها من المعلمين والمتعلمين، وكانت نتيجتها بعدا ونفورا من نشاط قواعد النحو.
وقد وضح طه حسين المقصود من مصطلح الإحياء الذي اقترحه في عنوان كتاب الأستاذ إبراهيم مصطفى في قوله:" فالكتاب كما ترى، يحي النحو لأنه يصلحه، ويحي النحو لأنه ينبه إليه من اطمأنوا إلى الغفلة عنه، وحسبك بهذا إحياء" .
ب – الإصلاح: ورد هذا المصطلح في أعمال وزارة المعارف المصرية وردده عدد كبير من المهتمين بهذا المجال، وهو ما لمسناه عند طه حسين في قوله الآنف الذكر حيث سوى بين الإحياء والإصلاح، كما صدر به عبد الوارث مبروك كتابه: في إصلاح النحو العربي .
ويقصد به الباحثون الذين أطلقوا هذا المصطلح على التيسير تخليصَ النحو العربي من الشوائب والاختلالات التي أسهمت في النفور، وفي وصفه بالصعوبة والعسر، وقد قادتهم هذه الرؤية إلى حذف بعض الأبواب النحوية، وإعادة عرضها بطرق أخرى .
وهذا المفهوم للتيسير قد يصدق على رغبة تمام حسان تخايص النحو من شوائب التعليل والتأويل والعاملية التي لصقت به
ج – التجديد: يرى محمد حسين الصغير أن هذا المصطلح يرمي إلى فك الحصار عن التراث النحوي ليعود طليقا بعد الأسر، وبعث الحياة في المنهج النحوي ليعود غضا طريا بعد الجفاف .
ويبدو أن معتنقي هذا المصطلح لا يختلفون عن الآخذين بالمصطلحات الأخرى من الناحية العملية، إذ إنهم يسعون إلى الحذف والاختصار والإلغاء متخذين من محاولة ابن مضاء القرطبي سندا مقتفى .
ويرى الباحث عبد الكريم بسندي أن اتجاه التجديد ظهر بوضوح عند مهدي المخزومي في كتابيه: في النحو العربي نقد وتوجيه وفي النحو العربي قواعد وتطبيق، كما ظهر له أن التجديد عنده أخذ سبيلين:
1/ التجديد التراثي: وتجلى ذلك في هدمه لفكرة العامل النحوي التي يرى أنها طغت على النحو العربي، وألجمته بلجام الفلسفة الكلامية والمنطق .
2/ التجديد الموضوعي: وتجسد في تحمس المخزومي إلى ضم علم المعاني إلى علم النحو، وقد بين عن نيته تلك من خلال الإشادة بعلم المعاني وعلمائه، في قوله: إن هناك دارسين " سموا بعلماء المعاني وهم النحاة الحقيقيون فيما أزعم وهم الذين دفعوا بالدرس النحوي إلى أمام وقدموا للدارسين فيه نتائج طيبة خليقة بأن يستفاد منها " .
وقد عزز تمام حسان هذا الرأي أيضا حيث يذهب إلى أن النحو في حاجة ماسة إلى أن يدعي لنفسه علم المعاني .
ويرى بسندي أن مصطلح التجديد ارتبط عند تمام حسان بالإحلال والاستبدال، إذ قام باستبدال نظرية القرائن بفكرة العامل النحوي وإحلالها محلها .
د - التيسير: لقد نال هذا المصطلح ذيوعا وشهرة فاقت المصطلحات الأخرى الدالة على المجال الذي نتحدث عنه، ويرى بعض الباحثين أن هذا المصطلح يعني عرض المادة بأسلوب سهل ميسر، وبناء على هذا فإن التيسير يعنى بكيفية تعليم النحو، لا بالنحو في حد ذاته تغييرا وحذفا ، وقد منح المخزومي هذا المفهوم لمصطلح التيسير في قوله: " التيسير ليس اختصارا ولاحذفا للشروح والتعليقات ولكنه عرض جديد لموضوعات النحو ييسر للناشئين أخذها واستيعابها وتمثلها " ، ولكننا إذا اطلعنا على جل محاولات تيسير النحو الحديثة فإننا قد نقف على تيسير يقوم على حذف بعض القواعد، أو تغيير رأي وغير ذلك.
ويبدو أن مصطلح التيسير لم ينل هذه الشهرة جزافا وإنما لمفهومه الذي يمثل الغاية التربوية التي ابتغاها الباحثون الذين كتبوا في هذا المجال، إضافة إلى أنه برئ من إشارات الاستنقاص لجهود النحاة القدامى التي حملتها المصطلحات سالفة الذكر، ونظرا لهذه المزايا فإننا نرتضي هذا المصطلح للدلالة على ما نحن بصدد البحث عنه في جهود الأستاذ تمام.
• أسباب الشكوى من تعلم قواعد النحو وتعليمها:
لقد حدد بعض الدارسين مجموعة من الأسباب التي جعلت درس النحو العربي يتسم بالصعوبة، ومحل نفور وزهد من المعلم والمتعلم أيضا، فقد لخص الباحث محمد كشاش تلك الأسباب في مقال عنونه بـ: تعليمية القواعد النحوية ، ونذكر منها:
1 - توظيف المعلمين النحو على أنه غاية في حد ذاته، لا وسيلة لفهم الكلام، وفصاحة اللسان، وصواب الكتابة أيضا، فقد راح المعلمون يلزمون تلاميذهم بالحفظ الببغاوي للقواعد وساعتها بدأت ترانيم الشكوى تتعالى من هذا الدرس الذي صار حملا ثقيلا يحوي مكامن التنفيرأكثر من المشوقات .
2- عدم التوفيق في اختيار القواعد التي تناسب كل مرحلة من مراحل التعليم ، إذ تلمح حشوا للمعلومات في بعض المقررات ، أو تلمح افتقارها لأمثلة ناصعة ترسخ في ذهن المتعلم ، وتكون له نماذج يتمكن من محاكاتها.
3- انشغال ذهن المتعلم بالمصطلحات والتفسيرات الفلسفية التي تشغله عن توظيف القاعدة في كلامه، بقدر ما يتمسك بحفظ نغمة يكررها في الإعراب اللفظي للكلمة الموضوع تحتها خط في المراحل الأولى من التعليم ، إلى درجة أن وفرة من تلاميذ التعليم الابتدائي والمتوسط بل والثانوي أيضا لا يحسنون التفريق بين الحركة المقدرة بسبب الثقل أو التعذر مثلا، ما ينأى بهم عن تطبيقها في كلامهم التواصلي ، ومن المعلوم أن الإفراط في استعمال المصطلحات يشتت الأذهان وهذا ما تنبه له ابن خلدون قديما في قوله " اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد طرقها " .
4- التركيز على حفظ القواعد دون توظيف: إذ يعمد بعض المدرسين إلى التلقين والاستظهار دون التركيز على الغاية من ذلك، فقد يُلَقَنُ المتعلم درس الفاعل مثلا، وقد يحفظ قواعده من خلال متن، ولكنه ينصب الفاعل فيققول: حضر المعلمين ، دون أن يوظف ما تعلمه في كلامه .
ولايعني ما سبق ذكره أن الحفظ سلوك يغلق مسام الفهم لدى المتعلم، بل هوعمل يوفر له زادا لغويا يمكنه من السلاسة في التعبير والكلام، وقد قيل: " احفظ تقل "، ولكن السلبية تكمن في طغيان الحفظ على الفهم وعلى التوظيف أيضا .
5– عدم الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعليم لجذب التلميذ وتشويقه إلى درس القواعد من خلالها .
• الرؤية التخصصية للتيسير عند تمام حسان:
لقد تصور تمام حسان صعوبة النحو كامنة في اعتماده على نظرية العامل، ونتيجة لهذا فإنه قد اهتدى إلى هدمها لكي يكتسي النحو يسرا وسهولة.
وقد بدا الأستاذ تمام ساخطا على هذه النظرية، وتكفي عبارته الآتية في الدلالة على ذلك، إذ يقول: " ويرى هذا المنهج الذي بين أيدينا أنها أكبر خدعة جازت على ذكاء النحاة العرب على مر العصور " .
وبنقد تمام حسان لنظرية العامل فإنه قد أتاح لنفسه ضرورة الإتيان ببديل عنها تمثل في نظرية القرائن النحوية التي رأى فيها بديلا لا تصمد أمامه نظرية العامل ، وقد طرح نظريته هذه بصورة مكتملة في كتابه اللغة العربية معناها ومبناها معتبرا إياها جهدا تيسيريا، إذ يقول في موضع آخر: " وقد اهتديت في هذا الكتاب إلى أفكار نافعة في فهم النحو العربي وتيسيره وتفسير ما أحب النحاة وأوضعوا في الخلاف حوله " ، ومن أبرز أفكاره الدالة على رؤيته التيسيرية:
1 - أولى اهتماما كبيرا بالمعنى، وقام بتقسيمه إلى ثلاثة أنواع: معنى معجمي ومعنى مقامي ومعنى وظيفي، ويرى أنه إذا اتضح المعنى الأخير أمكن إعراب الجملة دون حاجة إلى فهم معنى كلماتها المعجمي، ذلك لأن المعنى الوظيفي هو الثمرة الطبيعية لنجاح عملية التعليق ، وليؤكد نظرته هذه صاغ نصوصا هرائية تشتمل على حروف عربية منسوجة وفق الصيغ الصرفية والتراكيب العربية، ولكن كلماتها لا تدل على معنى معجمي، ومن تلك النصوص، قوله:
قَاصَ التَّجِينُ شِحَالَهُ بِتَرِيسِهِ الـ فَاخِي فَلَمْ يَسْتَفْ بِطَاسِيَةِ الْبَرَنْ
ويرى أن القارئ لهذا النص الهرائي بمجرد أن يقرأه يبدأ في إعرابه، على الرغم من أن كلماته ليس لها معنى في المعجم، ولكنها تحمل في طياتها معاني وظيفية .
2 – لقد قسم القرائن النحوية إلى قسمين: قرائن لفظية وأخرى معنوية :
القرائن اللفظية: العلامة الإعرابية - الرتبة – الصيغة أو البنية – المطابقة – الربط – الأداة - النغمة .
القرائن المعنوية: الإسناد – التخصيص ويدخل تحت هذه القرينة عدة قرائن وهي: (التعدية – الغائية – المعية – الظرفية – التأكيد والتحديد – الملابسة – الإخراج – التفسير ) – المخالفة – النسبة .
3 – رفض تمام حسان التعليل واعتبره " بلية فلسفية ميتافيزيقية ومنطقية ابتلي بها النحو العربي ولازال يبتلى" ، كما دعا إلى إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي، ورأى أن مبدأي الترخص في القرائن والتضافر بينها كافيان للقضاء على كل هذه المفاهيم التي وسمت درس النحو بالتعقيد .
• نقـــد الرؤية:
إن من يطلع على كتب تمام حسان بصورة عامة، وعلى نظريته حيال القرائن بصورة خاصة يقر بجهوده العلمية المبذولة في دراسة التراث اللغوي العربي بجدية وتجديد، ولكن هذا الإقرار لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات على بعض آرائه :
1 – إننا نرفض ما ذهب إليه من الاقتصار على المعنى الوظيفي في تحليل الجمل تحليلا إعرابيا، لأن لبَّ التراكيب والجمل إنما يتضح من خلال وضوح المعاني المعجمية للكلمات المكونة لها، إضافة إلى أن المعنى الوظيفي يجعل التراكيب اللغوية خاضعة لقوالب شكلية مجردة يُصَبُّ فيها أي كلام، وهذا يتنافى مع وظيفة اللغة المتمثلة في التواصل والإفهام، الذي لا يمكن أن يتوصل إليه بالاقتصار على المعنى الوظيفي لوحده، وإنما لبلوغ ذلك لابد من التعرف على المعنى المعجمي والسياقي للكلمات أيضا.
وقد تنبه النحاة القدامى إلى دور المعنى المعجمي في بيان المعاني النحوية، وتجلى ذلك بصورة واضحة في قول ابن هشام :" أَوَّلُ واجب على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه، مفردا كان أو مركبا" . وقد ساق ابن هشام خبرا يبين المقصود من كلامه، ويمنع القارئ من أن يحمل مصلح المعنى على غير وجهه المقصود منه، وهو المعنى المعجمي، وملخص ذلك الخبر أن أعرابيا سُئِلَ عن إعراب كلمة « كلالةً » في قوله تعالى: ﴿ وإن كان رجـــــــــــل يورث كلالة أو امرأة ﴾ فلم يعربها إلا بعدما أخبروه عن المعنى المعجمي لكلمة الكلالة .
2 - وأما البيت الهرائي الذي ألفه تمام حسان وقام بإعرابه، على الرغم من أن كلماته ليس لها معنى معجمي فيرى وليد الأنصاري أنه ما تَمَّ إعراب هذا البيت إلا على أساس من الظن ؛ لأن بعض كلماته قد تحتمل الحمل على عدة أوجه إعرابية ، وذلك عائد إلى تغييب المعنى المعجمي، الذي يقوم بدور كبير في تجلية الوظيفة النحوية للكلمات في التراكيب .
3 - إننا إذا قارنا بين اعتماد نظرية العامل على العلامات الإعرابية في التحليل الإعرابي ونظرية القرائن النحوية التي تلزم الطالب أن يمر بعدة قرائن للوصول إلى بغيته فإن نظرية العامل التي حملها الأستاذ تمام مسئولية عسر ستبدو لنا ألعوبة يتلهى بها المتعلم إذا هي خلصت من بعض الشوائب التي عكرت صفوها، وفي المقابل ستبدو لنا نظرية القرائن صعبة تكد ذهن المتعلم .
4 – إن رفض التعليل إجمالا فيه نظر، لأن التعليل قد يكون ضروريا لتفسير الظواهر اللغوية، خاصة للمبتدئين الذين تتوق أنفسهم إلى معرفة أسباب الظواهر اللغوية، وقد أدرك الأستاذ تمام نفسه هذا الأمر مع ذيوع أفكار المنهج التحويلي، فقد ذكر في مقال من مقالاته سنة 1984 م: " من مظاهر الطاقة التفسيرية في النحو العربي ظاهرة التعليل لأحكام النحو وأقيسته " .
إن تصنيف نظرية القرائن النحوية ضمن محاولات تيسير النحو الحديثة - في نظري - تصنيف بعيد، وغير مستقيم ؛ لأن ما قامت عليه النظرية من مبدأي تضافر القرائن والترخص فيها ، ومن قرائن لفظية وأخرى معنوية متعددة ومتشعبة يدخل طالب النحو في دوامة يصعب معها الوصول إلى المعاني النحوية بيسر إذا ما قورنت مع ما قامت عليه نظرية العامل من الوصول إلى المعنى عن طريق أهم قرينة من القرائن - في نظر النحاة - والمتمثلة في العلامة الإعرابية، التي لاترهق الطالب ولا تكد ذهنه على النحو الذي سلف من تشعب للقرائن النحوية، خاصة إذا قلل من التعمق في الإعرابين التقديري والمحلي .
ولست بدعا في هذا الرأي، فقد رفض بعض الباحثين تصنيف هذه النظرية ضمن المحاولات التيسيرية قبل، ومنهم أستاذنا عبد المجيد عيساني الذي رفض وبشدة ذلك التصنيف، بل رأى في هذه النظرية تغييرًا لطبيعة النحو وأسسه يَبعُد بها عن أي وصف بالتيسير أو التبسيط .
وإن وضع نظرية القرائن النحوية ضمن محاولات تيسير النحو يكتنز في طياته خطأ منهجيا وقع فيه بعض الدارسين قبل تمام حسان تمثل في عدم تفريقهم المنهجي بين الكتابة النحوية التيسيرية التي ترمي إلى عرض المادة النحوية بطريقة ميسرة وأسلوب مبسط يسهم في تيسير تعليم النحو، وبين الكتابة النحوية المتخصصة التي تروم مناقشة القضايا والأسس والنظريات التي انبنى عليها النحو العربي، ولعل هذا هو السبب الذي جعل هذه النظرية تُتَناوَل في البحوث الأكاديمية بالدراسة والنقد دون أن تجد مكانا لها ضمن محاولات تيسير تعلم النحو العربي وتعليمه في وقتنا الحاضر.
وبناء على ما هذا النقد فإننا نرى أن إطلاق مصطلح التيسير على هذه الرؤية هو من باب التجوز فحسب، وأما التصنيف الدقيق الذي ينبغي أن تندرج فيه فهو مجال النقد النحوي الحديث الذي يُعنَى بتحليل نظريات النحو العربي وأسسه وفق مناهج علمية وموضوعية، وتستخدم خطابا موجها إلى المتخصصين والأكاديميين بالدرجة الأولى.
• الرؤية التعليمية التربوية للتيسير عند تمام حسان:
لقد استفاد الأستاذ تمام من مفاهيم اللسانيات التربوية في تقديم وصفة تسهم في معالجة الواقع الأليم الذي يعيشه تعليم النحو العربي وتعلمه، وقد لخص نظرته في مقال بعنوان: تعليم النحو بين النظرية والتطبيق، ومن أبرز آرائه التيسيرية التربوية نذكر:
1 – تأديب الدرس النحوي: يشكو كثير من الناس من جفاف النحو وصلابته فيعرضون عنه، وقد سعى الأستاذ تمام إلى البحث عن وسيلة ترجع المتعلمين والمعلمين إلى سكة الدرس النحوي مع ضمان الشوق والمتعة، وقد تمثلت تلك الوسيلة في تأديب الدرس النحوي، ويقصد بهذا المفهوم " استغلال المتعة التي يوجدها الأدب بما فيه من أقاصيص عن الأدباء أو عن التاريخ تشتمل على نصوص، وما فيه من أمثال سائرة، وأبيات شعرية رائعة قريبة المتناول بالنسبة لفهم التلميذ، على أن تشتمل هذه الفقرات القصيرة على الأنماط اللغوية المراد إيصالها للتلميذ في إطار الدرس "، ونشير إلى أن متعة الأدب الكامنة في أقاصيصه وأمثاله السائرة لا تكفي لوحدها لرأب الصدع بين التلميذ وتعلمه للقواعد مالم تجد معلما يحسن المزاوجة بين المتعة وتبليغ القاعدة النحوية دون طغيان القصص إلى حد تُفقَد معه الغاية المنشودة .
2 – الاستفادة من الوسائل التعليمية: يركز الأستاذ تمام على مسألة بعث الشوق في نفس المتعلمين، ومن دواعي التشويق الاستعانة بالوسائل التعليمية الحديثة في الدرس النحوي، ومنها: (الأشرطة المصورة برسوم متحركة تمثل فيها الصور مواقف حوار، والأشرطة المصورة للرحلات تعرض ثم تقيد الملاحظات ويجري حولها النقاش، ويمكن أن يأخذ المعلم التلاميذ في رحلة قصيرة في بيئة المدرسة أوأي مكان محبوب لديهم ويكلف كلا منهم أن يعد وصفا لمشاهداته في هذه الرحلة وهلم جرا ....) .
وإن أثر هذه الوسائل التعليمية طيب على مردود التلاميذ لقربهم منها، ويتوصل من خلالها إلى هدفين هما:
أولا: ترطيب الجفاف الذي يحسه التلاميذ في تعلم القواعد النحوية.
ثانيا: تعتبر عنصرا من عناصر الترفيه والتشويق التي تُشعر المتعلم بالأريحية .
3 – التركيز على التدريب: إن من الأسباب التي تدعو إلى فقدان المهارة المكتسبة هو نقص التوظيف والتدريب اللذين يضمنان رسوخ الملكة وزيادتها، ويرى تمام حسان أن انعدام التدريب هو بيت الداء في ضعف مستوى المتعلم والمعلم معا ، لأننا حتى وإن يسرنا الدرس النحوي، وفَهمَ المتعلم القاعدة النحوية ووعاها، ولكن دون محاولة تطبيقها فإنها ستبقى مادة خاما لا تلبث أن تمحي وتندثر .
وقد قدم تمام حسان رؤية منهجية تفيد واضعي المناهج والبرامج التعليمية اللغوية في رسم خطة علمية لتوزيع الدروس النحوية – من حيث البساطة والعمق - في الكتب بحسب المراحل التعلمية، ونتج عن رؤيته أربع مراحل :
المرحلة الأولى: ويفضل الأستاذ تمام أن تكون الكتب الموجهة لتلاميذ الطور الأول مرتكزة على القراءة دون النحو، وأن يشتمل الكتاب على مناقشات لكل فقرة من فقرات كل نص، ويستهدف الكتاب في هذه المرحلة أن يكتسب التلميذ مهارات القراءة والفهم والتعبير.
المرحلة الثانية: يضاف لكتاب القراءة في هذه المرحلة معلومات نحوية تتبع كل باب من أبواب الكتاب، ومن القضايا التي يمكن إدراجها: التعرف على الأنواع الأساسية للجمل، ثم على الأبواب الإسنادية كالفعل والفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وغيرها، وينبغي مراعاة القدرات الذهنية للتلاميذ في تقديم الدروس، ويركز في هذه المرحلة على الفهم وصحة التعبير، ولعل هذه الرؤية نجدها ماثلة في كتاب اللغة العربية للطور الثاني من التعليم الابتدائي في المدرسة الجزائرية.
المرحلة الثالثة: بعد تخطي التلميذ للمرحلتين السالفتين يرى الأستاذ تمام أن يفصل كتاب النحو عن كتاب القراءة، وينبغي أن تبنى القاعدة على النص في كتاب النحو المدرسي، وعلى المؤلفين أن يختاروا نصوصا جيدة تحتوي على أمثلة تشتمل على القاعدة المرجو التعرف عليها، وأمثلة أخرى تذكر التلاميذ بما مر بهم من أبواب النحو، ويشترط الأستاذ تمام أن توضع القواعد في الكتاب باختصار غير مخل بحيث يسهل تذكرها عند الضرورة، وأن تخلو القاعدة من أي إشارة إلى تعدد الأوجه الإعرابية.
ويتضح من هذه الرؤية أن تمام حسان يفضل الطريقة الاستنباطية في تدريس القواعد، إذ تستنبط القواعد من الأمثلة والنصوص بعد عملية حوارية بين المعلم والمتعلم .
وأما مسألة فصل كتاب النحو عن كتاب القراءة فإن هناك من يفضلها لأنها تتيح للتلاميذ الغوص في القواعد النحوية والتركيز على فهمها، وإتاحة الفرصة للتمرين، وهي النظرة التي كانت ماثلة في التعليم الإكمالي في فترة التعليم الأساسي في المدرسة الجزائرية، ويرى بعض الدارسين أن هذا الفصل يرسخ في ذهن التلميذ انفصال الدرس النحوي عن غيره من مستويات الدرس اللغوي، ولذلك فإنهم يدعون إلى أن يكون كتاب اللغة العربية جامعا لنصوص القراءة متبوعة بدراسة لهذا النص من نواحي لغوية متعددة: الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية والسياقية وغيرها، وتنبني هذه الرؤية في التأليف على الطريقة التكاملية في التعليم التي لا تختص بتدريس القواعد فحسب، بل تتجاوزه إلى تعلم اللغة بأنشطتها ومستوياتها المختلفة دون فصل إلا من باب التنظيم المنهجي للعملية التعليمية التعلمية .
المرحلة الرابعة: وتخص هذه المرحلة تلاميذ التعليم الثانوي، ويذهب الأستاذ تمام إلى أنه من الواجب في هذه المرحلة العناية بالجانب النظري خاصة إذا تعلق الأمر بتلاميذ شعبة اللغات، ولكن دون إغفال للجانب التدريبي والتوظيفي للمكتسب من القواعد .
تعد هذه النقاط من أبرز مقترحات تيسير النحو من منطلق الرؤية التربوية عند تمام حسان ، ونتوصل من خلالها إلى أن التيسير عنده يتلخص في ثلاث نقاط:
أ – إن التيسير لا يتوجه إلى المادة بالحذف والتغيير، وإنما يركز على نجاعة طريقة التدريس.
ب – ينبغي أن يراعي واضعو المناهج ومؤلفو الكتب النحوية حاجات التلاميذ وقدراتهم في كل مرحلة من مراحل التعليم، وذلك لكي تؤتي الدروس أكلها وتظهر ثمرتها عليهم، وألا يغفلوا ميولاتهم النفسية والشعورية من خلال تطعيم الدروس بالألعاب اللغوية بالصوروالوسائل التعليمية الجاذبة التي تجعلهم في شوق دائم نحو نشاط القواعد.
جــــ – الطريقة الناجعة في تدريس قواعد النحو تتمثل في جعل المتعلم فاعلا ونشطا ومشاركا في العملية التعلمية التعليمية، وفي هذا راحة للمعلم من أن يكون " العنصر النشيط الوحيد في قاعة الدرس، إذ إن استقلاله يتعبه ويزهده في المهنة من جهة، ويقتل فاعلية تلاميذه وروح الاستقلال فيهم من جهة أخرى" ، وإن التعليمية جاءت مؤكدة لهذه الرؤية، إذ اعتبرت المعلم موجها ومديرا للدرس وموزعا للأدوارعلى التلميذ، وهذا العمل يحتاج فيه المعلم إلى الجمع بين المهارة العلمية والتعليمية التي لا تخلو من الفنية التربوية لكي يتمكن من تحصيل نتائج مرضية في الصف الدراسي .
• خاتمــــــــة:
نخلص من الرؤيتين السالفتين لتيسير النحو عند تمام حسان إلى أن هناك تداخلا منهجيا في النظر إلى التيسير، إذ إن الرؤية التخصصية للنحو تقتضي النقد والتحليل للمفاهيم النحوية، وقد تستند إلى الحذف والتغيير، وإبدال نظرية بنظرية، على نحو إبدال نظرية القرائن بنظرية العامل، ولا يلام الناقد في النقد والحذف والإبدال، إذا سلك منهجا علميا موضوعيا، لأنه يتوجه بخطابه إلى ذوي الاختصاص الذين يمكنهم فهم نقده ومناقشته، ولكن يلام بتصنيف رؤيته تلك في محاولات تيسير النحو التي تستحضر المتعلم وحاجاته، ولا جرم أن المتعلم المبتدئ يجد صعوبة في التعامل مع القرائن النحوية إذا درست القواعد في ضوئها .
وأما الرؤية التربوية التعليمية فقد ركزت على طريقة تعليم قواعد النحو والأساليب المنتهجة فيها، ويبدو أن الشعور بصعوبة نشاط النحو في المراحل التعليمية متأت من ذلك، بالإضافة إلى مراعاة حاجات المتعلمين وقدراتهم في كل مرحلة تعليمية.
وتجد هذه الرؤية ما يعضدها في مقترحات مجموعة من الباحثين في مجال تعليمية النحو، ونذكر منهم نهاد الموسى الذي قدم رؤى تفيد تيسير تعليمه، ومنها على سبيل العرض:
- تعليم النحو في موقف وظيفي مقنع.
- إحياء القاعدة بالنص.
- الاقتصار على القواعد الأساسية التي لا غنى للمتعلم عنها لشدة حاجته إليها .
ويتجلى من خلال عرض تمام حسان للرؤية التعليمية استفادته من مفاهيم اللسانيات التربوية التي استنجد بها الباحثون المحدثون في البحث عن رؤى تسهم في تيسير تعليم أنشطة اللغة العربية على وجه العموم، وتعليم قواعد النحو على وجه الخصوص.
وينبغي أن لا ننكر أن من مكامن الصعوبة في تعليم النحو ما يتعلق بالقواعد في حد ذاتها، إذ منها ما يعسر على المتخصصين فهمه وإدراكه بله المبتدئين، مثل درسي الاشتغال والتنازع .
الإحـــــــــالات والهـــــــــوامــــــش:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى