الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري وفعالية التخطيط اللغوي في مواجهتها
صفحة 1 من اصل 1
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري وفعالية التخطيط اللغوي في مواجهتها
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري وفعالية التخطيط اللغوي في مواجهتها
د. أحمد بناني
مخبر دراسة الموروث العلمي والثقافي بمنطقة تمنراست
المركز الجامعي لتامنغست / الجزائر
[في هذا المقال أحاول الحديث عن الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية ورصد مفاهيمها ونقاط التداخل بين المفاهيم محاولا الوقوف على أصناف وأنواع الازدواجية اللغوية والثنائية، كما سأقف على التداخل اللغوي بوصفه نتيجة للازدواجية اللغوية مركزا على آثار التداخل اللغوي على الخارطة اللغوية الجزائرية معرجا بعدها على أصناف التداخل ومستوياته المختلفة إضافة إلى وقوفي على الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، كما سأتناول فعالية التخطيط في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، وسبل تجاوز تحدي الازدواجية والثنائية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، كما سأحاول الإجابة على تساؤلات ألخصها في: ما الازدواجية اللغوية والحلول المفترضة ؟ وما الثنائية اللغوية؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى استشراء هذه الظاهرة اللغوية؟ وما أبعادها اللغوية والثقافية وما آثارها على المجتمع؟ وماذا يمكن أن يقدمه التخطيط اللغوي في ظل هذا التحدي؟]
الكلمات المفتاحية: الازدواجية، الثنائية، التخطيط اللغوي، الواقع اللغوي
مقدمة:
إن اللغة من أهم عوامل توحيد الأمم والشعوب، وهي اليوم تواجه تحديات كبيرة في ظل الراهن الذي بث الوهن على ألسنة ناطقيها، والواقع خير شاهد على ضعف استشرى على ألسنة طلابنا في المدارس والثانويات والجامعات، يترجمه الضعف في القراءة والكتابة وسوء التعبير، مما أثر على التحصيل الدراسي والتواصل اللغوي، ومن أهم ما يمكن أن تعلق عليه وصمة هذا الضعف هو الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية؛ فقد ساد التهجين اللغوي والتداخل في مستويات اللغات، وأصبحت اللغة فسيفساء على ألسنة المتكلمين في الجزائر التي تشهد تنوعا لغويا أضفى طابع الثراء على البعد الثقافي، بيد أنه في غياب التخطيط اللغوي أضحى التهجين يلقي بظلاله على لغة التواصل والاكتساب والتعلم، فأصبحت اللهجات تتنافس فيما بينها، بل منها ما أضحى يزاحم الفصحى نفسها.
وما زاد الطين بلة هو منافسة اللغات الأجنبية للغة العربية في عرينها، فتعدد التنافس بين اللغة المتداولة وهي العامية التي يتم استيعابها منذ الولادة وهي لغة الأم ولغة المنشأ وبين الفصحى لغة التعلم. هذا فضلا عن أن تكوين جيل بأكمله باللغة الأجنبية خلق فئة تؤثر اللغة الأجنبية على العربية، مما وسع الهوة بين فئة مثقفة باللغة الأجنبية وفئة أخرى تلقت تكوينها بالعربية، وهو ما ألقى بظلاله على مستوى التواصل ومستوى الاكتساب والتعلم.
ونود في هذا المقال أن نجيب عن جملة من الأسئلة أهمها: ما الازدواجية اللغوية ؟ وما الثنائية اللغوية؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى استشراء هذه الظاهرة اللغوية؟ وما أبعادها اللغوية والثقافية وما آثارها على المجتمع؟ وماذا يمكن أن يقدمه التخطيط اللغوي في ظل هذا التحدي؟ وما هي الحلول المفترضة للحد من استشراء هذه الظواهر اللغوية للرقي بإيجابياتها وقطع الطريق أمام توسع سلبياتها؟
الازدواجية اللغوية (Bilinguisme) المفهوم والأصناف:
يتجلى مفهوم الازدواجية اللغوية كما قدمه المؤلفان (ميقال سيجوان ووليم ف-مكاي) (MIGUEL SIGUAN ,WILLIAM F-MACKEY) في تعريفهما للشخص مزدوج اللغة، في أنه الشخص الذي يتقن لغة ثانية بدرجة متكافئة مع لغته الأصلية، ويستطيع أن يستعمل كلا من اللغتين بالتأثير والمستوى نفسه في كل الظروف .
هذا المفهوم يشير إلى تلازم الازدواجية اللغوية وإتقان مستويات لغتين مختلفتين بالدرجة نفسها، وفي شتى المواقف، وهو ما يجعل الازدواجية تعبر عن تحكم في بنية لغتين والتعبير بهما بالمستوى نفسه عن الأغراض والحاجات.
كما قسما الازدواجية اللغوية إلى صنفين الأول الازدواجية اللغوية المتلازمة وهي التي تشمل نظاما مشتركا من المعاني يمكن الوصول إليه من لغتين، والازدواجية اللغوية المركبة وهي التي تشمل نظاما بالرغم من كونه مشتركا يتميز برجحان كفة على أخرى ، وهي إشارة إلى تصنيف الازدواجية بحسب استجابة كل شخص، فصاحب الازدواجية اللغوية المتلازمة يستجيب باللغتين بالدرجة نفسها، أما صاحب الازدواجية اللغوية المركبة فلا يستجيب بالطريقة نفسهما وإنما يستعمل لغته الأصلية ويفهمها ويستجيب باللغة نفسها، لكن إذا جاءته رسالة بلغة أخرى لا يستجيب بالدرجة نفسها بل يقوم بترجمتها إلى لغته الأصلية ليفهمها ثم يقوم بعملية الترجمة لإيصال رسالته بتلك اللغة.
الازدواجية اللغوية المتلازمة تشير إلى التحكم المتوازن في نظام لغتين، بينما الازدواجية اللغوية المركبة تعبر عن التحكم في اللغة الأصلية بدرجة أكبر حيث يظهر ذلك من خلال رد فعل المتكلم، فلا يمكنه فهم ما يقال بنظام اللغة الثانية إلا بعد تفكيكه عبر نظام اللغة الأصلية ثم بعدها يعبر باللغة الثانية.
كما أن الازدواجية اللغوية هي خاصية أو صفة نطلقها على وضع المجتمع ككل، فعندما نتحدث عن ازدواجية اللغة، فإننا نتعامل مع الأشكال اللغوية الموجودة في ذلك المجتمع، وبمعنى آخر فإن ازدواجية اللغة هي أحد مصطلحات علم اللغة الاجتماعي .
تعبر الازدواجية عن تعدد المستويات اللغوية في مجتمع من المجتمعات؛ حيث يمكن أن نجد في المجتمع الواحد نظاما مشتركا بين أفراد المجتمع، ويختلف بدرجات متفاوتة بحسب تأثر نظام اللغة في منطقة من مناطق المجتمع بالمدن المتاخمة للشرق أو الغرب أو الجنوب إضافة إلى نظام يوصف بالرسمي.
الازدواجية اللغوية بهذا المفهوم تعبر عن وجود أكثر من مستويين للغة جنبا إلى جنب في مجتمع من المجتمعات، بحيث يستخدم كل مستوى من مستويات اللغة في أغراض معينة، ونلاحظ أن أحد هذه المستويات اللغوية يكون عادة أعلى مركزا، ويسمى باللغة المعيارية أو الفصحى، وتستعمل في المكتبات الرسمية والتعليم والعبادة، أما المستوى الآخر، فهو عادة يعتبر أقل رتبة، ويستعمله أفراد الأسرة في حياتهم اليومية .
ويعرف (فرجسون) مفهوم ازدواجية اللغة على أنه وضع لغوي ثابت نسبيا يكون فيه – بالإضافة إلى لهجات اللغة ( والتي تشمل لهجة معيارية أو لهجات معيارية إقليمية)- نوع من اللهجات مختلف اختلافا كبيرا عن غيره من الأنواع، ومنظم أو مصنف للغاية، وعادة ما يكون هذا النوع أكثر تعقيدا من الناحية اللغوية: النحوية والصرفية والتراكيب الصوتية، وعادة ما يكون أعلى من غيره؛ هذا النوع يكون عادة لغة لأدب مكتوب يحظى باحترام أفراد المجتمع، ويكون مصدر هذا الأدب إما عصور سابقة وإما مجتمع آخر غير المجتمع الذي توجد فيه ازدواجية اللغة؛ هذا النوع من اللغة يتم تعلمه عن طريق التعليم الرسمي ( المدارس والمعاهد)، ويستخدم للعديد من أغراض الكتابة والتحدث الرسمية، ولكن هذا النوع من اللهجة لا يستخدمه أي قطاع من قطاعات المجتمع لغرض المحادثة الرسمية .
(فرجسون) يذهب إلى أن الازدواجية ترتبط بانتشار أنظمة لغوية كثيرة جنبا إلى جنب منها ما يتصف بالثبات النسبي يجمع بين نظام لهجة معيارية تعتبر مرجعا وأنظمة لهجات معيارية توصف مستويات أنظمتها بالتمايز النحوي والصرفي والصوتي ينتشر هذا المستوى في الكتابات الأدبية التي تحظى بالشيوع في المجتمع والتقدير من طرف مكوناته، فهو بذلك نظام محكم في بنيانه راق في تأدياته عن سابقيه منقول عن مجتمعات لم تشهد الازدواجية ويمكن وسمه بالرسمي كذلك.
كما يعرف (فيشمن) ازدواجية اللغة على أنها ليست مقتصرة فقط على وجود لهجتين في المجتمع إحداهما فصيحة والأخرى عامية، ويرى أنها تشمل اللهجات والأساليب المختلفة للهجة الواحدة وحتى اللغات المختلفة، فطرفا ازدواجية اللغة في مفهوم (فيشمن) لا يهم إن كانتا لهجتين أو أسلوبين أو لغتين أو خلافهما، ولكن المهم هو أن يخدم أحد هذه الأشكال الوظائف العليا بينما يخدم الشكل الآخر الوظائف الدنيا .
توسع (فيشمن) في مفهوم ازدواجية اللغة فلم تعد عنده مقتصرة على وجود لهجتين نظام إحداهما أعلى من نظام الأخرى في نحوه وصرفه وصوته بل ذهب إلى أبعد من ذلك لجعل الازدواجية تظل تحت معانيها الأداءات المختلفة للهجة الواحدة، وكذا الأداءات المختلفة للغات المتمايزة ليؤكد على أن جوهر الازدواجية هو ارتباط مستوى من الأنظمة بتأدية الوظائف ضمن المقامات العليا بينما يرتبط مستوى منها بتأدية الوظائف ضمن حيز المقامات. الدنيا.
يشير (فاسولد) إلى مفهوم موسع لازدواجية اللغة يضم اللغات واللهجات والأساليب المختلفة ما دام هناك توزيع وظيفي لهذه الأشكال، بل يسميه الازدواجية اللغوية الموسعة، معبرا فيه عن حجز الأجزاء اللغوية العليا في المجتمع (والتي لا يتعلمها الفرد أولا ولكنه يتعلمها لاحقا وبطريقة واعية، ويتم هذا التعلم عن طريق التعليم الرسمي) لأوضاع يدركها الفرد على أنها أكثر تحفظا، وحجز الأجزاء اللغوية الدنيا ( والتي يتم تعلمها أولا وبطريقة لا واعية) مهما كانت درجة الترابط بين هذه الأجزاء الدنيا والأجزاء العليا بدءا من الاختلاف في الأسلوب ونهاية بالاختلاف التام كما في اللغات المنفصلة؛ هذه الأجزاء اللغوية الدنيا تحجز الأوضاع التي يعتبرها الأفراد أقل رسمية وأكثر ألفة .
مفهوم جديد للازدواجية جاء به (فاسولد) وهو مفهوم أكثر اتساعا حتى إنه استعمل مصطلح الازدواجية الموسعة للتعبير عن هذا المفهوم الذي يريد به تجاور اللهجات واللغات وكذا الأساليب المختلفة، فكل ما هو متاح للفرد من مستويات لغوية سواء كانت لغات أو لهجات أو أساليب يدركها الفرد بلا وعي كلها تعبر عن طرف من أطراف الازدواجية بينما يعبر الطرف الثاني عن المستويات التي يدركها الفرد بطرق واعية.
تختلف مفاهيم الازدواجية اللغوية وتتعدد، فمن تعبيرها عن تجاور اللغة الفصيحة واللهجة إلى تعبيرها عن اللهجات وتجاورها إلى تعبيرها عن تجاور اللغة العامية واللغة الرسمية إلى أن أصبحت مرتبطة بتجاور واللغات والأساليب المختلفة التي تدرك إدراكا بوعي والتي تدرك إدراكا بدون وعي.
الثنائية اللغوية ( Diglossie) المفهوم والأنواع:
إن مفهوم الثنائية يشير إلى أنها ظاهرة لغوية تعني استعمال الفرد أو المجتمع في منطقة معينة للغتين مختلفتين في آن واحد ، وهذا دليل على تقارب مفهوم الثنائية مع مفهوم الازدواجية حيث تشير الازدواجية فيما تناولناه سابقا إلى تجاور مستويين مختلفين في مجتمع معين.
كما يجمع اللسانيون على أن الثنائية اللغوية تعبر عن الوضع اللغوي لشخص ما أو لجماعة بشرية معينة تتقن لغتين، كما تعبر عن تلك الحالة التي يستخدم فيها المتكلمون بالتناوب وحسب البيئة والظروف اللغوية لغتين مختلفتين، فالفرد ثنائي اللغة بذلك هو فرد يمتلك عدة لغات تكون مكتسبة كلها كلغات أم ، وبذلك تعبر الثنائية عن تحكم الفرد أو جماعة أفراد في مستويين لغويين، واستعمالهما لكل نظام حسب الاقتضاء بالدرجة نفسها، ليفهم من الفرد الثنائي اللغة ذاك الفرد الذي يمتلك لغتين أو أكثر لكن ما يميز هذا الامتلاك هو اكتسابها كلغات أم .
أنواع الثنائية اللغوية:
الثنائية اللغوية أنواع منها: الثنائية اللغوية على صعيد الوطن وفيها تنجز الدولة أعمالها بأكثر من لغة وتكون مؤسساتها ثنائية اللغة بقدر ما تؤمن خدمتها بالذات بأكثر من لغة واحدة، وكذلك الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية وفيها تكون لغة أخرى غير اللغة القومية رسمية أو محكية ليس على صعيد الدولة، إنما فقط على امتداد منطقة جغرافية محددة، بالإضافة إلى الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية في بلدان تهدف سياستها اللغوية إلى استيعاب الأقليات العرقية في الثقافة القومية، كما هو الحال في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية، فالأقليات وإن تكن تتكلم اللغة القومية إلا أنها تستمر في أغلب الأحيان في استخدام لغتها في البيت وفي إطار تجمعاتها، والثنائية اللغوية المؤسسية، وهي ثنائية تعتمد لغة معينة كوسيلة لبعض النشاطات بحيث يكون بإمكانها أن تصبح لغة مشتركة للتجارة أو للتعليم أو للإدارة أو للممارسة الدينية، وتتخذ اللغة غالبا شكل لغة حرة كما كان الحال بالنسبة للغة اللاتينية التي احتلت هذه المرتبة في تاريخ أوروبا خلال مدة زمنية طويلة، وتشكل حاليا اللغات الانجليزية والروسية، والفرنسية التي تدرس كلغة ثانية على نحو واسع جدا في العالم لغة حرة للتعليم العلمي والتقني وللتجارة والقانون في بلدان مختلفة.
تتنوع الثنائية اللغوية منها المرتبط بالوطن ومنها المرتبط بالإقليم والمحلية، ومنها المرتبط بالأقليات العرقية ومنها الثنائية اللغوية المؤسسية وسنتناول مفهوم كل نوع على حدى وهي كالآتي:
الثنائية اللغوية على صعيد الوطن:
تعبر عن اعتماد الدولة لمستويات مختلفة في التعبير ويتجلى ذلك في اعتماد مؤسساتها للغتين مختلفتين أو أكثر في تأمين خدماتها والتواصل بينها، وبين مؤسسات أخرى، وكذا في صياغة قوانينها، وضبط نظامها والتواصل بين عمالها.
الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية :
تعبر الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية عن وجود مستوى لغوي آخر عدا المستوى الرسمي منتشر في مجال إقليمي من الدولة يخالف المستوى اللغوي المعتمد في الدولة بشكل رسمي مختلف في بنيته الصوتية والنحوية والصرفية عن المستوى الذي تعتمده الدولة.
الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية:
تعبر الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية عن الحالة التي تسعى فيها الدول إلى استيعاب الأعراق المختلفة باعتماد لغة قومية يعتمدها جميع أفراد المجتمع بينما تحافظ الأقليات العرقية على لغتها الأصلية من خلال التواصل داخل البيت أو ضمن التجمعات الخاصة بها، وبالتالي فهي تجمع بين مستوى النظام اللغوي القومي والنظام التواصلي العرقي الخاص بها.
الثنائية اللغوية المؤسسية :
تعبر الثنائية اللغوية المؤسسية عن اعتماد مستوى لغوي معين في بعض النشاطات بحيث يصبح هذا المستوى اللغوي معتمدا في التجارة والتعليم والإدارة كما هو الحال في بعض الدول التي تعتمد بعض اللغات كلغات ثانية تختص بقطاع معين كالتعليم التقني والعلمي وهكذا دواليك.
الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية:
من ضمن أنواع الثنائية اللغوية الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية، وهي ثنائية تتنوع من الناحية العملية من تدريس لغة ثانية إلى تعليم المواد المدرسية باللغة الثانية، وإلى استيعاب ثقافة اللغة الثانية وقيمها، وترتبط الثنائية المدرسية بالبرنامج التربوي الرسمي الذي يتم وضعه بموجب سياسة الدولة التربوية التي تسعى عبر هذا البرنامج، وبواسطة التعليم إلى تعميم استخدام اللغة الثانية إضافة إلى اللغة القومية .
الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية تعبر عن اعتماد اللغة الثانية وتدريسها كما تدرس اللغة الأصلية إلى جانب اعتمادها في تدريس بعض المواد المدرسية، وهو ما يقود إلى اكتشاف ثقافة اللغة الثانية والتفاعل معها من معينها، والتفاعل مع قيمها وخصوصيتها إلى جانب اللغة القومية وثقافتها وقيمها الأصيلة، كما تختص الثنائية اللغوية المدرسية بالبرنامج التربوي الذي تتم صياغته بناء على خصوصية سياسة الدولة والتخطيط التربوي المستند إليها لأن جوهره اعتماد اللغة الثانية جنبا إلى جنب مع اللغة القومية.
الثنائية اللغوية المؤقتة:
الثنائية اللغوية المؤقتة نوع من الثنائية اللغوية وهو الثنائية اللغوية المؤسسية المؤقتة وهي ثنائية تكون فيها لغة المستعمر القديم لغة رسمية، وقد اعتمدت هذه الثنائية اللغوية بالتأكيد كصيغة انتقالية نحو إقرار اللغة القومية لغة رسمية وحيدة.
الثنائية اللغوية المؤسسية المؤقتة تتقدم فيها لغة المستعمر لتحل محل اللغة الأصلية فتصبح رسمية بينما يبقى نظام اللغة الأصلية على الألسن.
التداخل اللغوي أثر من آثار الازدواجية اللغوية
مفهوم التداخل اللغوي:
وهو مصطلح يشير إلى تأثير اللغة الأم على اللغة التي يتعلمها المرء، أو إبدال عنصر من عناصر اللغة الأم بعنصر من عناصر اللغة الثانية، والعنصر يعني صوتا أو كلمة أو تركيبا. أو بعبارة أخرى، يبدو التداخل اللغوي في تسلط نظام اللغة الأم على نظام اللغة التي يتعلمها الفرد، حيث يتجلى ذلك من خلال استبدال عنصر لغوي من اللغة المتعلمة بعنصر آخر من عناصر نظام اللغة الأم.
أصناف التداخل اللغوي:
التداخل السلبي:
يحدث هذا التداخل عندما يحاول المتعلم أن يتكلم اللغة الثانية، فيستبدل بصورة لا شعورية عناصر من لغته الأم المتأصلة في نفسه بعناصر من اللغة الثانية، فيتسبب هذا النوع في كثير من الصعوبات التي يواجهها الطالب .
التداخل الإيجابي:
يحدث هذا التداخل عندما يحاول الطالب فهم ما يسمع من اللغة الثانية، وكلما ازداد التشابه بين لغة الطالب الأم واللغة الثانية التي يتعلمها أصبح فهم اللغة الثانية أيسر، وهذا ما نلاحظه لدى الناطقين باللغات اللاتينية حيث يستطيع الطلاب الأسبان فهم ما يسمعونه من اللغة الإيطالية أو الفرنسية التي يتعلمونها، ولكن عندما يريد الطالب أن يستخدم كلمة فرنسية مشابهة لكلمة في لغته الأم، فإنه قد يقع في الخطأ، فهناك فرق كبير بين تعلم كلمة وبين كيفية استعمالها في الكلام، وعندما يتعلم الفرد لغة ثانية، فإنه يميل إلى إخضاعها إلى أنماط لغته الأم .
فالتداخل الإيجابي تداخل يحدث لحظة وجود تشابه بين نظام اللغة الأم ونظام اللغة الثانية لكن الفرق يبقى قائما بين استعمال كلمة من اللغة الثانية مكان كلمة من اللغة الأم لأن تعلم العناصر اللغوية ليس كتعلم استعمال هذه العناصر.
مستويات التداخل اللغوي:
تتعدد مستويات التداخل اللغوي؛ فمنها المستوى الصوتي والنحوي والمفرداتي والدلالي والكتابي:
المستوى الصوتي :
وهو التداخل الذي يؤدي إلى ظهور لهجة أجنبية في كلام المتعلم تبدو واضحة في اختلاف النبر والقافية والتنغيم وأصوات الكلام .
يبدو المستوى الصوتي للتداخل في بروز الخصائص الصوتية للغة ثانية في النظام التواصلي للمتكلم، فنجد التمايز في النبر والتنغيم وفي تأدية الأصوات.
المستوى النحوي :
يؤدي تأثير نحو اللغة الأم على نحو اللغة الثانية إلى وقوع المتعلم في أخطاء تتعلق بنظم الكلام(أي ترتيب أجزاء الجملة) وفي استخدام الضمائر، وفي استعمال عناصر التخصيص( مثل أل التعريف) وأزمنة الأفعال وحكم الكلام ( مثل الإثبات، والنفي، والاستفهام، والتعجب ).
يتجلى المستوى النحوي للتداخل في تسلط الخصائص النحوية لنظام اللغة الأم على النظام النحوي للغة الثانية وفيه يبدو عدم التحكم في استعمال الضمائر، وعدم التمييز بين المذكر والمؤنث، والارتباك في توظيف أزمنة الأفعال وهكذا دواليك.
المستوى المفرداتي:
حيث يؤدي التداخل اللغوي في هذا المستوى إلى اقتراض كلمات من اللغة الأم ودمجها في اللغة الثانية عند الكلام بها، وإذا كانت الكلمة مستخدمة في اللغتين ولكن بمعنيين مختلفين، فقد يستخدمها المتعلم بمعناها في لغته الأم وهو يتحدث باللغة الثانية .
التداخل اللغوي في مستواه المفرداتي يحصل لحظة استعارة المتكلم لمفردة من نظام لغته الأم ليوظفها في نظام اللغة الثانية لكن لا يوظف المعنى الذي تقتضيه اللغة الثانية، وإنما يوظف المعنى الذي استقاه من اللغة الأم.
المستوى الدلالي:
وذلك عندما تضم اللغتان الأولى والثانية كلمة واحدة، ولكنها تستعمل بمعنيين مختلفين، فإن متعلم اللغة الثانية قد يميل إلى فهم تلك الكلمة بمعناها في لغته الأولى، والأمثلة كثيرة في هذا الباب، فكلمة ( Location) بالفرنسية تعني تأجير وفي الإنجليزية (موقع)، والبون الدلالي شاسع بينهما، ويسمي الفرنسيون هذا النوع من الكلمات المتشابهة شكلا المتباينة مضمونا بالأخوات المزيفات .
التداخل في مستواه الدلالي يشير إلى اعتماد المتعلم للغة الثانية على مفردة من المفردات المشتركة بين لغته الأم واللغة الثانية لكن بمعنيين مختلفين، فيميل إلى إسقاط المفهوم المستقى من نظام لغته على المفهوم الذي يقتضيه نظام اللغة الثانية.
المستوى الكتابي:
هذا المستوى يحدث عندما يقع المتعلم في أخطاء في الكتابة بسبب التداخل في حالتين: الأولى عندما يلفظ الحرف بصورة مختلفة في لغته أو لهجته الأم، فيميل إلى كتابته طبقا للفظه، كما يكتب التلميذ المغربي مثلا ثلاثة بالتاء تلاتة، والثانية؛ عندما تشترك اللغتان الأولى والثانية في استخدام نظام كتابي واحد، كما هو الحال في الأوردية والعربية، إذ يميل الطالب الباكستاني الذي يتعلم العربية إلى كتابة الكلمات العربية كما يكتبها بالأوردية، وقد يرتكب الخطأ بسبب ذلك إذا كانت كتابة تلك الكلمات مختلفة بالعربية عنها بالأوردية .
التداخل في مستواه الكتابي تداخل يحصل لحظة تشابه نظام الكتابة في اللغة الثانية واللغة الأم حيث يميل المتعلم إلى كتابة نظام اللغة الثانية وفق ما يتلفظ به من أصوات في نظام لغته الأم.
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي في الجزائر تمثل تحديا كبيرا لأن الخريطة التعبيرية توضح بأن درجة استعمال اللغات في الجزائر ليس متماثلا، فالدارجات الجزائرية تهيمن على السوق الشفوية، وتحقق تواصلا بين المجموعات اللغوية المختلفة، فالعربية الفصيحة واللغة الفرنسية لا تستعملهما إلا أقلية من المثقفين، والأمازيغية أمازيغيات وهي شتات لها مناطقها النافذة، وتأدياتها المختلفة التي تتفاهم مع بعضها البعض .
الواقع اللغوي الجزائري واقع ثري ثراء اللهجات والدوارج، فالعربية الفصيحة لغة ينحصر استعمالها في مقامات معينة معظمها رسمي بينما الفرنسية تنازعها ذلك الدور في مقامات أخرى، والأمر نفسه بالنسبة للأمازيغية، فهي منتشرة في الواقع اللغوي الجزائري بتأديات مختلفة تارة ومتقاربة أخرى إضافة إلى الدوارج العربية وتأدياتها من شرق الجزائر إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
لا تقف الازدواجية اللغوية في الجزائر بين اللغة القومية واللغة الأجنبية، بل تتعداها إلى اللغة الأمازيغية باعتبارها تختلف اختلافا كبيرا عن اللغة الأم من حيث أصواتها وتراكيبها ونحوها؛ فمنطقة الأهقار وآزجر تتميز بخصوصيتها اللغوية، فالطفل التارقي ينشأ في بيئة لغوية مختلطة بدءا من اللغة العامية انتقالا إلى العربية الفصيحة التي تعتبر بالنسبة إليه اللغة الثانية بعد اكتسابه لغة الأم، والأمر نفسه بالنسبة إلى منطقة القبائل حيث تسود القبائلية مختلطة مع الفرنسية في تزاحم مع العربية الفصيحة.
يمكن تلخيص الوضع اللغوي الجزائري في ثلاث صور تتجلى فيها اللهجات واللغات والدوارج في الواقع اللغوي الجزائري وهي :
الأولى: اللغات ذات الانتشار الواسع: العاميات أو الدارجات العربية، وهي متنوعة، ولكنها تحتكم إلى قواسم مشتركة .
الثانية : اللغات المحلية الأمازيغية بمختلف تأدياتها ولهجاتها.
الثالثة: اللغات الكلاسيكية العربية الفصيحة واللغة الفرنسية .
هذه الأنماط الواصفة للوضع اللغوي الجزائري تجعل الطفل الجزائري مزودا بنسق لغوي خليط من عربية دارجة أو أمازيغية، فإذا انتقل إلى الحضانة، فإنه يواجه بلغة فرنسية مخلوطة بعامية أو أمازيغية، ثم ينتقل إلى المدرسة ليجد لغة جديدة، وهي العربية الفصحى، وقد يوظف المعلم العامية في تلقين دروسه، وتراه يواجه الازدواجية(Diglossie) أو الثلاثية مما قد يشكل له عقدة في نموه اللغوي والمعرفي والفكري، وربما يخلق له اضطرابات نفسية، ومن هنا يرى بعض المربين بأنه يجب تلافي إدخال نماذج لغوية متباينة في هذه السن أي تلافي تدريس لغات أخرى ليست من ذات المكتوب في المرحلة الأولى .
الوضع اللغوي في الجزائر وضع يتسم بالتنوع وهو تنوع يلقي بظلاله على اكتساب الطفل الجزائري للغة فتتنازع نظامه اللغوي العربية الدارجة والأمازيغية والفرنسية واللغة العربية الفصحى مما يؤثر سلبا على النمو اللغوي للمتعلم ما لم ينظر للأمر بجدية تحد من استشراء هذا التشتت والتفكك في اكتساب نظام لغوي متوازن.
هناك خطاطة سوسيولسانية افتراضية للوجه الاجتماعي للغات بالجزائر، حيث نلاحظ أن استعمال الفرنسية يمس أكثر المقامات، وتأتي الدارجات في المرتبة الثانية والعربية الفصحى في المرتبة الثالثة، وأما المحليات، فلكل واحدة منها أوضاعها، فنجد القبائلية لها وضع متميز عن الأخريات رغم أن مجالها محدود، وبعض المحليات تقريبا لا يذكر استعمالها مثل الشلحية التي توظف في بعض الأماكن القريبة من وجدة ولها شساعة كبيرة في المملكة المغربية، ومن خلال هذا نجد وضعيتنا توسم بازدواجية لغوية حيث الأمازيغية تستعمل في مقام لا تستعمل فيه العربية الفصحى، وكذا الفرنسية .
الواقع اللغوي الجزائري تتسلط على مقاماته الكبرى اللغة الفرنسية حسب ما توصل إليه الدكتور صالح بلعيد بل وتغلب على مقاماتها الأخرى الدراجات بينما تحظى اللغة العربية الفصحى بالمقامات المتبقية، فلكل مستوى لغوي مقاماته التي يستعمل فيها بدرجات مختلفة.
وأثبت الأكاديميون بعد دراسات معمقة أن الدارجات رغم كثرة استعمالها إلا أن توجيهها لا تأثير له في الوضع اللغوي كما هو الحال في اللغة الفرنسية، وهي اللغة الأجنبية، ولكن بحكم عوامل سوسيوثقافية والتعميم الفائق لها على حساب اللغة الرسمية والألسن الوطنية، أضحت الفرنسية بذلك مستعملة، ولها أثر في المجتمع وتتسع بشكل دائم وخاصة في السنوات الأخيرة مما جعل العربية وهي لغة الهوية والانتماء والتواصل على مستوى الفرد والجماعة تذبح قربانا أمامها وأمام الانفتاح والعولمة، وكذا حصل للأمازيغية فذبحت قربانا على هيكل القومية العربية، وهي اللغة الأصل للجزائر قاطبة، فأصبحت لغة جهوية .
يثبت الأكاديميون أن نظام اللغة الفرنسية يزحف على حساب نظام اللغة العربية والدوارج التي تمثل عمق المجتمع وذلك يعود إلى ظروف تاريخية ولدت هذا الواقع حتى إن نظام اللغة الأجنبية ألقى بظلاله على الأمازيغيات التي تمثل أصالة المجتمع الجزائري.
يجد " الطفل الجزائري نفسه نتيجة لهذه السياسة مقذوفا في متاهات البحث عن هوية أخرى" ، وذلك في ظل تنازع أنظمة اللغة العربية والعاميات المختلفة وكذا العربية الفصحى ونظام اللغة الثانية وهو ما يلقي بظلاله على استيعاب نظام لغوي معين دون صعوبات محتملة وتحديات متوقعة.
هذا الوضع اللغوي يفرض على القائمين على شؤون التربية والتعليم التفكير في تخطيط لغوي يعيد الاعتبار لتعددية لسانية تراكمية متوازنة ومتنوعة ومعززة في المدرسة، وتنوع لغوي عربي/أمازيغي يحظى بالدعم على مستوى رسمي، ذلك التخطيط اللغوي الذي يسلم بأن الطفل الجزائري في أية منطقة كانت، هو إما أحادي اللغة وثنائي التأدية: عربية دارجة + عربية فصحى، أو ثنائي اللغة: عربية دارجة، عربية فصحى + فرنسية أو ثنائي اللغة : أمازيغية + عربية دارجة(عربية فصحى) أو ثلاثي اللغة أمازيغية + عربية دارجة (عربية فصحى)+ فرنسية، بل يقود هذا الواقع القائمين على شؤون التربية والتعليم إلى الوقوف على حقيقة الأمازيغية، وهي حقيقة تؤكد بأنهم متعددي اللغات بمن فيهم الأميون، لأن التعدد يعود للكلام دون المؤهلات اللغوية والخصائص الفكرية، والازدواجية ثابتة مع الطفل قبل سن التمدرس بحكم السوق اللغوية التي يمكن أن نسميها بالسوق اللغوية الليبرالية .
الواقع اللغوي الجزائري المختلط يحتم ضرورة إعادة تنظيم الواقع اللغوي الجزائري ولن يكون ذلك إلا باعتماد تخطيط لغوي ينظر إلى التعدد اللغوي واللهجي في الجزائر نظرة تنوع وثراء تنصف اللهجات والأمازيغيات واللغة العربية الفصحى وتضع اللغة الفرنسية في مقامها كلغة أجنبية ينبغي تعلمها لكن ليس على حساب الثراء اللغوي الجزائري الذي يعتبر حمال الثقافة الجزائرية وصمام أمان أصالتها.
فعالية التخطيط اللغوي في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري:
أ.مفهوم التخطيط اللغوي:
هو مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ من أجل تنفيذ هدف معين، وهذا يعني أن مفهوم الخطة يحدده عنصران: أولهما هدف أو غاية نريد الوصول إليها، وثانيهما وضع تدابير محددة ووسائل مرسومة من أجل بلوغ هذا الهدف، فالتخطيط محاولة علمية تجريبية للارتفاع بالواقع الذي يعيش فيه الفرد لتحقيق أهداف معينة في فترة زمنية محددة .
يشير مفهوم التخطيط إلى جملة من الخطوات المدروسة التي يقوم بها المخصصون بغية تحقيق أهداف مرسومة وهي نتاج خبرة وتجربة علمية عميقة تقود في نهايتها إلى غاية أسمى وهي تحقيق ما تم تخطيط الوصول إليه بصورة محكمة وفعالة.
التخطيط اللغوي يدرس علاقة اللغة بالمجتمع، ومدى تأثر كل منهما بالآخر، ويأتي في العادة لعلاج مقام اللغة الأم، وهيمنة اللغة الأجنبية، والازدواجية اللغوية، والتعدد اللغوي، ولوضع سياسة لغوية تقوم على مسطرة تراتب اللغات في الواقع، سواء بالقوة أو بالفعل، حيث يهتم بإنزال اللغات محالها المناسبة بناء على النصوص القانونية، وللتخطيط اللغوي صور تطبيقات تتمثل في التنقية اللغوية، وترقية اللغة، ووضع المصطلحات، ونشر اللغة في الداخل والخارج، وبذا يكون التخطيط اللغوي تدبير للتحول اللغوي الذي يحتاج إلى تشخيص المشكل، وتحديد المتطلبات، بل هو القرار الذي يتخذه مجتمع ما لتحقيق أهداف وأغراض تتعلق باللغة التي يستخدمها، ويحقق ذلك القرار كل ما يتعلق بعملية اللغة ودعمها وتعميمها .
يهتم التخطيط اللغوي بقضايا لغوية متعددة منها التحديات التي تعيشها اللغة الأم جراء هيمن اللغة الثانية، والتعدد اللغوي وتأثيراته على اكتساب نظام لغوي معين، والازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية، وإبداء آراء تسهم في ترقية نظام اللغة، وتحد من الشوائب والترسبات التي طالت نظام اللغة نتيجة التلوث والتهجين اللغوي، فيهتم بحصر الصعوبات وتشخيص المشكلات واقتراح البدائل لتجاوزها.
التخطيط اللغوي المحكم ثمرته جعل اللغة القومية لغة للتدريس وهو ما تترجمه التجارب العالمية، فلا صعوبة كتابة اللغة اليابانية أو الصينية أو الفيتنامية ، ولا صغر حجم بعض الدول الأوروبية ولا فقر بعض دول آسيا ولا شح التراثيات في اللغة التركية، ولا موت اللغة العبرية على مدى عشرين قرنا حال دون أن تكون اللغة القومية هي لغة تدريس العلوم .
جوهر عناية التخطيط اللغوي هو إنصاف اللغة القومية والحد من تحديات اللغات الأجنبية والدوارج لنظامها وهو ما تجسده تجارب الدول في تعزيز أنظمة لغاتها وإحيائها وجعلها لغة العلم والتواصل لغة الإبداع ولغة التدريس والدليل على ذلك لغة الصين واليابان وأكبر دليل اللغة العبرية التي تم إحياؤها بعد موت لتصبح لغة العلم والإبداع والتواصل.
ب.مجالات تخطيط السياسة اللغوية:
مجالات تخطيط السياسة اللغوية، يمكن تحديدها في محددات ست، وهي:
أولا: تعميم استعمال اللغة القومية في أرجاء الوطن، وفي مختلف مجالات التواصل؛ لتكون أساسا لوحدة الأمة الفكرية والسياسية.
ثانيا: نشر اللغة القومية في العالم لتشكل رافدا تسهم بواسطته الثقافة القومية في مجرى الحضارة العالمية.
ثالثا: تعليم اللغات الأجنبية في مدارس الأمة، ومعاهدها لتزودها بأدوات تعارف واتصال وتعاون مع الأمم الأخرى.
رابعا: تنظيم الترجمة من اللغة القومية وإليها، لتمتين التبادل المعرفي بين الشعوب.
خامسا: تحديد العلاقة بين اللغة القومية وغيرها من اللغات الوطنية والمحلية لضمان وحدة الأمة الفكرية والسياسية، وتحقيق المحافظة على تراثها الشعبي وتنميته.
سادسا: توحيد المصطلحات التقنية سواء المصطلحات العلمية والتكنولوجية منها أو الحضارية والاجتماعية.
مجالات تخطيط السياسة اللغوية تبدأ بتعميم اللغة القومية على جميع الوطن بأنحائه المختلفة، ثم الإسهام في انتشار اللغة القومية في العالم لتسهم في صناعة الحضارة والتأريخ للثقافة القومية ضمن الثقافات العالمية إضافة إلى تعليم اللغات الأجنبية لتعزيز التفاعل بين الأمم والتفاعل بين الثقافات، وتفعيل الترجمة من وإلى اللغة القومية لترسيخ التبادل المعرفي بين الشعوب، والأهم من ذلك إبراز نقاط التماس بين اللغة القومية واللغات الوطنية والمحليات والدوارج والأمازيغيات بشكل يصون الأمن الفكري والسياسي للمجتمع، ويضمن للتراث الشعبي والموروث الثقافي التنمية والتفاعل مع سائر الموروثات الثقافية ليصبح رافدا من روافد الثقافة العالمية.
التخطيط اللغوي في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري:
ليكون التخطيط اللغوي فعالا في مواجهة ازدواجية اللغة ينبغي أن يرتكز على خطة تربوية، حيث تنزل اللغة العربية منزلتها من مقام اللغات الأخرى ومقام اللغات الأجنبية، وهذا يستدعي من التربويين والباحثين تقديم دراسات تربوية حول مقام العربية كلغة رسمية ومقام اللغات الأجنبية، وحق كل لغة في الاستعمال وفي المحيط وفي الإعلام، وهذا ما يسمى بالتخطيط التربوي حيث تنزل كل لغة المنزلة الموضوعة لها .
التخطيط اللغوي الفعال هو التخطيط الذي ينزل اللغات منازلها فلا اللغة الأم تزحف على اللغة الثانية ولا اللغة الثانية تتسلط على نظام اللغة الأم بل اللغة الثانية لها مقام ينبغي أن تحظى به كما أن اللغة الرسمية ينبغي لها أن تحتل المقام الذي تستحقه،كما أن الدوارج والأمازيغيات لها مقامها المعزز لهوية المجتمع المقوي لوحدته.
التخطيط اللغوي إذا عضده تشريع لغوي سيضمن فعاليته وبخاصة إذا اتسم التشريع اللغوي بالسمات الآتية:
أولا: الالتزام باللغة العربية في التدريس وتعريب التعليم في الجامعات.
ثانيا: جعل النجاح في امتحان اللغة العربية شرط للتعيين في مؤسسات الدولة والقبول للدراسات العليا بامتحان الكفاءة الأجنبية.
ثالثا: سلامة ما يكتب وينشر في المطبوعات ووسائل الإعلام.
رابعا: أن تحرر بالعربية الوثائق والمذكرات والمكاتبات، وغيرها من المحررات التي تقدم إلى الدوائر الرسمية وغير الرسمية.
خامسا: استعمالها في كتابة اللافتات والإعلانات وأسماء الشركات والمحال التجارية والمكاتب، وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والمواصفات.
سادسا: استعمال المصطلحات العلمية والألفاظ الحضارية العربية في ما يؤلف، ويكتب من بحوث ومقالات، وينشر في الصحف والمجلات.
التخطيط اللغوي الفعال تخطيط يلتزم بتعزيز اللغة العربية في التدريس وتفعيل التعريب، كما أن الاعتماد على علامات اللغة العربية في التعيين والنجاح في الدراسات العليا من شأنه أن يعزز دور اللغة العربية ويرسخ مكانتها في المجتمع، والتأكيد على السلامة اللغوية في المنشورات والمطبوعات إجراءات من شأنها تعزيز نظام اللغة العربية وصيانة أنظمة اللغات المجاورة والدوارج والأمازيغيات، كما أن التأكيد على ضرورة تحرير البحوث والمذكرات بالعربية وكذا المقررات الرسمية سيؤدي إلى تعزيز نظام العربية، وكذا حث الشركات وأصحاب المحال على اعتماد نظام العربية في اللافتات والإعلانات وأسماء المحال إضافة إلى اعتماد المصطلحات العلمية والتقنية الحضارية بنظام اللغة العربية سيحد من الازدواجية اللغوية .
كما يمكن تحقيق تخطيط لغوي فعال وفق معالم تقوم على :
1- دراسة الواقع اللغوي دراسة موضوعية.
2- التخطيط للأجيال القادمة، وعلى المدى الطويل، ولهذا يمكن تصور ملامح رجل الغد؛ ما هي هوية هذا الرجل، وما هو انتماؤه.
3- مراعاة التغيرات المتسارعة ورياح العولمة.
4- التركيز على اللغة الأم على أنها مواطنة وهوية لسانية.
5- الانفتاح على العالم بتنوع لغاته.
6- ترجمة التخطيط إلى برامج ومشروعات.
التخطيط الفعال ينبغي أن يمر عبر دراسة دقيقة للواقع اللغوي الجزائري دراسة تراعي خصوصية الواقع اللغوي وتصفه وصفا موضوعيا، وكذا مراعاة التغيرات المتسارعة للمجتمع وتأثيراتها على الواقع اللغوي الجزائري، وذلك في ظل الانفتاح على لغات العالم وتعلمها كلغات أجنبية، إضافة إلى التأكيد على دور اللغة الأم في صيانة هوية المجتمع، والأعمق من كل ذلك تجسيد التخطيط في برامج بأهداف قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى تتسم بالواقعية وتراعي خصوصية المجتمع.
ج.سبل تجاوز الازدواجية والثنائية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري
• ضرورة العمل على ترتيب الأولويات والبحث عما يجمع بأخذ ما هو مشترك بعين الاعتبار وبتجاوز العقد .
• إن تجاوز الازدواجية والثنائية قد يحد من ترسباته مراعاة عملية إصلاح اللسان باعتماد أبعاد الهوية الجزائرية الثلاثة الأمازيغية والبعد الإسلامي والبعد العربي.
• يجب التسليم بأن الوجود الثقافي العلمي نثبته بعربيتنا ووجودنا الفني والفكري والتخصصي نمارسه بلغتنا القومية
• ضرورة الاحتكام إلى فعل الأجداد في قبول العربية طوعا فلا يمكن أن نسائل الأجداد عن فعلهم النبيل في اختيار العربية وعملهم على نشرها وتجديدهم في قواعدها.
• إن العربية أخت المازيغية فلا صراع بينهما؛ فقد عاشت العربية إلى جنب الأمازيغية لقرون ولم يحصل ذلك الصراع ، بل كان ما بينهما تكاملا وتبادلا في الأدوار والوظائف فبينهما قرابة جغرافية وقرابة نطقية وقرابة اجتماعية وقرابة في عدد الحروف، وقلة الحركات في اللغتين، والمتن اللغوي بين اللغتين ثلاثي، واستعمال الهمزات في الأفعال، وقرابة في أزمنة الأفعال أمر ومضارع وماض، وقرابة النفي بينهما، وقرابة في الوحدات اللغوية الإفرادية وعلى مستوى الأساليب، وقرابة في النسب الحامي.
• يجب التسليم باستحالة نقل الأمة بأجمعها إلى العلم، وبإمكانية نقل العلم كله إلى الأمة إذا أتيح لها باللغة القومية.
• إن استعمال اللغة العربية ليس معناه شل اللغات الأجنبية بل الضرورة المعاصرة تتطلب امتلاك لغات معاصرة، فهي مطلب حضاري لكل مثقف، فتقديم اللغات الأجنبية على العربية تجعل المتعلم يتصور قصور لغته القومية، فيرى بأن مستقبله مرهون بالتحكم في اللغات الأخرى وإهمال لغته.
• نشر الوعي بأهمية اللغة الأم في الوحدة والتنمية الاقتصادية والتخلص من التبعية للمستعمر.
• العمل على تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها والإفادة منها لخدمة لغتنا لا لخدمتها هي.
خاتمة:
إن سن قوانين وتشريعات تدعو إلى ترقية استعمال اللغة العربية، ووضع خطط محلية وقومية واستراتيجية عربية لترقيتها كفيل بمواجهة الازدواجية اللغوية وتحدي الثنائية، كما أن التخطيط أصبح ضرورة لأن المعطيات المعاصرة أصبحت تفرضه، كما تفرضه هيمنة لغات العولمة حفاظا على اللغات الوطنية، كما أن الازدواجية اللغوية يمكن توجيهها إذا واجهناها بتخطيط تربوي محكم يراعي التعايش اللغوي ويعزز اللغة القومية ويستفيد من اللغات الأجنبية،كما أن تفعيل الحلول التي تصل إليها الملتقيات والأيام الدراسية على أرض الواقع كفيل بإحكام السيطرة على الآثار السلبية للازدواجية والثنائية اللغوية، وربط الأبحاث الجامعية بالمشكلات اللغوية وتحديات الازدواجية والثنائية اللغوية ومضاعفاتهما على التحصيل العلمي والرقي المعرفي والثقافي جزء كبير من استراتيجية مواجهة الازدواجية والثنائية اللغوية.
هوامش:
د. أحمد بناني
مخبر دراسة الموروث العلمي والثقافي بمنطقة تمنراست
المركز الجامعي لتامنغست / الجزائر
[في هذا المقال أحاول الحديث عن الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية ورصد مفاهيمها ونقاط التداخل بين المفاهيم محاولا الوقوف على أصناف وأنواع الازدواجية اللغوية والثنائية، كما سأقف على التداخل اللغوي بوصفه نتيجة للازدواجية اللغوية مركزا على آثار التداخل اللغوي على الخارطة اللغوية الجزائرية معرجا بعدها على أصناف التداخل ومستوياته المختلفة إضافة إلى وقوفي على الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، كما سأتناول فعالية التخطيط في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، وسبل تجاوز تحدي الازدواجية والثنائية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري، كما سأحاول الإجابة على تساؤلات ألخصها في: ما الازدواجية اللغوية والحلول المفترضة ؟ وما الثنائية اللغوية؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى استشراء هذه الظاهرة اللغوية؟ وما أبعادها اللغوية والثقافية وما آثارها على المجتمع؟ وماذا يمكن أن يقدمه التخطيط اللغوي في ظل هذا التحدي؟]
الكلمات المفتاحية: الازدواجية، الثنائية، التخطيط اللغوي، الواقع اللغوي
مقدمة:
إن اللغة من أهم عوامل توحيد الأمم والشعوب، وهي اليوم تواجه تحديات كبيرة في ظل الراهن الذي بث الوهن على ألسنة ناطقيها، والواقع خير شاهد على ضعف استشرى على ألسنة طلابنا في المدارس والثانويات والجامعات، يترجمه الضعف في القراءة والكتابة وسوء التعبير، مما أثر على التحصيل الدراسي والتواصل اللغوي، ومن أهم ما يمكن أن تعلق عليه وصمة هذا الضعف هو الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية؛ فقد ساد التهجين اللغوي والتداخل في مستويات اللغات، وأصبحت اللغة فسيفساء على ألسنة المتكلمين في الجزائر التي تشهد تنوعا لغويا أضفى طابع الثراء على البعد الثقافي، بيد أنه في غياب التخطيط اللغوي أضحى التهجين يلقي بظلاله على لغة التواصل والاكتساب والتعلم، فأصبحت اللهجات تتنافس فيما بينها، بل منها ما أضحى يزاحم الفصحى نفسها.
وما زاد الطين بلة هو منافسة اللغات الأجنبية للغة العربية في عرينها، فتعدد التنافس بين اللغة المتداولة وهي العامية التي يتم استيعابها منذ الولادة وهي لغة الأم ولغة المنشأ وبين الفصحى لغة التعلم. هذا فضلا عن أن تكوين جيل بأكمله باللغة الأجنبية خلق فئة تؤثر اللغة الأجنبية على العربية، مما وسع الهوة بين فئة مثقفة باللغة الأجنبية وفئة أخرى تلقت تكوينها بالعربية، وهو ما ألقى بظلاله على مستوى التواصل ومستوى الاكتساب والتعلم.
ونود في هذا المقال أن نجيب عن جملة من الأسئلة أهمها: ما الازدواجية اللغوية ؟ وما الثنائية اللغوية؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى استشراء هذه الظاهرة اللغوية؟ وما أبعادها اللغوية والثقافية وما آثارها على المجتمع؟ وماذا يمكن أن يقدمه التخطيط اللغوي في ظل هذا التحدي؟ وما هي الحلول المفترضة للحد من استشراء هذه الظواهر اللغوية للرقي بإيجابياتها وقطع الطريق أمام توسع سلبياتها؟
الازدواجية اللغوية (Bilinguisme) المفهوم والأصناف:
يتجلى مفهوم الازدواجية اللغوية كما قدمه المؤلفان (ميقال سيجوان ووليم ف-مكاي) (MIGUEL SIGUAN ,WILLIAM F-MACKEY) في تعريفهما للشخص مزدوج اللغة، في أنه الشخص الذي يتقن لغة ثانية بدرجة متكافئة مع لغته الأصلية، ويستطيع أن يستعمل كلا من اللغتين بالتأثير والمستوى نفسه في كل الظروف .
هذا المفهوم يشير إلى تلازم الازدواجية اللغوية وإتقان مستويات لغتين مختلفتين بالدرجة نفسها، وفي شتى المواقف، وهو ما يجعل الازدواجية تعبر عن تحكم في بنية لغتين والتعبير بهما بالمستوى نفسه عن الأغراض والحاجات.
كما قسما الازدواجية اللغوية إلى صنفين الأول الازدواجية اللغوية المتلازمة وهي التي تشمل نظاما مشتركا من المعاني يمكن الوصول إليه من لغتين، والازدواجية اللغوية المركبة وهي التي تشمل نظاما بالرغم من كونه مشتركا يتميز برجحان كفة على أخرى ، وهي إشارة إلى تصنيف الازدواجية بحسب استجابة كل شخص، فصاحب الازدواجية اللغوية المتلازمة يستجيب باللغتين بالدرجة نفسها، أما صاحب الازدواجية اللغوية المركبة فلا يستجيب بالطريقة نفسهما وإنما يستعمل لغته الأصلية ويفهمها ويستجيب باللغة نفسها، لكن إذا جاءته رسالة بلغة أخرى لا يستجيب بالدرجة نفسها بل يقوم بترجمتها إلى لغته الأصلية ليفهمها ثم يقوم بعملية الترجمة لإيصال رسالته بتلك اللغة.
الازدواجية اللغوية المتلازمة تشير إلى التحكم المتوازن في نظام لغتين، بينما الازدواجية اللغوية المركبة تعبر عن التحكم في اللغة الأصلية بدرجة أكبر حيث يظهر ذلك من خلال رد فعل المتكلم، فلا يمكنه فهم ما يقال بنظام اللغة الثانية إلا بعد تفكيكه عبر نظام اللغة الأصلية ثم بعدها يعبر باللغة الثانية.
كما أن الازدواجية اللغوية هي خاصية أو صفة نطلقها على وضع المجتمع ككل، فعندما نتحدث عن ازدواجية اللغة، فإننا نتعامل مع الأشكال اللغوية الموجودة في ذلك المجتمع، وبمعنى آخر فإن ازدواجية اللغة هي أحد مصطلحات علم اللغة الاجتماعي .
تعبر الازدواجية عن تعدد المستويات اللغوية في مجتمع من المجتمعات؛ حيث يمكن أن نجد في المجتمع الواحد نظاما مشتركا بين أفراد المجتمع، ويختلف بدرجات متفاوتة بحسب تأثر نظام اللغة في منطقة من مناطق المجتمع بالمدن المتاخمة للشرق أو الغرب أو الجنوب إضافة إلى نظام يوصف بالرسمي.
الازدواجية اللغوية بهذا المفهوم تعبر عن وجود أكثر من مستويين للغة جنبا إلى جنب في مجتمع من المجتمعات، بحيث يستخدم كل مستوى من مستويات اللغة في أغراض معينة، ونلاحظ أن أحد هذه المستويات اللغوية يكون عادة أعلى مركزا، ويسمى باللغة المعيارية أو الفصحى، وتستعمل في المكتبات الرسمية والتعليم والعبادة، أما المستوى الآخر، فهو عادة يعتبر أقل رتبة، ويستعمله أفراد الأسرة في حياتهم اليومية .
ويعرف (فرجسون) مفهوم ازدواجية اللغة على أنه وضع لغوي ثابت نسبيا يكون فيه – بالإضافة إلى لهجات اللغة ( والتي تشمل لهجة معيارية أو لهجات معيارية إقليمية)- نوع من اللهجات مختلف اختلافا كبيرا عن غيره من الأنواع، ومنظم أو مصنف للغاية، وعادة ما يكون هذا النوع أكثر تعقيدا من الناحية اللغوية: النحوية والصرفية والتراكيب الصوتية، وعادة ما يكون أعلى من غيره؛ هذا النوع يكون عادة لغة لأدب مكتوب يحظى باحترام أفراد المجتمع، ويكون مصدر هذا الأدب إما عصور سابقة وإما مجتمع آخر غير المجتمع الذي توجد فيه ازدواجية اللغة؛ هذا النوع من اللغة يتم تعلمه عن طريق التعليم الرسمي ( المدارس والمعاهد)، ويستخدم للعديد من أغراض الكتابة والتحدث الرسمية، ولكن هذا النوع من اللهجة لا يستخدمه أي قطاع من قطاعات المجتمع لغرض المحادثة الرسمية .
(فرجسون) يذهب إلى أن الازدواجية ترتبط بانتشار أنظمة لغوية كثيرة جنبا إلى جنب منها ما يتصف بالثبات النسبي يجمع بين نظام لهجة معيارية تعتبر مرجعا وأنظمة لهجات معيارية توصف مستويات أنظمتها بالتمايز النحوي والصرفي والصوتي ينتشر هذا المستوى في الكتابات الأدبية التي تحظى بالشيوع في المجتمع والتقدير من طرف مكوناته، فهو بذلك نظام محكم في بنيانه راق في تأدياته عن سابقيه منقول عن مجتمعات لم تشهد الازدواجية ويمكن وسمه بالرسمي كذلك.
كما يعرف (فيشمن) ازدواجية اللغة على أنها ليست مقتصرة فقط على وجود لهجتين في المجتمع إحداهما فصيحة والأخرى عامية، ويرى أنها تشمل اللهجات والأساليب المختلفة للهجة الواحدة وحتى اللغات المختلفة، فطرفا ازدواجية اللغة في مفهوم (فيشمن) لا يهم إن كانتا لهجتين أو أسلوبين أو لغتين أو خلافهما، ولكن المهم هو أن يخدم أحد هذه الأشكال الوظائف العليا بينما يخدم الشكل الآخر الوظائف الدنيا .
توسع (فيشمن) في مفهوم ازدواجية اللغة فلم تعد عنده مقتصرة على وجود لهجتين نظام إحداهما أعلى من نظام الأخرى في نحوه وصرفه وصوته بل ذهب إلى أبعد من ذلك لجعل الازدواجية تظل تحت معانيها الأداءات المختلفة للهجة الواحدة، وكذا الأداءات المختلفة للغات المتمايزة ليؤكد على أن جوهر الازدواجية هو ارتباط مستوى من الأنظمة بتأدية الوظائف ضمن المقامات العليا بينما يرتبط مستوى منها بتأدية الوظائف ضمن حيز المقامات. الدنيا.
يشير (فاسولد) إلى مفهوم موسع لازدواجية اللغة يضم اللغات واللهجات والأساليب المختلفة ما دام هناك توزيع وظيفي لهذه الأشكال، بل يسميه الازدواجية اللغوية الموسعة، معبرا فيه عن حجز الأجزاء اللغوية العليا في المجتمع (والتي لا يتعلمها الفرد أولا ولكنه يتعلمها لاحقا وبطريقة واعية، ويتم هذا التعلم عن طريق التعليم الرسمي) لأوضاع يدركها الفرد على أنها أكثر تحفظا، وحجز الأجزاء اللغوية الدنيا ( والتي يتم تعلمها أولا وبطريقة لا واعية) مهما كانت درجة الترابط بين هذه الأجزاء الدنيا والأجزاء العليا بدءا من الاختلاف في الأسلوب ونهاية بالاختلاف التام كما في اللغات المنفصلة؛ هذه الأجزاء اللغوية الدنيا تحجز الأوضاع التي يعتبرها الأفراد أقل رسمية وأكثر ألفة .
مفهوم جديد للازدواجية جاء به (فاسولد) وهو مفهوم أكثر اتساعا حتى إنه استعمل مصطلح الازدواجية الموسعة للتعبير عن هذا المفهوم الذي يريد به تجاور اللهجات واللغات وكذا الأساليب المختلفة، فكل ما هو متاح للفرد من مستويات لغوية سواء كانت لغات أو لهجات أو أساليب يدركها الفرد بلا وعي كلها تعبر عن طرف من أطراف الازدواجية بينما يعبر الطرف الثاني عن المستويات التي يدركها الفرد بطرق واعية.
تختلف مفاهيم الازدواجية اللغوية وتتعدد، فمن تعبيرها عن تجاور اللغة الفصيحة واللهجة إلى تعبيرها عن اللهجات وتجاورها إلى تعبيرها عن تجاور اللغة العامية واللغة الرسمية إلى أن أصبحت مرتبطة بتجاور واللغات والأساليب المختلفة التي تدرك إدراكا بوعي والتي تدرك إدراكا بدون وعي.
الثنائية اللغوية ( Diglossie) المفهوم والأنواع:
إن مفهوم الثنائية يشير إلى أنها ظاهرة لغوية تعني استعمال الفرد أو المجتمع في منطقة معينة للغتين مختلفتين في آن واحد ، وهذا دليل على تقارب مفهوم الثنائية مع مفهوم الازدواجية حيث تشير الازدواجية فيما تناولناه سابقا إلى تجاور مستويين مختلفين في مجتمع معين.
كما يجمع اللسانيون على أن الثنائية اللغوية تعبر عن الوضع اللغوي لشخص ما أو لجماعة بشرية معينة تتقن لغتين، كما تعبر عن تلك الحالة التي يستخدم فيها المتكلمون بالتناوب وحسب البيئة والظروف اللغوية لغتين مختلفتين، فالفرد ثنائي اللغة بذلك هو فرد يمتلك عدة لغات تكون مكتسبة كلها كلغات أم ، وبذلك تعبر الثنائية عن تحكم الفرد أو جماعة أفراد في مستويين لغويين، واستعمالهما لكل نظام حسب الاقتضاء بالدرجة نفسها، ليفهم من الفرد الثنائي اللغة ذاك الفرد الذي يمتلك لغتين أو أكثر لكن ما يميز هذا الامتلاك هو اكتسابها كلغات أم .
أنواع الثنائية اللغوية:
الثنائية اللغوية أنواع منها: الثنائية اللغوية على صعيد الوطن وفيها تنجز الدولة أعمالها بأكثر من لغة وتكون مؤسساتها ثنائية اللغة بقدر ما تؤمن خدمتها بالذات بأكثر من لغة واحدة، وكذلك الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية وفيها تكون لغة أخرى غير اللغة القومية رسمية أو محكية ليس على صعيد الدولة، إنما فقط على امتداد منطقة جغرافية محددة، بالإضافة إلى الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية في بلدان تهدف سياستها اللغوية إلى استيعاب الأقليات العرقية في الثقافة القومية، كما هو الحال في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية، فالأقليات وإن تكن تتكلم اللغة القومية إلا أنها تستمر في أغلب الأحيان في استخدام لغتها في البيت وفي إطار تجمعاتها، والثنائية اللغوية المؤسسية، وهي ثنائية تعتمد لغة معينة كوسيلة لبعض النشاطات بحيث يكون بإمكانها أن تصبح لغة مشتركة للتجارة أو للتعليم أو للإدارة أو للممارسة الدينية، وتتخذ اللغة غالبا شكل لغة حرة كما كان الحال بالنسبة للغة اللاتينية التي احتلت هذه المرتبة في تاريخ أوروبا خلال مدة زمنية طويلة، وتشكل حاليا اللغات الانجليزية والروسية، والفرنسية التي تدرس كلغة ثانية على نحو واسع جدا في العالم لغة حرة للتعليم العلمي والتقني وللتجارة والقانون في بلدان مختلفة.
تتنوع الثنائية اللغوية منها المرتبط بالوطن ومنها المرتبط بالإقليم والمحلية، ومنها المرتبط بالأقليات العرقية ومنها الثنائية اللغوية المؤسسية وسنتناول مفهوم كل نوع على حدى وهي كالآتي:
الثنائية اللغوية على صعيد الوطن:
تعبر عن اعتماد الدولة لمستويات مختلفة في التعبير ويتجلى ذلك في اعتماد مؤسساتها للغتين مختلفتين أو أكثر في تأمين خدماتها والتواصل بينها، وبين مؤسسات أخرى، وكذا في صياغة قوانينها، وضبط نظامها والتواصل بين عمالها.
الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية :
تعبر الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية عن وجود مستوى لغوي آخر عدا المستوى الرسمي منتشر في مجال إقليمي من الدولة يخالف المستوى اللغوي المعتمد في الدولة بشكل رسمي مختلف في بنيته الصوتية والنحوية والصرفية عن المستوى الذي تعتمده الدولة.
الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية:
تعبر الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرقية عن الحالة التي تسعى فيها الدول إلى استيعاب الأعراق المختلفة باعتماد لغة قومية يعتمدها جميع أفراد المجتمع بينما تحافظ الأقليات العرقية على لغتها الأصلية من خلال التواصل داخل البيت أو ضمن التجمعات الخاصة بها، وبالتالي فهي تجمع بين مستوى النظام اللغوي القومي والنظام التواصلي العرقي الخاص بها.
الثنائية اللغوية المؤسسية :
تعبر الثنائية اللغوية المؤسسية عن اعتماد مستوى لغوي معين في بعض النشاطات بحيث يصبح هذا المستوى اللغوي معتمدا في التجارة والتعليم والإدارة كما هو الحال في بعض الدول التي تعتمد بعض اللغات كلغات ثانية تختص بقطاع معين كالتعليم التقني والعلمي وهكذا دواليك.
الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية:
من ضمن أنواع الثنائية اللغوية الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية، وهي ثنائية تتنوع من الناحية العملية من تدريس لغة ثانية إلى تعليم المواد المدرسية باللغة الثانية، وإلى استيعاب ثقافة اللغة الثانية وقيمها، وترتبط الثنائية المدرسية بالبرنامج التربوي الرسمي الذي يتم وضعه بموجب سياسة الدولة التربوية التي تسعى عبر هذا البرنامج، وبواسطة التعليم إلى تعميم استخدام اللغة الثانية إضافة إلى اللغة القومية .
الثنائية اللغوية المدرسية أو التربوية تعبر عن اعتماد اللغة الثانية وتدريسها كما تدرس اللغة الأصلية إلى جانب اعتمادها في تدريس بعض المواد المدرسية، وهو ما يقود إلى اكتشاف ثقافة اللغة الثانية والتفاعل معها من معينها، والتفاعل مع قيمها وخصوصيتها إلى جانب اللغة القومية وثقافتها وقيمها الأصيلة، كما تختص الثنائية اللغوية المدرسية بالبرنامج التربوي الذي تتم صياغته بناء على خصوصية سياسة الدولة والتخطيط التربوي المستند إليها لأن جوهره اعتماد اللغة الثانية جنبا إلى جنب مع اللغة القومية.
الثنائية اللغوية المؤقتة:
الثنائية اللغوية المؤقتة نوع من الثنائية اللغوية وهو الثنائية اللغوية المؤسسية المؤقتة وهي ثنائية تكون فيها لغة المستعمر القديم لغة رسمية، وقد اعتمدت هذه الثنائية اللغوية بالتأكيد كصيغة انتقالية نحو إقرار اللغة القومية لغة رسمية وحيدة.
الثنائية اللغوية المؤسسية المؤقتة تتقدم فيها لغة المستعمر لتحل محل اللغة الأصلية فتصبح رسمية بينما يبقى نظام اللغة الأصلية على الألسن.
التداخل اللغوي أثر من آثار الازدواجية اللغوية
مفهوم التداخل اللغوي:
وهو مصطلح يشير إلى تأثير اللغة الأم على اللغة التي يتعلمها المرء، أو إبدال عنصر من عناصر اللغة الأم بعنصر من عناصر اللغة الثانية، والعنصر يعني صوتا أو كلمة أو تركيبا. أو بعبارة أخرى، يبدو التداخل اللغوي في تسلط نظام اللغة الأم على نظام اللغة التي يتعلمها الفرد، حيث يتجلى ذلك من خلال استبدال عنصر لغوي من اللغة المتعلمة بعنصر آخر من عناصر نظام اللغة الأم.
أصناف التداخل اللغوي:
التداخل السلبي:
يحدث هذا التداخل عندما يحاول المتعلم أن يتكلم اللغة الثانية، فيستبدل بصورة لا شعورية عناصر من لغته الأم المتأصلة في نفسه بعناصر من اللغة الثانية، فيتسبب هذا النوع في كثير من الصعوبات التي يواجهها الطالب .
التداخل الإيجابي:
يحدث هذا التداخل عندما يحاول الطالب فهم ما يسمع من اللغة الثانية، وكلما ازداد التشابه بين لغة الطالب الأم واللغة الثانية التي يتعلمها أصبح فهم اللغة الثانية أيسر، وهذا ما نلاحظه لدى الناطقين باللغات اللاتينية حيث يستطيع الطلاب الأسبان فهم ما يسمعونه من اللغة الإيطالية أو الفرنسية التي يتعلمونها، ولكن عندما يريد الطالب أن يستخدم كلمة فرنسية مشابهة لكلمة في لغته الأم، فإنه قد يقع في الخطأ، فهناك فرق كبير بين تعلم كلمة وبين كيفية استعمالها في الكلام، وعندما يتعلم الفرد لغة ثانية، فإنه يميل إلى إخضاعها إلى أنماط لغته الأم .
فالتداخل الإيجابي تداخل يحدث لحظة وجود تشابه بين نظام اللغة الأم ونظام اللغة الثانية لكن الفرق يبقى قائما بين استعمال كلمة من اللغة الثانية مكان كلمة من اللغة الأم لأن تعلم العناصر اللغوية ليس كتعلم استعمال هذه العناصر.
مستويات التداخل اللغوي:
تتعدد مستويات التداخل اللغوي؛ فمنها المستوى الصوتي والنحوي والمفرداتي والدلالي والكتابي:
المستوى الصوتي :
وهو التداخل الذي يؤدي إلى ظهور لهجة أجنبية في كلام المتعلم تبدو واضحة في اختلاف النبر والقافية والتنغيم وأصوات الكلام .
يبدو المستوى الصوتي للتداخل في بروز الخصائص الصوتية للغة ثانية في النظام التواصلي للمتكلم، فنجد التمايز في النبر والتنغيم وفي تأدية الأصوات.
المستوى النحوي :
يؤدي تأثير نحو اللغة الأم على نحو اللغة الثانية إلى وقوع المتعلم في أخطاء تتعلق بنظم الكلام(أي ترتيب أجزاء الجملة) وفي استخدام الضمائر، وفي استعمال عناصر التخصيص( مثل أل التعريف) وأزمنة الأفعال وحكم الكلام ( مثل الإثبات، والنفي، والاستفهام، والتعجب ).
يتجلى المستوى النحوي للتداخل في تسلط الخصائص النحوية لنظام اللغة الأم على النظام النحوي للغة الثانية وفيه يبدو عدم التحكم في استعمال الضمائر، وعدم التمييز بين المذكر والمؤنث، والارتباك في توظيف أزمنة الأفعال وهكذا دواليك.
المستوى المفرداتي:
حيث يؤدي التداخل اللغوي في هذا المستوى إلى اقتراض كلمات من اللغة الأم ودمجها في اللغة الثانية عند الكلام بها، وإذا كانت الكلمة مستخدمة في اللغتين ولكن بمعنيين مختلفين، فقد يستخدمها المتعلم بمعناها في لغته الأم وهو يتحدث باللغة الثانية .
التداخل اللغوي في مستواه المفرداتي يحصل لحظة استعارة المتكلم لمفردة من نظام لغته الأم ليوظفها في نظام اللغة الثانية لكن لا يوظف المعنى الذي تقتضيه اللغة الثانية، وإنما يوظف المعنى الذي استقاه من اللغة الأم.
المستوى الدلالي:
وذلك عندما تضم اللغتان الأولى والثانية كلمة واحدة، ولكنها تستعمل بمعنيين مختلفين، فإن متعلم اللغة الثانية قد يميل إلى فهم تلك الكلمة بمعناها في لغته الأولى، والأمثلة كثيرة في هذا الباب، فكلمة ( Location) بالفرنسية تعني تأجير وفي الإنجليزية (موقع)، والبون الدلالي شاسع بينهما، ويسمي الفرنسيون هذا النوع من الكلمات المتشابهة شكلا المتباينة مضمونا بالأخوات المزيفات .
التداخل في مستواه الدلالي يشير إلى اعتماد المتعلم للغة الثانية على مفردة من المفردات المشتركة بين لغته الأم واللغة الثانية لكن بمعنيين مختلفين، فيميل إلى إسقاط المفهوم المستقى من نظام لغته على المفهوم الذي يقتضيه نظام اللغة الثانية.
المستوى الكتابي:
هذا المستوى يحدث عندما يقع المتعلم في أخطاء في الكتابة بسبب التداخل في حالتين: الأولى عندما يلفظ الحرف بصورة مختلفة في لغته أو لهجته الأم، فيميل إلى كتابته طبقا للفظه، كما يكتب التلميذ المغربي مثلا ثلاثة بالتاء تلاتة، والثانية؛ عندما تشترك اللغتان الأولى والثانية في استخدام نظام كتابي واحد، كما هو الحال في الأوردية والعربية، إذ يميل الطالب الباكستاني الذي يتعلم العربية إلى كتابة الكلمات العربية كما يكتبها بالأوردية، وقد يرتكب الخطأ بسبب ذلك إذا كانت كتابة تلك الكلمات مختلفة بالعربية عنها بالأوردية .
التداخل في مستواه الكتابي تداخل يحصل لحظة تشابه نظام الكتابة في اللغة الثانية واللغة الأم حيث يميل المتعلم إلى كتابة نظام اللغة الثانية وفق ما يتلفظ به من أصوات في نظام لغته الأم.
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري
الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي في الجزائر تمثل تحديا كبيرا لأن الخريطة التعبيرية توضح بأن درجة استعمال اللغات في الجزائر ليس متماثلا، فالدارجات الجزائرية تهيمن على السوق الشفوية، وتحقق تواصلا بين المجموعات اللغوية المختلفة، فالعربية الفصيحة واللغة الفرنسية لا تستعملهما إلا أقلية من المثقفين، والأمازيغية أمازيغيات وهي شتات لها مناطقها النافذة، وتأدياتها المختلفة التي تتفاهم مع بعضها البعض .
الواقع اللغوي الجزائري واقع ثري ثراء اللهجات والدوارج، فالعربية الفصيحة لغة ينحصر استعمالها في مقامات معينة معظمها رسمي بينما الفرنسية تنازعها ذلك الدور في مقامات أخرى، والأمر نفسه بالنسبة للأمازيغية، فهي منتشرة في الواقع اللغوي الجزائري بتأديات مختلفة تارة ومتقاربة أخرى إضافة إلى الدوارج العربية وتأدياتها من شرق الجزائر إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
لا تقف الازدواجية اللغوية في الجزائر بين اللغة القومية واللغة الأجنبية، بل تتعداها إلى اللغة الأمازيغية باعتبارها تختلف اختلافا كبيرا عن اللغة الأم من حيث أصواتها وتراكيبها ونحوها؛ فمنطقة الأهقار وآزجر تتميز بخصوصيتها اللغوية، فالطفل التارقي ينشأ في بيئة لغوية مختلطة بدءا من اللغة العامية انتقالا إلى العربية الفصيحة التي تعتبر بالنسبة إليه اللغة الثانية بعد اكتسابه لغة الأم، والأمر نفسه بالنسبة إلى منطقة القبائل حيث تسود القبائلية مختلطة مع الفرنسية في تزاحم مع العربية الفصيحة.
يمكن تلخيص الوضع اللغوي الجزائري في ثلاث صور تتجلى فيها اللهجات واللغات والدوارج في الواقع اللغوي الجزائري وهي :
الأولى: اللغات ذات الانتشار الواسع: العاميات أو الدارجات العربية، وهي متنوعة، ولكنها تحتكم إلى قواسم مشتركة .
الثانية : اللغات المحلية الأمازيغية بمختلف تأدياتها ولهجاتها.
الثالثة: اللغات الكلاسيكية العربية الفصيحة واللغة الفرنسية .
هذه الأنماط الواصفة للوضع اللغوي الجزائري تجعل الطفل الجزائري مزودا بنسق لغوي خليط من عربية دارجة أو أمازيغية، فإذا انتقل إلى الحضانة، فإنه يواجه بلغة فرنسية مخلوطة بعامية أو أمازيغية، ثم ينتقل إلى المدرسة ليجد لغة جديدة، وهي العربية الفصحى، وقد يوظف المعلم العامية في تلقين دروسه، وتراه يواجه الازدواجية(Diglossie) أو الثلاثية مما قد يشكل له عقدة في نموه اللغوي والمعرفي والفكري، وربما يخلق له اضطرابات نفسية، ومن هنا يرى بعض المربين بأنه يجب تلافي إدخال نماذج لغوية متباينة في هذه السن أي تلافي تدريس لغات أخرى ليست من ذات المكتوب في المرحلة الأولى .
الوضع اللغوي في الجزائر وضع يتسم بالتنوع وهو تنوع يلقي بظلاله على اكتساب الطفل الجزائري للغة فتتنازع نظامه اللغوي العربية الدارجة والأمازيغية والفرنسية واللغة العربية الفصحى مما يؤثر سلبا على النمو اللغوي للمتعلم ما لم ينظر للأمر بجدية تحد من استشراء هذا التشتت والتفكك في اكتساب نظام لغوي متوازن.
هناك خطاطة سوسيولسانية افتراضية للوجه الاجتماعي للغات بالجزائر، حيث نلاحظ أن استعمال الفرنسية يمس أكثر المقامات، وتأتي الدارجات في المرتبة الثانية والعربية الفصحى في المرتبة الثالثة، وأما المحليات، فلكل واحدة منها أوضاعها، فنجد القبائلية لها وضع متميز عن الأخريات رغم أن مجالها محدود، وبعض المحليات تقريبا لا يذكر استعمالها مثل الشلحية التي توظف في بعض الأماكن القريبة من وجدة ولها شساعة كبيرة في المملكة المغربية، ومن خلال هذا نجد وضعيتنا توسم بازدواجية لغوية حيث الأمازيغية تستعمل في مقام لا تستعمل فيه العربية الفصحى، وكذا الفرنسية .
الواقع اللغوي الجزائري تتسلط على مقاماته الكبرى اللغة الفرنسية حسب ما توصل إليه الدكتور صالح بلعيد بل وتغلب على مقاماتها الأخرى الدراجات بينما تحظى اللغة العربية الفصحى بالمقامات المتبقية، فلكل مستوى لغوي مقاماته التي يستعمل فيها بدرجات مختلفة.
وأثبت الأكاديميون بعد دراسات معمقة أن الدارجات رغم كثرة استعمالها إلا أن توجيهها لا تأثير له في الوضع اللغوي كما هو الحال في اللغة الفرنسية، وهي اللغة الأجنبية، ولكن بحكم عوامل سوسيوثقافية والتعميم الفائق لها على حساب اللغة الرسمية والألسن الوطنية، أضحت الفرنسية بذلك مستعملة، ولها أثر في المجتمع وتتسع بشكل دائم وخاصة في السنوات الأخيرة مما جعل العربية وهي لغة الهوية والانتماء والتواصل على مستوى الفرد والجماعة تذبح قربانا أمامها وأمام الانفتاح والعولمة، وكذا حصل للأمازيغية فذبحت قربانا على هيكل القومية العربية، وهي اللغة الأصل للجزائر قاطبة، فأصبحت لغة جهوية .
يثبت الأكاديميون أن نظام اللغة الفرنسية يزحف على حساب نظام اللغة العربية والدوارج التي تمثل عمق المجتمع وذلك يعود إلى ظروف تاريخية ولدت هذا الواقع حتى إن نظام اللغة الأجنبية ألقى بظلاله على الأمازيغيات التي تمثل أصالة المجتمع الجزائري.
يجد " الطفل الجزائري نفسه نتيجة لهذه السياسة مقذوفا في متاهات البحث عن هوية أخرى" ، وذلك في ظل تنازع أنظمة اللغة العربية والعاميات المختلفة وكذا العربية الفصحى ونظام اللغة الثانية وهو ما يلقي بظلاله على استيعاب نظام لغوي معين دون صعوبات محتملة وتحديات متوقعة.
هذا الوضع اللغوي يفرض على القائمين على شؤون التربية والتعليم التفكير في تخطيط لغوي يعيد الاعتبار لتعددية لسانية تراكمية متوازنة ومتنوعة ومعززة في المدرسة، وتنوع لغوي عربي/أمازيغي يحظى بالدعم على مستوى رسمي، ذلك التخطيط اللغوي الذي يسلم بأن الطفل الجزائري في أية منطقة كانت، هو إما أحادي اللغة وثنائي التأدية: عربية دارجة + عربية فصحى، أو ثنائي اللغة: عربية دارجة، عربية فصحى + فرنسية أو ثنائي اللغة : أمازيغية + عربية دارجة(عربية فصحى) أو ثلاثي اللغة أمازيغية + عربية دارجة (عربية فصحى)+ فرنسية، بل يقود هذا الواقع القائمين على شؤون التربية والتعليم إلى الوقوف على حقيقة الأمازيغية، وهي حقيقة تؤكد بأنهم متعددي اللغات بمن فيهم الأميون، لأن التعدد يعود للكلام دون المؤهلات اللغوية والخصائص الفكرية، والازدواجية ثابتة مع الطفل قبل سن التمدرس بحكم السوق اللغوية التي يمكن أن نسميها بالسوق اللغوية الليبرالية .
الواقع اللغوي الجزائري المختلط يحتم ضرورة إعادة تنظيم الواقع اللغوي الجزائري ولن يكون ذلك إلا باعتماد تخطيط لغوي ينظر إلى التعدد اللغوي واللهجي في الجزائر نظرة تنوع وثراء تنصف اللهجات والأمازيغيات واللغة العربية الفصحى وتضع اللغة الفرنسية في مقامها كلغة أجنبية ينبغي تعلمها لكن ليس على حساب الثراء اللغوي الجزائري الذي يعتبر حمال الثقافة الجزائرية وصمام أمان أصالتها.
فعالية التخطيط اللغوي في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري:
أ.مفهوم التخطيط اللغوي:
هو مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ من أجل تنفيذ هدف معين، وهذا يعني أن مفهوم الخطة يحدده عنصران: أولهما هدف أو غاية نريد الوصول إليها، وثانيهما وضع تدابير محددة ووسائل مرسومة من أجل بلوغ هذا الهدف، فالتخطيط محاولة علمية تجريبية للارتفاع بالواقع الذي يعيش فيه الفرد لتحقيق أهداف معينة في فترة زمنية محددة .
يشير مفهوم التخطيط إلى جملة من الخطوات المدروسة التي يقوم بها المخصصون بغية تحقيق أهداف مرسومة وهي نتاج خبرة وتجربة علمية عميقة تقود في نهايتها إلى غاية أسمى وهي تحقيق ما تم تخطيط الوصول إليه بصورة محكمة وفعالة.
التخطيط اللغوي يدرس علاقة اللغة بالمجتمع، ومدى تأثر كل منهما بالآخر، ويأتي في العادة لعلاج مقام اللغة الأم، وهيمنة اللغة الأجنبية، والازدواجية اللغوية، والتعدد اللغوي، ولوضع سياسة لغوية تقوم على مسطرة تراتب اللغات في الواقع، سواء بالقوة أو بالفعل، حيث يهتم بإنزال اللغات محالها المناسبة بناء على النصوص القانونية، وللتخطيط اللغوي صور تطبيقات تتمثل في التنقية اللغوية، وترقية اللغة، ووضع المصطلحات، ونشر اللغة في الداخل والخارج، وبذا يكون التخطيط اللغوي تدبير للتحول اللغوي الذي يحتاج إلى تشخيص المشكل، وتحديد المتطلبات، بل هو القرار الذي يتخذه مجتمع ما لتحقيق أهداف وأغراض تتعلق باللغة التي يستخدمها، ويحقق ذلك القرار كل ما يتعلق بعملية اللغة ودعمها وتعميمها .
يهتم التخطيط اللغوي بقضايا لغوية متعددة منها التحديات التي تعيشها اللغة الأم جراء هيمن اللغة الثانية، والتعدد اللغوي وتأثيراته على اكتساب نظام لغوي معين، والازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية، وإبداء آراء تسهم في ترقية نظام اللغة، وتحد من الشوائب والترسبات التي طالت نظام اللغة نتيجة التلوث والتهجين اللغوي، فيهتم بحصر الصعوبات وتشخيص المشكلات واقتراح البدائل لتجاوزها.
التخطيط اللغوي المحكم ثمرته جعل اللغة القومية لغة للتدريس وهو ما تترجمه التجارب العالمية، فلا صعوبة كتابة اللغة اليابانية أو الصينية أو الفيتنامية ، ولا صغر حجم بعض الدول الأوروبية ولا فقر بعض دول آسيا ولا شح التراثيات في اللغة التركية، ولا موت اللغة العبرية على مدى عشرين قرنا حال دون أن تكون اللغة القومية هي لغة تدريس العلوم .
جوهر عناية التخطيط اللغوي هو إنصاف اللغة القومية والحد من تحديات اللغات الأجنبية والدوارج لنظامها وهو ما تجسده تجارب الدول في تعزيز أنظمة لغاتها وإحيائها وجعلها لغة العلم والتواصل لغة الإبداع ولغة التدريس والدليل على ذلك لغة الصين واليابان وأكبر دليل اللغة العبرية التي تم إحياؤها بعد موت لتصبح لغة العلم والإبداع والتواصل.
ب.مجالات تخطيط السياسة اللغوية:
مجالات تخطيط السياسة اللغوية، يمكن تحديدها في محددات ست، وهي:
أولا: تعميم استعمال اللغة القومية في أرجاء الوطن، وفي مختلف مجالات التواصل؛ لتكون أساسا لوحدة الأمة الفكرية والسياسية.
ثانيا: نشر اللغة القومية في العالم لتشكل رافدا تسهم بواسطته الثقافة القومية في مجرى الحضارة العالمية.
ثالثا: تعليم اللغات الأجنبية في مدارس الأمة، ومعاهدها لتزودها بأدوات تعارف واتصال وتعاون مع الأمم الأخرى.
رابعا: تنظيم الترجمة من اللغة القومية وإليها، لتمتين التبادل المعرفي بين الشعوب.
خامسا: تحديد العلاقة بين اللغة القومية وغيرها من اللغات الوطنية والمحلية لضمان وحدة الأمة الفكرية والسياسية، وتحقيق المحافظة على تراثها الشعبي وتنميته.
سادسا: توحيد المصطلحات التقنية سواء المصطلحات العلمية والتكنولوجية منها أو الحضارية والاجتماعية.
مجالات تخطيط السياسة اللغوية تبدأ بتعميم اللغة القومية على جميع الوطن بأنحائه المختلفة، ثم الإسهام في انتشار اللغة القومية في العالم لتسهم في صناعة الحضارة والتأريخ للثقافة القومية ضمن الثقافات العالمية إضافة إلى تعليم اللغات الأجنبية لتعزيز التفاعل بين الأمم والتفاعل بين الثقافات، وتفعيل الترجمة من وإلى اللغة القومية لترسيخ التبادل المعرفي بين الشعوب، والأهم من ذلك إبراز نقاط التماس بين اللغة القومية واللغات الوطنية والمحليات والدوارج والأمازيغيات بشكل يصون الأمن الفكري والسياسي للمجتمع، ويضمن للتراث الشعبي والموروث الثقافي التنمية والتفاعل مع سائر الموروثات الثقافية ليصبح رافدا من روافد الثقافة العالمية.
التخطيط اللغوي في مواجهة الازدواجية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري:
ليكون التخطيط اللغوي فعالا في مواجهة ازدواجية اللغة ينبغي أن يرتكز على خطة تربوية، حيث تنزل اللغة العربية منزلتها من مقام اللغات الأخرى ومقام اللغات الأجنبية، وهذا يستدعي من التربويين والباحثين تقديم دراسات تربوية حول مقام العربية كلغة رسمية ومقام اللغات الأجنبية، وحق كل لغة في الاستعمال وفي المحيط وفي الإعلام، وهذا ما يسمى بالتخطيط التربوي حيث تنزل كل لغة المنزلة الموضوعة لها .
التخطيط اللغوي الفعال هو التخطيط الذي ينزل اللغات منازلها فلا اللغة الأم تزحف على اللغة الثانية ولا اللغة الثانية تتسلط على نظام اللغة الأم بل اللغة الثانية لها مقام ينبغي أن تحظى به كما أن اللغة الرسمية ينبغي لها أن تحتل المقام الذي تستحقه،كما أن الدوارج والأمازيغيات لها مقامها المعزز لهوية المجتمع المقوي لوحدته.
التخطيط اللغوي إذا عضده تشريع لغوي سيضمن فعاليته وبخاصة إذا اتسم التشريع اللغوي بالسمات الآتية:
أولا: الالتزام باللغة العربية في التدريس وتعريب التعليم في الجامعات.
ثانيا: جعل النجاح في امتحان اللغة العربية شرط للتعيين في مؤسسات الدولة والقبول للدراسات العليا بامتحان الكفاءة الأجنبية.
ثالثا: سلامة ما يكتب وينشر في المطبوعات ووسائل الإعلام.
رابعا: أن تحرر بالعربية الوثائق والمذكرات والمكاتبات، وغيرها من المحررات التي تقدم إلى الدوائر الرسمية وغير الرسمية.
خامسا: استعمالها في كتابة اللافتات والإعلانات وأسماء الشركات والمحال التجارية والمكاتب، وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والمواصفات.
سادسا: استعمال المصطلحات العلمية والألفاظ الحضارية العربية في ما يؤلف، ويكتب من بحوث ومقالات، وينشر في الصحف والمجلات.
التخطيط اللغوي الفعال تخطيط يلتزم بتعزيز اللغة العربية في التدريس وتفعيل التعريب، كما أن الاعتماد على علامات اللغة العربية في التعيين والنجاح في الدراسات العليا من شأنه أن يعزز دور اللغة العربية ويرسخ مكانتها في المجتمع، والتأكيد على السلامة اللغوية في المنشورات والمطبوعات إجراءات من شأنها تعزيز نظام اللغة العربية وصيانة أنظمة اللغات المجاورة والدوارج والأمازيغيات، كما أن التأكيد على ضرورة تحرير البحوث والمذكرات بالعربية وكذا المقررات الرسمية سيؤدي إلى تعزيز نظام العربية، وكذا حث الشركات وأصحاب المحال على اعتماد نظام العربية في اللافتات والإعلانات وأسماء المحال إضافة إلى اعتماد المصطلحات العلمية والتقنية الحضارية بنظام اللغة العربية سيحد من الازدواجية اللغوية .
كما يمكن تحقيق تخطيط لغوي فعال وفق معالم تقوم على :
1- دراسة الواقع اللغوي دراسة موضوعية.
2- التخطيط للأجيال القادمة، وعلى المدى الطويل، ولهذا يمكن تصور ملامح رجل الغد؛ ما هي هوية هذا الرجل، وما هو انتماؤه.
3- مراعاة التغيرات المتسارعة ورياح العولمة.
4- التركيز على اللغة الأم على أنها مواطنة وهوية لسانية.
5- الانفتاح على العالم بتنوع لغاته.
6- ترجمة التخطيط إلى برامج ومشروعات.
التخطيط الفعال ينبغي أن يمر عبر دراسة دقيقة للواقع اللغوي الجزائري دراسة تراعي خصوصية الواقع اللغوي وتصفه وصفا موضوعيا، وكذا مراعاة التغيرات المتسارعة للمجتمع وتأثيراتها على الواقع اللغوي الجزائري، وذلك في ظل الانفتاح على لغات العالم وتعلمها كلغات أجنبية، إضافة إلى التأكيد على دور اللغة الأم في صيانة هوية المجتمع، والأعمق من كل ذلك تجسيد التخطيط في برامج بأهداف قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى تتسم بالواقعية وتراعي خصوصية المجتمع.
ج.سبل تجاوز الازدواجية والثنائية اللغوية في الواقع اللغوي الجزائري
• ضرورة العمل على ترتيب الأولويات والبحث عما يجمع بأخذ ما هو مشترك بعين الاعتبار وبتجاوز العقد .
• إن تجاوز الازدواجية والثنائية قد يحد من ترسباته مراعاة عملية إصلاح اللسان باعتماد أبعاد الهوية الجزائرية الثلاثة الأمازيغية والبعد الإسلامي والبعد العربي.
• يجب التسليم بأن الوجود الثقافي العلمي نثبته بعربيتنا ووجودنا الفني والفكري والتخصصي نمارسه بلغتنا القومية
• ضرورة الاحتكام إلى فعل الأجداد في قبول العربية طوعا فلا يمكن أن نسائل الأجداد عن فعلهم النبيل في اختيار العربية وعملهم على نشرها وتجديدهم في قواعدها.
• إن العربية أخت المازيغية فلا صراع بينهما؛ فقد عاشت العربية إلى جنب الأمازيغية لقرون ولم يحصل ذلك الصراع ، بل كان ما بينهما تكاملا وتبادلا في الأدوار والوظائف فبينهما قرابة جغرافية وقرابة نطقية وقرابة اجتماعية وقرابة في عدد الحروف، وقلة الحركات في اللغتين، والمتن اللغوي بين اللغتين ثلاثي، واستعمال الهمزات في الأفعال، وقرابة في أزمنة الأفعال أمر ومضارع وماض، وقرابة النفي بينهما، وقرابة في الوحدات اللغوية الإفرادية وعلى مستوى الأساليب، وقرابة في النسب الحامي.
• يجب التسليم باستحالة نقل الأمة بأجمعها إلى العلم، وبإمكانية نقل العلم كله إلى الأمة إذا أتيح لها باللغة القومية.
• إن استعمال اللغة العربية ليس معناه شل اللغات الأجنبية بل الضرورة المعاصرة تتطلب امتلاك لغات معاصرة، فهي مطلب حضاري لكل مثقف، فتقديم اللغات الأجنبية على العربية تجعل المتعلم يتصور قصور لغته القومية، فيرى بأن مستقبله مرهون بالتحكم في اللغات الأخرى وإهمال لغته.
• نشر الوعي بأهمية اللغة الأم في الوحدة والتنمية الاقتصادية والتخلص من التبعية للمستعمر.
• العمل على تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها والإفادة منها لخدمة لغتنا لا لخدمتها هي.
خاتمة:
إن سن قوانين وتشريعات تدعو إلى ترقية استعمال اللغة العربية، ووضع خطط محلية وقومية واستراتيجية عربية لترقيتها كفيل بمواجهة الازدواجية اللغوية وتحدي الثنائية، كما أن التخطيط أصبح ضرورة لأن المعطيات المعاصرة أصبحت تفرضه، كما تفرضه هيمنة لغات العولمة حفاظا على اللغات الوطنية، كما أن الازدواجية اللغوية يمكن توجيهها إذا واجهناها بتخطيط تربوي محكم يراعي التعايش اللغوي ويعزز اللغة القومية ويستفيد من اللغات الأجنبية،كما أن تفعيل الحلول التي تصل إليها الملتقيات والأيام الدراسية على أرض الواقع كفيل بإحكام السيطرة على الآثار السلبية للازدواجية والثنائية اللغوية، وربط الأبحاث الجامعية بالمشكلات اللغوية وتحديات الازدواجية والثنائية اللغوية ومضاعفاتهما على التحصيل العلمي والرقي المعرفي والثقافي جزء كبير من استراتيجية مواجهة الازدواجية والثنائية اللغوية.
هوامش:
مواضيع مماثلة
» المقال الثامن: الواقع والخيال في الشعر العربي بنظرة استشراقية
» المقال السادس:التشكيل اللغوي في شعر أحمد معاش
» المقال الثالث عشر: إسهام منطقة توات في الدرس اللغوي
» جمالية التشكيل الفني في الشعر الشعبي الجزائري
» شعرية الأنا بين تداعيات الواقع والتاريخ (قراءة في رواية " معركة الزقاق" لرشيد بوجدرة)
» المقال السادس:التشكيل اللغوي في شعر أحمد معاش
» المقال الثالث عشر: إسهام منطقة توات في الدرس اللغوي
» جمالية التشكيل الفني في الشعر الشعبي الجزائري
» شعرية الأنا بين تداعيات الواقع والتاريخ (قراءة في رواية " معركة الزقاق" لرشيد بوجدرة)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى