اللغة العربية والهوية
صفحة 1 من اصل 1
اللغة العربية والهوية
اللغة العربية والهوية
د. جودي فارس البطاينة : أستاذ مشارك / جامعة جرش /الأردن
د. عمران أحمد عبد الكريم الطويل: أستاذ مساعد /جامعة الملك خالد /كلية العلوم والآداب للبنات بالنماص
[من المعروفِ أنَ الأممَ لا تكتسبُ كينونَتها وهُويتها إلا من خلالِ اللغةِ، فاللغة ُ وجدانُ الأمةِ، ووجودُها، ورسالتُها، ووعاءُ فكرِها وتاريخُها وانتصاراتُها ؛فهي عباءة ُ الرؤيةِ كما يقول النفري ولهذا تُعيدُ الأممُ والشعوبُ النظرَ في تراثِها اللغوي والأدبي بين حِقبةٍ وأخرى؛ لتؤشرَ ما يحتاجُ إلى تبديلٍ أو تعديل ،ٍ خاصةً ونحنُ نشكو أزمة َمجتمعٍ مهزومٍ ، مصاب ٍفي هُويّتهِ، ما زال يبحثً عن ذاتِهِ.
والمشكلة ُ لا تتأتّى فقط في اللحنِ بها، وعدمِ اتقانِها كما يقول الكركي وإنما في الشكِّ بروحِ اللغةِ العربيةِ، واستيعابِها للفكرِ الذي يواكبُ تطوراتِ المجتمعِ ومتغيراتِه، وحتى تعودَ اللغةُ العربية ُهُوية َ الأمة ِلا بد من معاييرَ منها: إنتاجُ اللغةِ في مجالِ الفكرِ والثقافةِ، ودرجةِ التطورِ في اللغةِ ذاتِها، والترجمةُ المتبادلةُ من اللغةِ وإليها وغيرِها مما يتناولُه البحثُ بالتفصيل. وبناءً على ذلك قُسمَ البحثُ لثلاثةِ محاورَ هي أزمة ُ اللغة ِالعربيةِ، واللغة ُالعربية والسلطة، واللغةُ العربية ُوالمستقبل ).]
المحور الأول
أزمة اللغة العربية :
لا بد من القولِ بأن ما تواجهه اللغة ُ العربية ُ من أزماتٍ وليست أزمة ً، يدركُها الجميعُ والتي تتمثلُ في ضعفِ أغلبِ العربِ في لغتِهم؛ تتجلى في سبعةِ مستوياتٍ (مستوى الطلابِ، ومستوى المعلمين، ومستوى المناهجِ، ومستوى الترجمةِ، ومستوى التعريبِ، والمستوى الشخصي ّ، والمستوى الخارجيِّ )
فعلى مستوى الطلبةِ نجدُهم في مختلفِ مراحلِ الدراسةِ بدءاً من المرحلةِ الأساسيةِ وانتهاءً بالمرحلةِ الجامعية ِلا يتكلمون إلا بلغةِ العاميةِ في الجامعةِ، والمدرسةِ، والبيتِ، والشارعِ، ومع زملائِهم، ومع معلميهم، فلا يجيدون اللغة َالفصيحة إلا في الكتابِ وكأن اللغة َ القومية َ لغة ُكتابٍ فقط، وليست لغة َحياةٍ وتعاملٍ، أما على مستوى المعلمين فأغلبُهم يدرسون بلغة ٍعاميةٍ إلا معلمَ اللغة ِالعربية، والأغلبية ُمنهم لا يجيدونها، فكيف نستطيعُ إقناع الطلبةِ بأن اللغة َ العربية َهي اللغة ُالقومية ؟
بالإضافة إلى تدني جودة التعليم باللغة العربيةِ السليمة، واعتمادِ نظمِهِ في جميع مراحلِها على إتباع الأساليب التقليدية، والاعتماد المبالغ فيه على أسلوبِ الحفظ والتلقين والبعد عن التطبيق العملي، وعدم الاستفادة من تقنيات التعليم الحديثة في تسهيل فهم المعلومة وتحويلِها إلى واقع، وقد أكد ذلك بنكُ التنمية الدولي في آخر تقريرِ له حول حالةِ التعليم في الشرقِ الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى عدم اقتناعِ المعلمين بجدوى الطرق الحديثة بالتعليم سواءً أكان التعليم التطبيقي أم التعليم الالكتروني وعدم فهمِهم لخطواتِها وعدمِ القيام بتنفيذ الخطط بأمانة وإخلاص.
وبالنسبة لمستوى المناهج ِفإن قواعدَ الصرفِ والنحوِ تدرسُ في كثيرٍ من الأحيانِ بأسلوبٍ عقيم، محبطٍ للهمةِ، ولحبِّ اللغةِ العربيةِ، وأغلبِ كتبِ تبسيطِ القواعدِ نجدُها تُعقدُ الطالبَ بكثرةِ ما فيها من قواعدَ زائدةٍ عن الحاجةِ والتي تعلمُ الشيءَ وضدَّه في أحيانٍ كثيرةٍ، ثم أن من بين التمارين التي تشتملُ عليها الكتبُ، والقواعدُ التي تعلُمها اختلافاتٍ كثيرةً، تجعلُ التمارينَ لا تنطبقُ على القواعدِ في أحيانٍ كثيرة ٍ، بحيث يضيعُ فيها المعلمُ، فكيف بالطالبِ ؟
أما في الجامعاتِ العربية فأغلبُ الكتبِ الجامعيةِ تدرس باللغةِ الأجنبية ِ، وكأنَّ المقصودَ في الجامعة أن ينسى الطالبُ لغتَه القومية َ ويستخدمُ بدلاً منها لغة ً أجنبية أو رطانة ً لا صلة لها بوجدانِه القومي، بالإضافةِ إلى أن الرغبةَ المستعجلةَ والحماسَ في تغييرِ المناهجِ، يؤدي إلى تأليفِ مناهجَ جديدةٍ على عجٍل غيرِ مدروسةٍ بشكلٍ دقيقٍ فيها كثيرٌ من العيوب.
المستوى الشخصي:
أما على المستوى الشخصي فكما قيل إن "المفكرَ الغريبَ عن ثقافتِه وعن لغته غريبٌ عن نفسهِ، والمفكرَ الذي يفكرُ ويحسُّ في جوٍّ ثقافيٍّ مختلفٍ، مغتربٍ يحسُّ بذاتِ آخر محل ذاتِه الحقيقية" . ونحنُ نؤمنُ بأن لا بد للطالبِ العربيِّ من أن يكونَ عارفاً بلغةٍ أجنبيةٍ، إلى جانبِ اتقانِه للغتهِ العربيةِ، ولسنا نرى مانعاً من أن يبدأ التدريسَ بها بدءاً من الصفِ الأولِ من المرحلةِ الابتدائيةِ، على أن لا يكونَ في ذلك أيُّ لونٍ من ألوانِ (المزاحمةِ للغةِ العربيةِ)، فاللغةُ الأجنبيةُ تدرسُ كلغةٍ فقط، وأما موادُ الدراسةِ الأخرى كلُّها فتدرسُ بالعربيةِ وحدَها، لكي يتمكنَ الطالبُ العربيُّ من إتقان لغتهِ أولاً، ولكن لا نريدُ من هذا الأمرِ أن يؤدي بنا إلى ازدواجيةِ الشخصيةِ وانفصامِها من خلالِ صراعِ نفسيًّ داخلي، أيهما يحققُ لي كينونتي وذاتي وبأيِّهما أعيشُ وأفتخرُ ؟
ومن المؤسفِ أننا نجدُ بعض المتشددين في محاربةِ اللغةِ العربيةِ في الجامعاتِ العربيةِ الذين يقفون في وجهِ اللغةِ العربيةِ بعنادٍ وإصرارٍ يدعون أن العربيةَ عاجزةٌ عن الوفاءِ بحاجاتِ التعليمِ العلميِّ الجامعيِّ ويصرونَ على عدمِ التدريسِ باللغةِ العربيةِ وبهذا استطاعوا أن يجمدوا العربيةَ في جامعاتِهم، ويمنحوا الحياةَ والازدهارَ للغاتِ الأجنبيةِ، بعكسِ جميعِ الأممِ والشعوبِ التي تحرصُ على أن تكونَ السيادةُ للغاتِها القوميةِ دون سواها، في كل جانبٍ من جوانبِ حياتِها العلميةِ والعمليةِ، والإداريةِ، والتقنيةِ، وإذا كانت الوسائلُ تؤدي إلى الغاياتِ،
فالمعنى الوحيدُ لبقاءِ اللغاتِ الأجنبيةِ لغاتِ التدريسِ الوحيدةِ في الجامعاتِ العربيةِ، وبقاءِ اللغةِ العربيةِ غريبةً في بيتِها وفي أهلِها هو إبقاءُ روحِ الاستعمارِ في الأرضِ العربيةِ فالاستعمارُ الأجنبيُّ لم يخرجْ بل بقيتْ جذورُه حيّة ًفاعلةً عن طريقِ أعداءِ اللغةِ العربيةِ في الجامعاتِ العربيةِ، وهل نفهمُ من هذا أيضاً أن السياسةَ في البلاد ِالعربيةِ لا تدركُ ذلك، وأن السلطاتِ العربيةَ لا تريدُ لهذا الاستعمارِ الفكريِّ أن يزولَ ؟ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ مما يضعفُ ثقةَ الأمةِ العربيةِ بذاتِها ولغتِها
وهناك أزماتٌ تتعلقُ بتعلمِ اللغةِ الأجنبية يسميها عيسى برهومة بـ "النفاقِ اللغويِّ الاجتماعي" وتعرفُ هذه الظاهرةُ (بالبرستيج) يعتقدُ المتحدثُ بلغةٍ غير لغته ِأن هذا الأمرَ يدلُّ على الرقيِّ الاجتماعي ولهذا يسعون لوضعِ أبنائِهم في مدارسَ تدرسُ بلغةٍ أجنبية ٍ، مما يؤدي لطمسِ اللغةِ الأم . .
مستوى الترجمة:
أما على مستوى الترجمة ِفتتفاقمُ الأزمةُ، فنحن أمام َأزمة ِما تُرجمَ من اللغةِ العربيةِ وإليها. والأزمة تتجلى في أنَّ اختصاصاتِ المترجمين متفاوتة ٌ،كما تتفاوتُ كذلك مؤهلاتُهم الثقافية، في المجالاتِ كلِها: العلميةِ، والأدبيةِ، والفنيةِ، والاجتماعيةِ، والأغلبُ لا يكون على صلةٍ وثيقةٍ بالموضوعِ الذي ينقلُه للغتِه، ويتعدى استيعابُه للشكلِ والأسلوبِ إلى المضامين والأفكارِ والإطارِ الثقافيِّ والتاريخيِّ للنصِّ المترجمِ ولهذا نجد ُالركاكة، ووفرةَ الأخطاء ِاللغويةِ في بعضِ الأعمال ِالمترجمةِ سواءٌ أكانت كتباً علمية ًمترجمة َأم كتباً أدبية ًمترجمة َ هذا أسهم في الحدَّ من الأعمالِ المترجمةِ .
وهي أعمالٌ تفتقرُ إلى "خريطة ٍتكشفُ عن ما أنتجَه الكُتَّابُ والأدباءُ العربُ ونُشِرَ بلغاتٍ غيرِ العربيةِ وكذلك إلى رصدِ المُتَرجَمِ من الإنتاج ِالأدبيٍّ العربي ِّإلى لغاتٍ غربيةٍ مختلفة ٍ..وتتبعِ الأصداء ِالنقدية ِحولَ الأدبِ العربيِّ المنشورِ بلغاتٍ أجنبيةٍ، أو ترجماتهِ، والمدى الذي أصابَته هذه الترجماتُ من ردودِ الفعلِ في بيئاتِ أخرى ذاتِ ثقافة ٍمختلفة "
مستوى التعريب:
أما على مستوى التعريبِ فنحنُ أمامَ أزمةٍ لا تقلُ خطورةً عن سابقاتِها وسأبدأُ بقضيةِ المصطلحاتِ العلميةِ والتكنولوجيةِ والتعليميةِ؛ فهي قضيةٌ معقدةٌ ومهمةٌ جداُ.
لقد تعددت اللغاتُ العلميةُ في الوطنِ العربيِّ، بتعددِ الجهاتِ المشتغلةِ بوضعِ المصطلحاتِ؛ ففي كلِّ بلدٍ عربيٍّ مصطلحاتٌ تختلفُ عن مصطلحاتِ البلدِ الآخر. بل قد تتعددُ المصطلحاتُ في البلدِ الواحد، والمشتغلون بوضعِ المصطلحاتِ كثيرون سواءً على مستوى الأفرادِ أم على مستوى الهيئاتِ والمؤسساتِ وليس بينَهم أيُّ اتصالٍ للاتفاقِ على توحيدِ هذه المصطلحاتِ في البلدِ الواحدِ، لعدمِ وجودِ جهةِ تنسيقٍ وطنيةٍ أو قومية، تكون حلقةَ اتصالٍ بين العاملين في حقلِ المصطلحاتِ .
حتى مجامعِ اللغةِ العربيةِ، على قلةِ عددِها، ومع وجودِ اتحادٍ يجمعُها يعملُ كلٌّ منها في وضع المصطلحاتِ على حدةٍ، دونَ تنسيقٍ بينَها، ودونَ محاولةٍ للاتصالِ والاتفاقِ على ما يشتغلُ به كلُّ مجمعٍ من مصطلحات، فكثيرٌ مما وضعَتهُ المجامعُ منفردةً، لم يصلْ إلى المجامعِ الأخرى، ولا إلى أيدي الناس، ولهذا كانتْ الاستفادةُ من جهودِ هذه المجامعِ قليلةً جداً، علماً أنه يوجدُ مكتبٌ لتنسيقِ التعريبِ أُسسَ في أوائلِ نيسان 1961م إلا أنه رغمَ جهودِه المشكورةِ لم يتوصلْ إلى توحيدِ المصطلحِ العلميِّ والتكنولوجيِّ، وإيصالِه إلى كلِ الجهاتِ التي يمكنُها أن تستفيدَ منه، وعلى الأخصِ المدارسُ والجامعاتُ ، بالإضافةِ لأزمةِ التحدياتِ الخارجيةِ الاستعماريةِ، وهو التحدي الأهمُّ " لأنه يتنكرُ بأزياءَ مختلفةٍ " على حدِّ قولِ عبد الكريم خليفة.
فالهيمنةُ اللغويةُ ظاهرةٌ خطيرةٌ تسيطرُ على عقلِ شعبٍ معينٍ اتجاه لغةٍ أجنبيةٍ مهيمنةٍ على لغتِهم الأصليةِ، بحيث يعتقدون أنه يجبُ عليهم استخدامُ اللغةِ الأجنبيةِ في تعاملاتِهم اليوميةِ، وفي نظامِهم التعليمي، وفي جوانبِ الفلسفةِ والأدبِ، والمعاملاتِ الحكوميةِ والقضائيةِ والإداريةِ، إن الهيمنةَ اللغويةَ تتبعُ منهجيةَ تمكنُها من السيطرةِ حتى على عقولِ النخبةِ، بحيث يظنُ المرءُ بأن لغتَه الأصلية لا ترقى إلى مصافِّ اللغةِ الأجنبيةِ المهيمنةِ وبذلك يبدأ العزوفُ عن اللغةِ الأصليةِ واحتقارِها . وتزدادُ أزمةُ الشخصيةِ وصراعِها كما يقولُ (بيورشفيلد) عندما أصبحت اللغةُ الإنجليزيةُ سمة ًمصاحبة ًللثقافةِ والفكرِ، لدرجةِ أن الشخصَ المثقفَ في مجتمعٍ ما، أو الحاصلَ على مستوى تعليميٍّ عالٍ ولا يتحدثُ الإنكليزية َ ينظرُ إليه بشيءٍ من الانتقاصِ وربما يمارسُ ضدَه الإقصاءَ، ونستطيعُ غالباً ملاحظة َالإقصاءِ والنظرة ِالدونيةِ المرتبطةِ بالفقرِ، والمرضِ، والمجاعةِ، ولكن الإقصاءَ اللغويَّ أو النظرةِ الدونيةِ المتعلقةِ باللغة ِقد لا نلاحظُها بشكلٍ مباشرٍ، وهي في الواقعِ على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةِ، وهنا كان الفقرُ والمرضُ والمجاعةُ ناتجة ًمن عدم معرفةِ اللغةِ الإنكليزيةِ، فتعلُمها سببُ السعادةِ والغنى، هي إذن تزيلُ الصورةَ النمطية َعن كونِها صاحبة َالاستعمارِ، ويتمُّ دعمُها في السوقِ اللغويةِ من خلالِ الجهودِ التي بذلتها بريطانيا في الاستعمارِ والإمبرياليةِ في القرنِ السابعِ عشر، والثامنِ عشر، والتاسعِ عشر، وبرزت الآن على يدِ الأميركان بوصفِها قوةً عسكريةً كبيرة ًومتميزة ًتقنياً .
المحور الثاني
اللغة العربية والسلطة:
".. بما أن اللغةَ العربيةَ.. هي أقدرُ شيءٍ على أن تحفظَ للشخصيةِ العربية ملامحَ العروبةِ، وسماتِ الدينِ، وانطباعاتِ الحياةِ المشتركةِ ..وهي الامتدادُ الحيُّ بين ماضٍ مجيدٍ، وحاضرٍ مكافحٍ، ومستقبلٍ مأمولٍ" ، فهلْ الأزماتُ التي ذكرناها هي السببُ وراءَ ضعفِ اللغةِ العربيةِ أم أن العلةَ أوسعُ من ذلك كثيرا، وهي تتمثلُ في العربِ أنفسِهم، فهم في أقطارِهم المختلفةِ يعملون في الواقعِ، على أساسِ أن كلَّ شعبٍ في بلدِه يؤلفُ أمةً واحدةً، ولا يشعرون بشعوِر الإيمانِ بوحدةِ الأمةِ العربيةِ. السياسةُ هي التي تطبعُ معاملاتِهم، بين بعضِهم بعضاً، بطابعِها التفريقِي في كثيرٍ من الأحيانِ. ولهذا لم يتفقْ قطران من أقطارِهم على ثقافةٍ واحدةٍ، ومنهاجٍ تعليميٍ وتربويٍ موحدٍ. وهذا يؤدي إلى ازدواجيةِ المفاهيمِ وتعددِها، قصدت ذلك السلطة ُأم لم تقصدْ .
ويجبُ على السياسيين قبل غيرهم تقويُم لغتِهم لأنهم يمثلون أمةً، واللغةُ عنوانُ الأمةِ فكيفَ ستكونُ لبلادِهم كينونةٌ وهم يتحدثون مع الآخرِ بلغتِه، بينما السياسيُّ الأجنبيُّ لا يستغني عن لغتِه في حوارِه مع العربِ حتى لو كان يعرفُ اللغةَ العربيةَ سواء أكانَ في بلدِه أو في بلدٍ عربيِّ، بينما بعضُ سياسي العربِ يُغيّرونَ لغاتِهم في الحوارِ بوجودِ الأجنبيِّ ظناً أنهم يتميزون بمعرفتِهم لغةَ الآخرِ، وهذا التصرفُ ينمُ عن ضعفِ شخصيتِهم ووهنِهم وضعفِ بلدانِهم التي يمثلونُها؛ فالأزمةُ كما قلنا سابقاً أزمةُ أنظمةِ حُكمٍ وحُكّامٍ.
لقد أدركَ الساسةُ الأجانبُ أهمية َ اللغةِ" منذُ المراحلِ المبكرةِ للتوسع الإمبرياليِّ، فكانوا يستخدمون لغتَهم لصهرِ لغة ِالمستعمَرِ وذوبانِها وذوبانِ الشخصيةِ، وأيقنَ المستعمرُ أنه ليتغلغلَ في البلادِ والمجتمعاتِ لا بدَّ من السيطرةِ على اللغةِ، بترويج ِلغةٍ أخرى، وحينَ تستقلُ البلادُ من المستعمرِ تبقى تحتَ وطأتِهم ثقافياً من حيثُ اللغة ُ"
ويرى ابنُ خلدون في (مقدمتِه): إن المغلوبَ مولعٌ أبداً بالاقتداءِ في شعارِه وزيهِ وسائرِ أحوالِه وعوائدِه بالغالبِ؛ والسببُ في ذلك أن النفسَ أبداً تعتقدُ الكمالَ فيمن غلبَها وانقادتْ إليهِ، فتنتحلُ جميعَ مذاهبِ الغالبِ وتتشبهُ به، ومن هنا تكمنُ الهيمنةُ؛ هيمنةُ اللغةِ، فالقوة ُتكمنُ باللغةِ في الأساسِ، فالمغلوبُ يتبعُ الغالبَ ويقلدُه، ويبقى مبهوراً به، متأثراً به من الناحيةِ اللغويةِ والثقافيةِ والسلوكيةِ وحتى في الزيِّ كما يقول ابنُ خلدون، فاللغةُ المهيمنةُ هي لغةُ الدولةِ المهيمنة، فحينما كانت الدولة ُ الإسلاميةُ قويةً ومسيطرةً شاعَ اللسانُ العربيُّ وتفوق
المحور الثالث
اللغةُ العربية ُوالمستقبل :
إذا أردنا مستقبلاً للغتِنا العربية ِ، وجعلَها جزءاً لا يتجزأ من هويتِنا وكينونتِنا، فلا بُدَّ من وضعِ خططٍ كفيلةٍ بإعادةِ مكانةِ اللغةِ العربيةِ لأهلِها، وتحبيبُ أهلِها بها بما أن الإنسانَ هو الأساسُ الذي تبنى عليه المجتمعاتُ فيجب الاعتناءُ به من طفولِتهِ وذلك من خلالِ الحديثِ معهُ بلغةٍ فصيحةٍ سليمةٍ لأن ما يبقى مستقراً في وجدانِ الشخصِ لا نستطيعُ بسهولةٍ تغييرَهُ فعندما يتعود ُعلى سماعِ لغة ٍسليمةٍ يبقى متعلقاً بها كتعلقِهِ بأهلِه ِفعلى البيتِ المسؤوليةُ الكبرى، ولهذا نجدُ كثيراً ممن لم يتخصصوا في اللغةِ العربية ِيصوبون أخطاءَ اللفظِ مباشرةٌ وبتلقائيةٍ باعتمادِهم على سليقتِهم.
- على منظماتِ الجامعةِ العربيةِ، وخاصةً المنظمةَ العربيةَ للتربيةِ والثقافةِ والعلومِ، ووزاراتِ التعليمِ سواءً وزارة ُالتربيةِ والتعليمِ أو وزارة ُالتعليمِ العالي؛ إصدارُ قرارٍ يُمنعُ فيه الطالب َوالمدرسَ على السواءِ من الحديثِ والتدريسِ بلغةٍ غيرِ اللغةِ العربية ِالسليمة في الحرمِ المدرسيِ أو الحرم ِالجامعي بكافة ِمرافقهِ حتى يغادرَه، إلا إذا كانت المادةُ التي تدرسُ لغةً أجنبية ً.
- كلُّ مدرس ٍهو معلمُ للغة ِالعربيةِ مهما كان تخصصُه ومهما كانت ْالمادة ُالتي يدرسُها ولهذا لا بدَّ من عقدِ دوراتٍ تدريبيةٍ تؤهلُ المعلمين جميعاً لهذا الغرضِ.
لا بد َّمن إعادةِ النظرِ في كتبِ القواعد ِالمدرسيّة، فاللغةُ السليمةُ" لا تأتي بكثرة ِالقواعد ِوصعوبتِها، بل تأتي بقلة ِالتعقيد، مع حسن ِالتوجيه ِالمدرسّي، والمطالعة ِ الجيّدةِ" ، ولا بد َّمن اعتماد ِالأساليبِ التحليليةِ والتطبيق ِالعملي ِّ في التدريسِ، مع الأساليب التلقينيةِ فلا بدَّ من طريقةٍ جديدة ٍتجمع ُبين محاسنِ الطرقِ التلقينية والطرق ِ التحليليةِ.
- عملُ تطبيقات ٍعلى النظريات ِالحديثةِ في مجالاتِ اللغةِ العربيةِ، مع ذكِر الأمثلة ِ العملية ِالتي تلقي الأضواء َعلى كيفية ِالممارسةِ للعملية ِالتعليميةِ والإعداد ِلها في ميدان اللغةِ العربيةِ.
- ومما يجبُ ملاحظتُه ُأن"القراءة َوالاستماعَ والحديثَ، جوانبُ مهمة ٌجداً لإتقانِ اللغةِ، وللتحصيلِ الثقافي، وهي أهم ُّبكثير ٍمن تمريناتِ الإنشاءِ الشفويِّ والتحريري."
- وبما أن المطالعة َالجيدة َركن ٌأساسيٌ في تعلقِ الشخصِ بلغتهِ فلا بُدَّ من توافرِ مكتبةٍ صغيرة ٍفي كلِّ بيت ٍتعودُ إليها الأسرةُ كافة للنهلِ منها تحوي على كتب ٍثقافيةٍ متنوعةٍ بلغةٍ سليمةٍ ولا بُدَّ من الإشارة ِلمبادرة ِوزارةِ الثقافةِ الأردنيةِ بإصدارِها سنوياً مكتبة ًلكلِ أسرةٍ بأسعارٍ رمزيةٍ زهيدةٍ لتشجعَ على مفهوم ِالقراءة ِللجميعِ، وهذه المبادرةُ من أفضلِ المبادرات ِالتي تبنتها الوزارة.
- توجيه ُاهتمامِ "الطلبة ِالمبدعين في الثانوية ِالعامةِ إلى دراسةِ اللغة ِالعربيةِ، وتقديم ِ التشجيعِ المادي ِوالمعنويِ لهم لاجتذابِهم إلى هذا الحقلِ" .
- ما أن أغلبَ فئاتِ الشعبِ متابعة ٌلوسائلِ الإعلامِ المختلفة ِفيجبُ أن تكونَ اللغة ُالمستخدمة ُ في الإذاعةِ والتلفزة ومختلف ِوسائلِ الإعلام ِفي البلادِ العربية الحديثة ِ باللغة ِالعربيةِ السليمة، وكذلك المسرحُ والتمثيليات، وترجمة ُالأشرطة ِوالمسلسلاتِ الأجنبيةِ إلى العربية ِالسليمةِ لما لها أثرٌ على المتلقي.
- لا بُدَّ في مجالِ التعريب ِمن المقاربةِ في لغةِ العلمِ بين لغتنِا العربية ِواللغات ِالعلميةِ العالمية ِالأخرى، عن طريقِ الإكثار ِمن استعارةِ المصطلحاتِ الحضاريةِ الحديثةِ التي لا أصولَ لها في العربيةِ، وذلك بتحريفِها لتتناسبَ مع قواعدِ لغتنِا، مع بقاءِ شيءٍ من لفظِها مشتركاً مع اللغاتِ الأخرى وفي هذا إغناءٌ للغتنِا، وخروج ٌبها إلى العالميةِ التي لا بُدَّ منها لتأخذَ لغتنُا مكانَها من العالمِ وخاصة ًأننا في سباقٍ مع العلم ِوالتكنولوجيا، وقد سبقْنا الغربُ المتقدمُ في علومِه وتكنولوجيِته، فيستخدمُ كل َّالوسائلِ لإغناءِ لغاتِه بالمصطلحاتِ الحديثةِ: يشتقُّها من اللاتينية واليونانية، أو يخترعُ لها ألفاظاً من لغاتِه، أو قد يطلق ُعليها أسماءَ المخترعين والباحثين فتصبحُ هذه الأسماء ُمصطلحات ٍعلميةً، فالترجمة ُهي التطبيقُ العمليُّ للمصطلحات المعربة، وهي الوسيلةُ العملية ُلتحقيقِ نهضةٍ علمية ٍعربيةٍ.
ولا بُد َّمن ضرورةِ التنسيقِ بين العاملين في حقولِ التعريبِ في العالم ِالعربي، بحيثُ يدرسُ أولاً ما تمَّ تعريبُه ُحتى الآن، ثم يأخذُ كلُّ بلد ٍعربي، أو كلُّ جهة ٍعلميةٍ عربيةٍ، جانباً من الجوانبِ لتعريب مصطلحاتِهِ الحاليةِ والمستقبلية ِثم تنصبُّ كل ّ أعمال ِ التعريبِ في جهةٍ واحدة ٍموسعة ٍومتعددةِ الاختصاصات لإعادة النظرِ فيها أولاً، ثم لتوحيدِها في الأقطار ِالعربية ِكلِّها، ويكونُ توحيدُها ملزماً للجميع. وينبغي الحدُّ من الاجتهاداتِ الفرديةِ التي لا تقومُ على التخصيصِ، بحيثُ لا يجوزُ لشخصٍ غيرِ مختصٍ في مادةٍ علميةٍ أن يضربَ في صنوفِ التعريب ِفي كلِّ الاتجاهاتِ ،إن التخصصَ أولاً، والتنسيقَ ثانياً، والتوحيدَ ثالثاً، لهي عمليات ٌضرورية ٌوملحةٌ جداً، وتقتضيها المصلحة القومية، وإذا لم يتم ْهذا فستظلُّ الفوضى مستمرةً، وسيصبحُ لنا عدة ُلغاتٍ علمية عربيةٍ بدلَ اللغةِ الواحدة. وهذه البعثرةُ اللغوية ُهي أدهى على الأمةِ من بعثرةِ الجهودِ والاتجاهاتِ السياسية ِالتي يظلُّ من الممكنِ ومن السهلِ إصلاحُها، وحين يستشري الفساد ُفي اللغةِ القومية، لا يعودُ من الممكنِ إصلاحُها.
الخاتمة
بناءً على ما سبقَ، فإن الباحثين في مجالِ اللغةِ والهويةِ يشيرون إلى معاييرَ لا بُدَّ من توافرِها حتى تحملَ اللغةُ هوُّيةَ الأمةِ، منها: إنتاج اللغةِ في مجالِ الفكر والثقافةِ، ودرجةُ التطورِ في اللغة ذاتها، بالإضافة ِإلى قدرةِ هذه اللغةِ على الاستجابة للمتغيراتِ في مجالِ العلمِ، والاقتصادِ، والتكنولوجيا، وغيرِ ذلك من مشاكلِ اللغة ِوصعوباتِها في زمان ٍغير زمانِها. ولا بُد َّمن معاييرَ يجبُ تطبيقُها للنهوضِ باللغة ِالعربيةِ أهمها: تعاونُ البيت ِمع المدرسة ِوالجامعة لنحصدَ لغة ًقوميةً وأشخاصا يعتزون بلغتِهم وهويتِهم العربية.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم
- حسن حنفي، العولمة والهوية، منشورات المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون جامعة فيلادلفيا –الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية، جامعة فيلادلفيا، ط1، 1999.
- خالد الكركي، اللغة هوية الأمة، مقالة القيت في مؤتمر العربيّة وهويّة الأمّة، قسم اللغة العربيّة وآدابها، الجامعة الأردنيّة، 2012نشرت في 22/11/2012.
- ابن خلدون: المقدمة، الدار التونسية، 1984.
- روبرت فليبسون، الهيمنة اللغوية ،ت. سعد بن هادي الحشاش، جامعة الملك سعود للنشر العلمي، ط7، 2001
- عبد العلي الودغيري، وضع اللغة العربية في عصر العولمة، محاضرة قدمت في الموسم الثقافي لمجمع اللغة العربية الأردني سنة 2011 .
- عبد الكريم خليفة، مؤتمر سبل النهوض باللغة العربية، ضمن فعاليات الموسم الثقافي الثلاثين لمجمع اللغة العربية الردني، 20-22/11/2012 عمان الأردن
- علي الجمبلاطي، وأبو الفتوح التوانسي، الأصول الحديثة لتدريس اللغة العربية والتربية الدينية، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة
- علي شريعتي، العودة إلى الذات، ترجمة إبراهيم الدسوقي شتا، دار الكتاب المصري، مكتبة الاسكندرية 2011 .
- عيسى برهومة ووليد العناني، اللغة العربية وأسئلة العصر، دار الشروق، ط1، 2007 ، ص181
- عيسى برهومة، سؤال اللغة والهوية، 23/1/2009، نت.
- عيسى الناعوري، اللغة العربية والحياة، مقالة ضمن مخطوط من قضايا اللغة والأدب والنقد.
- عيسى الناعوري، من مشكلات اللغة العربية، مقالة ضمن مخطوط من قضايا اللغة والأدب والنقد.
- سعد بن هادي القحطاني، أهمية الترجمة في اللحاق بالتقدم العلمي، صحيفة الجزيرة السعودية، عدد 10629، الأحد 19/شعبان /1422ه.
- كايد هاشم، عيسى الناعوري بلغات أجنبية، جريدة الدستور، 16/كانون الثاني، 2006.
- مهين حاجي زاده وشهريار نيازي، تحديات اللغة العربية وشاكلها في العصر العولمة، نت.
هوامش:
د. جودي فارس البطاينة : أستاذ مشارك / جامعة جرش /الأردن
د. عمران أحمد عبد الكريم الطويل: أستاذ مساعد /جامعة الملك خالد /كلية العلوم والآداب للبنات بالنماص
[من المعروفِ أنَ الأممَ لا تكتسبُ كينونَتها وهُويتها إلا من خلالِ اللغةِ، فاللغة ُ وجدانُ الأمةِ، ووجودُها، ورسالتُها، ووعاءُ فكرِها وتاريخُها وانتصاراتُها ؛فهي عباءة ُ الرؤيةِ كما يقول النفري ولهذا تُعيدُ الأممُ والشعوبُ النظرَ في تراثِها اللغوي والأدبي بين حِقبةٍ وأخرى؛ لتؤشرَ ما يحتاجُ إلى تبديلٍ أو تعديل ،ٍ خاصةً ونحنُ نشكو أزمة َمجتمعٍ مهزومٍ ، مصاب ٍفي هُويّتهِ، ما زال يبحثً عن ذاتِهِ.
والمشكلة ُ لا تتأتّى فقط في اللحنِ بها، وعدمِ اتقانِها كما يقول الكركي وإنما في الشكِّ بروحِ اللغةِ العربيةِ، واستيعابِها للفكرِ الذي يواكبُ تطوراتِ المجتمعِ ومتغيراتِه، وحتى تعودَ اللغةُ العربية ُهُوية َ الأمة ِلا بد من معاييرَ منها: إنتاجُ اللغةِ في مجالِ الفكرِ والثقافةِ، ودرجةِ التطورِ في اللغةِ ذاتِها، والترجمةُ المتبادلةُ من اللغةِ وإليها وغيرِها مما يتناولُه البحثُ بالتفصيل. وبناءً على ذلك قُسمَ البحثُ لثلاثةِ محاورَ هي أزمة ُ اللغة ِالعربيةِ، واللغة ُالعربية والسلطة، واللغةُ العربية ُوالمستقبل ).]
المحور الأول
أزمة اللغة العربية :
لا بد من القولِ بأن ما تواجهه اللغة ُ العربية ُ من أزماتٍ وليست أزمة ً، يدركُها الجميعُ والتي تتمثلُ في ضعفِ أغلبِ العربِ في لغتِهم؛ تتجلى في سبعةِ مستوياتٍ (مستوى الطلابِ، ومستوى المعلمين، ومستوى المناهجِ، ومستوى الترجمةِ، ومستوى التعريبِ، والمستوى الشخصي ّ، والمستوى الخارجيِّ )
فعلى مستوى الطلبةِ نجدُهم في مختلفِ مراحلِ الدراسةِ بدءاً من المرحلةِ الأساسيةِ وانتهاءً بالمرحلةِ الجامعية ِلا يتكلمون إلا بلغةِ العاميةِ في الجامعةِ، والمدرسةِ، والبيتِ، والشارعِ، ومع زملائِهم، ومع معلميهم، فلا يجيدون اللغة َالفصيحة إلا في الكتابِ وكأن اللغة َ القومية َ لغة ُكتابٍ فقط، وليست لغة َحياةٍ وتعاملٍ، أما على مستوى المعلمين فأغلبُهم يدرسون بلغة ٍعاميةٍ إلا معلمَ اللغة ِالعربية، والأغلبية ُمنهم لا يجيدونها، فكيف نستطيعُ إقناع الطلبةِ بأن اللغة َ العربية َهي اللغة ُالقومية ؟
بالإضافة إلى تدني جودة التعليم باللغة العربيةِ السليمة، واعتمادِ نظمِهِ في جميع مراحلِها على إتباع الأساليب التقليدية، والاعتماد المبالغ فيه على أسلوبِ الحفظ والتلقين والبعد عن التطبيق العملي، وعدم الاستفادة من تقنيات التعليم الحديثة في تسهيل فهم المعلومة وتحويلِها إلى واقع، وقد أكد ذلك بنكُ التنمية الدولي في آخر تقريرِ له حول حالةِ التعليم في الشرقِ الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى عدم اقتناعِ المعلمين بجدوى الطرق الحديثة بالتعليم سواءً أكان التعليم التطبيقي أم التعليم الالكتروني وعدم فهمِهم لخطواتِها وعدمِ القيام بتنفيذ الخطط بأمانة وإخلاص.
وبالنسبة لمستوى المناهج ِفإن قواعدَ الصرفِ والنحوِ تدرسُ في كثيرٍ من الأحيانِ بأسلوبٍ عقيم، محبطٍ للهمةِ، ولحبِّ اللغةِ العربيةِ، وأغلبِ كتبِ تبسيطِ القواعدِ نجدُها تُعقدُ الطالبَ بكثرةِ ما فيها من قواعدَ زائدةٍ عن الحاجةِ والتي تعلمُ الشيءَ وضدَّه في أحيانٍ كثيرةٍ، ثم أن من بين التمارين التي تشتملُ عليها الكتبُ، والقواعدُ التي تعلُمها اختلافاتٍ كثيرةً، تجعلُ التمارينَ لا تنطبقُ على القواعدِ في أحيانٍ كثيرة ٍ، بحيث يضيعُ فيها المعلمُ، فكيف بالطالبِ ؟
أما في الجامعاتِ العربية فأغلبُ الكتبِ الجامعيةِ تدرس باللغةِ الأجنبية ِ، وكأنَّ المقصودَ في الجامعة أن ينسى الطالبُ لغتَه القومية َ ويستخدمُ بدلاً منها لغة ً أجنبية أو رطانة ً لا صلة لها بوجدانِه القومي، بالإضافةِ إلى أن الرغبةَ المستعجلةَ والحماسَ في تغييرِ المناهجِ، يؤدي إلى تأليفِ مناهجَ جديدةٍ على عجٍل غيرِ مدروسةٍ بشكلٍ دقيقٍ فيها كثيرٌ من العيوب.
المستوى الشخصي:
أما على المستوى الشخصي فكما قيل إن "المفكرَ الغريبَ عن ثقافتِه وعن لغته غريبٌ عن نفسهِ، والمفكرَ الذي يفكرُ ويحسُّ في جوٍّ ثقافيٍّ مختلفٍ، مغتربٍ يحسُّ بذاتِ آخر محل ذاتِه الحقيقية" . ونحنُ نؤمنُ بأن لا بد للطالبِ العربيِّ من أن يكونَ عارفاً بلغةٍ أجنبيةٍ، إلى جانبِ اتقانِه للغتهِ العربيةِ، ولسنا نرى مانعاً من أن يبدأ التدريسَ بها بدءاً من الصفِ الأولِ من المرحلةِ الابتدائيةِ، على أن لا يكونَ في ذلك أيُّ لونٍ من ألوانِ (المزاحمةِ للغةِ العربيةِ)، فاللغةُ الأجنبيةُ تدرسُ كلغةٍ فقط، وأما موادُ الدراسةِ الأخرى كلُّها فتدرسُ بالعربيةِ وحدَها، لكي يتمكنَ الطالبُ العربيُّ من إتقان لغتهِ أولاً، ولكن لا نريدُ من هذا الأمرِ أن يؤدي بنا إلى ازدواجيةِ الشخصيةِ وانفصامِها من خلالِ صراعِ نفسيًّ داخلي، أيهما يحققُ لي كينونتي وذاتي وبأيِّهما أعيشُ وأفتخرُ ؟
ومن المؤسفِ أننا نجدُ بعض المتشددين في محاربةِ اللغةِ العربيةِ في الجامعاتِ العربيةِ الذين يقفون في وجهِ اللغةِ العربيةِ بعنادٍ وإصرارٍ يدعون أن العربيةَ عاجزةٌ عن الوفاءِ بحاجاتِ التعليمِ العلميِّ الجامعيِّ ويصرونَ على عدمِ التدريسِ باللغةِ العربيةِ وبهذا استطاعوا أن يجمدوا العربيةَ في جامعاتِهم، ويمنحوا الحياةَ والازدهارَ للغاتِ الأجنبيةِ، بعكسِ جميعِ الأممِ والشعوبِ التي تحرصُ على أن تكونَ السيادةُ للغاتِها القوميةِ دون سواها، في كل جانبٍ من جوانبِ حياتِها العلميةِ والعمليةِ، والإداريةِ، والتقنيةِ، وإذا كانت الوسائلُ تؤدي إلى الغاياتِ،
فالمعنى الوحيدُ لبقاءِ اللغاتِ الأجنبيةِ لغاتِ التدريسِ الوحيدةِ في الجامعاتِ العربيةِ، وبقاءِ اللغةِ العربيةِ غريبةً في بيتِها وفي أهلِها هو إبقاءُ روحِ الاستعمارِ في الأرضِ العربيةِ فالاستعمارُ الأجنبيُّ لم يخرجْ بل بقيتْ جذورُه حيّة ًفاعلةً عن طريقِ أعداءِ اللغةِ العربيةِ في الجامعاتِ العربيةِ، وهل نفهمُ من هذا أيضاً أن السياسةَ في البلاد ِالعربيةِ لا تدركُ ذلك، وأن السلطاتِ العربيةَ لا تريدُ لهذا الاستعمارِ الفكريِّ أن يزولَ ؟ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ مما يضعفُ ثقةَ الأمةِ العربيةِ بذاتِها ولغتِها
وهناك أزماتٌ تتعلقُ بتعلمِ اللغةِ الأجنبية يسميها عيسى برهومة بـ "النفاقِ اللغويِّ الاجتماعي" وتعرفُ هذه الظاهرةُ (بالبرستيج) يعتقدُ المتحدثُ بلغةٍ غير لغته ِأن هذا الأمرَ يدلُّ على الرقيِّ الاجتماعي ولهذا يسعون لوضعِ أبنائِهم في مدارسَ تدرسُ بلغةٍ أجنبية ٍ، مما يؤدي لطمسِ اللغةِ الأم . .
مستوى الترجمة:
أما على مستوى الترجمة ِفتتفاقمُ الأزمةُ، فنحن أمام َأزمة ِما تُرجمَ من اللغةِ العربيةِ وإليها. والأزمة تتجلى في أنَّ اختصاصاتِ المترجمين متفاوتة ٌ،كما تتفاوتُ كذلك مؤهلاتُهم الثقافية، في المجالاتِ كلِها: العلميةِ، والأدبيةِ، والفنيةِ، والاجتماعيةِ، والأغلبُ لا يكون على صلةٍ وثيقةٍ بالموضوعِ الذي ينقلُه للغتِه، ويتعدى استيعابُه للشكلِ والأسلوبِ إلى المضامين والأفكارِ والإطارِ الثقافيِّ والتاريخيِّ للنصِّ المترجمِ ولهذا نجد ُالركاكة، ووفرةَ الأخطاء ِاللغويةِ في بعضِ الأعمال ِالمترجمةِ سواءٌ أكانت كتباً علمية ًمترجمة َأم كتباً أدبية ًمترجمة َ هذا أسهم في الحدَّ من الأعمالِ المترجمةِ .
وهي أعمالٌ تفتقرُ إلى "خريطة ٍتكشفُ عن ما أنتجَه الكُتَّابُ والأدباءُ العربُ ونُشِرَ بلغاتٍ غيرِ العربيةِ وكذلك إلى رصدِ المُتَرجَمِ من الإنتاج ِالأدبيٍّ العربي ِّإلى لغاتٍ غربيةٍ مختلفة ٍ..وتتبعِ الأصداء ِالنقدية ِحولَ الأدبِ العربيِّ المنشورِ بلغاتٍ أجنبيةٍ، أو ترجماتهِ، والمدى الذي أصابَته هذه الترجماتُ من ردودِ الفعلِ في بيئاتِ أخرى ذاتِ ثقافة ٍمختلفة "
مستوى التعريب:
أما على مستوى التعريبِ فنحنُ أمامَ أزمةٍ لا تقلُ خطورةً عن سابقاتِها وسأبدأُ بقضيةِ المصطلحاتِ العلميةِ والتكنولوجيةِ والتعليميةِ؛ فهي قضيةٌ معقدةٌ ومهمةٌ جداُ.
لقد تعددت اللغاتُ العلميةُ في الوطنِ العربيِّ، بتعددِ الجهاتِ المشتغلةِ بوضعِ المصطلحاتِ؛ ففي كلِّ بلدٍ عربيٍّ مصطلحاتٌ تختلفُ عن مصطلحاتِ البلدِ الآخر. بل قد تتعددُ المصطلحاتُ في البلدِ الواحد، والمشتغلون بوضعِ المصطلحاتِ كثيرون سواءً على مستوى الأفرادِ أم على مستوى الهيئاتِ والمؤسساتِ وليس بينَهم أيُّ اتصالٍ للاتفاقِ على توحيدِ هذه المصطلحاتِ في البلدِ الواحدِ، لعدمِ وجودِ جهةِ تنسيقٍ وطنيةٍ أو قومية، تكون حلقةَ اتصالٍ بين العاملين في حقلِ المصطلحاتِ .
حتى مجامعِ اللغةِ العربيةِ، على قلةِ عددِها، ومع وجودِ اتحادٍ يجمعُها يعملُ كلٌّ منها في وضع المصطلحاتِ على حدةٍ، دونَ تنسيقٍ بينَها، ودونَ محاولةٍ للاتصالِ والاتفاقِ على ما يشتغلُ به كلُّ مجمعٍ من مصطلحات، فكثيرٌ مما وضعَتهُ المجامعُ منفردةً، لم يصلْ إلى المجامعِ الأخرى، ولا إلى أيدي الناس، ولهذا كانتْ الاستفادةُ من جهودِ هذه المجامعِ قليلةً جداً، علماً أنه يوجدُ مكتبٌ لتنسيقِ التعريبِ أُسسَ في أوائلِ نيسان 1961م إلا أنه رغمَ جهودِه المشكورةِ لم يتوصلْ إلى توحيدِ المصطلحِ العلميِّ والتكنولوجيِّ، وإيصالِه إلى كلِ الجهاتِ التي يمكنُها أن تستفيدَ منه، وعلى الأخصِ المدارسُ والجامعاتُ ، بالإضافةِ لأزمةِ التحدياتِ الخارجيةِ الاستعماريةِ، وهو التحدي الأهمُّ " لأنه يتنكرُ بأزياءَ مختلفةٍ " على حدِّ قولِ عبد الكريم خليفة.
فالهيمنةُ اللغويةُ ظاهرةٌ خطيرةٌ تسيطرُ على عقلِ شعبٍ معينٍ اتجاه لغةٍ أجنبيةٍ مهيمنةٍ على لغتِهم الأصليةِ، بحيث يعتقدون أنه يجبُ عليهم استخدامُ اللغةِ الأجنبيةِ في تعاملاتِهم اليوميةِ، وفي نظامِهم التعليمي، وفي جوانبِ الفلسفةِ والأدبِ، والمعاملاتِ الحكوميةِ والقضائيةِ والإداريةِ، إن الهيمنةَ اللغويةَ تتبعُ منهجيةَ تمكنُها من السيطرةِ حتى على عقولِ النخبةِ، بحيث يظنُ المرءُ بأن لغتَه الأصلية لا ترقى إلى مصافِّ اللغةِ الأجنبيةِ المهيمنةِ وبذلك يبدأ العزوفُ عن اللغةِ الأصليةِ واحتقارِها . وتزدادُ أزمةُ الشخصيةِ وصراعِها كما يقولُ (بيورشفيلد) عندما أصبحت اللغةُ الإنجليزيةُ سمة ًمصاحبة ًللثقافةِ والفكرِ، لدرجةِ أن الشخصَ المثقفَ في مجتمعٍ ما، أو الحاصلَ على مستوى تعليميٍّ عالٍ ولا يتحدثُ الإنكليزية َ ينظرُ إليه بشيءٍ من الانتقاصِ وربما يمارسُ ضدَه الإقصاءَ، ونستطيعُ غالباً ملاحظة َالإقصاءِ والنظرة ِالدونيةِ المرتبطةِ بالفقرِ، والمرضِ، والمجاعةِ، ولكن الإقصاءَ اللغويَّ أو النظرةِ الدونيةِ المتعلقةِ باللغة ِقد لا نلاحظُها بشكلٍ مباشرٍ، وهي في الواقعِ على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةِ، وهنا كان الفقرُ والمرضُ والمجاعةُ ناتجة ًمن عدم معرفةِ اللغةِ الإنكليزيةِ، فتعلُمها سببُ السعادةِ والغنى، هي إذن تزيلُ الصورةَ النمطية َعن كونِها صاحبة َالاستعمارِ، ويتمُّ دعمُها في السوقِ اللغويةِ من خلالِ الجهودِ التي بذلتها بريطانيا في الاستعمارِ والإمبرياليةِ في القرنِ السابعِ عشر، والثامنِ عشر، والتاسعِ عشر، وبرزت الآن على يدِ الأميركان بوصفِها قوةً عسكريةً كبيرة ًومتميزة ًتقنياً .
المحور الثاني
اللغة العربية والسلطة:
".. بما أن اللغةَ العربيةَ.. هي أقدرُ شيءٍ على أن تحفظَ للشخصيةِ العربية ملامحَ العروبةِ، وسماتِ الدينِ، وانطباعاتِ الحياةِ المشتركةِ ..وهي الامتدادُ الحيُّ بين ماضٍ مجيدٍ، وحاضرٍ مكافحٍ، ومستقبلٍ مأمولٍ" ، فهلْ الأزماتُ التي ذكرناها هي السببُ وراءَ ضعفِ اللغةِ العربيةِ أم أن العلةَ أوسعُ من ذلك كثيرا، وهي تتمثلُ في العربِ أنفسِهم، فهم في أقطارِهم المختلفةِ يعملون في الواقعِ، على أساسِ أن كلَّ شعبٍ في بلدِه يؤلفُ أمةً واحدةً، ولا يشعرون بشعوِر الإيمانِ بوحدةِ الأمةِ العربيةِ. السياسةُ هي التي تطبعُ معاملاتِهم، بين بعضِهم بعضاً، بطابعِها التفريقِي في كثيرٍ من الأحيانِ. ولهذا لم يتفقْ قطران من أقطارِهم على ثقافةٍ واحدةٍ، ومنهاجٍ تعليميٍ وتربويٍ موحدٍ. وهذا يؤدي إلى ازدواجيةِ المفاهيمِ وتعددِها، قصدت ذلك السلطة ُأم لم تقصدْ .
ويجبُ على السياسيين قبل غيرهم تقويُم لغتِهم لأنهم يمثلون أمةً، واللغةُ عنوانُ الأمةِ فكيفَ ستكونُ لبلادِهم كينونةٌ وهم يتحدثون مع الآخرِ بلغتِه، بينما السياسيُّ الأجنبيُّ لا يستغني عن لغتِه في حوارِه مع العربِ حتى لو كان يعرفُ اللغةَ العربيةَ سواء أكانَ في بلدِه أو في بلدٍ عربيِّ، بينما بعضُ سياسي العربِ يُغيّرونَ لغاتِهم في الحوارِ بوجودِ الأجنبيِّ ظناً أنهم يتميزون بمعرفتِهم لغةَ الآخرِ، وهذا التصرفُ ينمُ عن ضعفِ شخصيتِهم ووهنِهم وضعفِ بلدانِهم التي يمثلونُها؛ فالأزمةُ كما قلنا سابقاً أزمةُ أنظمةِ حُكمٍ وحُكّامٍ.
لقد أدركَ الساسةُ الأجانبُ أهمية َ اللغةِ" منذُ المراحلِ المبكرةِ للتوسع الإمبرياليِّ، فكانوا يستخدمون لغتَهم لصهرِ لغة ِالمستعمَرِ وذوبانِها وذوبانِ الشخصيةِ، وأيقنَ المستعمرُ أنه ليتغلغلَ في البلادِ والمجتمعاتِ لا بدَّ من السيطرةِ على اللغةِ، بترويج ِلغةٍ أخرى، وحينَ تستقلُ البلادُ من المستعمرِ تبقى تحتَ وطأتِهم ثقافياً من حيثُ اللغة ُ"
ويرى ابنُ خلدون في (مقدمتِه): إن المغلوبَ مولعٌ أبداً بالاقتداءِ في شعارِه وزيهِ وسائرِ أحوالِه وعوائدِه بالغالبِ؛ والسببُ في ذلك أن النفسَ أبداً تعتقدُ الكمالَ فيمن غلبَها وانقادتْ إليهِ، فتنتحلُ جميعَ مذاهبِ الغالبِ وتتشبهُ به، ومن هنا تكمنُ الهيمنةُ؛ هيمنةُ اللغةِ، فالقوة ُتكمنُ باللغةِ في الأساسِ، فالمغلوبُ يتبعُ الغالبَ ويقلدُه، ويبقى مبهوراً به، متأثراً به من الناحيةِ اللغويةِ والثقافيةِ والسلوكيةِ وحتى في الزيِّ كما يقول ابنُ خلدون، فاللغةُ المهيمنةُ هي لغةُ الدولةِ المهيمنة، فحينما كانت الدولة ُ الإسلاميةُ قويةً ومسيطرةً شاعَ اللسانُ العربيُّ وتفوق
المحور الثالث
اللغةُ العربية ُوالمستقبل :
إذا أردنا مستقبلاً للغتِنا العربية ِ، وجعلَها جزءاً لا يتجزأ من هويتِنا وكينونتِنا، فلا بُدَّ من وضعِ خططٍ كفيلةٍ بإعادةِ مكانةِ اللغةِ العربيةِ لأهلِها، وتحبيبُ أهلِها بها بما أن الإنسانَ هو الأساسُ الذي تبنى عليه المجتمعاتُ فيجب الاعتناءُ به من طفولِتهِ وذلك من خلالِ الحديثِ معهُ بلغةٍ فصيحةٍ سليمةٍ لأن ما يبقى مستقراً في وجدانِ الشخصِ لا نستطيعُ بسهولةٍ تغييرَهُ فعندما يتعود ُعلى سماعِ لغة ٍسليمةٍ يبقى متعلقاً بها كتعلقِهِ بأهلِه ِفعلى البيتِ المسؤوليةُ الكبرى، ولهذا نجدُ كثيراً ممن لم يتخصصوا في اللغةِ العربية ِيصوبون أخطاءَ اللفظِ مباشرةٌ وبتلقائيةٍ باعتمادِهم على سليقتِهم.
- على منظماتِ الجامعةِ العربيةِ، وخاصةً المنظمةَ العربيةَ للتربيةِ والثقافةِ والعلومِ، ووزاراتِ التعليمِ سواءً وزارة ُالتربيةِ والتعليمِ أو وزارة ُالتعليمِ العالي؛ إصدارُ قرارٍ يُمنعُ فيه الطالب َوالمدرسَ على السواءِ من الحديثِ والتدريسِ بلغةٍ غيرِ اللغةِ العربية ِالسليمة في الحرمِ المدرسيِ أو الحرم ِالجامعي بكافة ِمرافقهِ حتى يغادرَه، إلا إذا كانت المادةُ التي تدرسُ لغةً أجنبية ً.
- كلُّ مدرس ٍهو معلمُ للغة ِالعربيةِ مهما كان تخصصُه ومهما كانت ْالمادة ُالتي يدرسُها ولهذا لا بدَّ من عقدِ دوراتٍ تدريبيةٍ تؤهلُ المعلمين جميعاً لهذا الغرضِ.
لا بد َّمن إعادةِ النظرِ في كتبِ القواعد ِالمدرسيّة، فاللغةُ السليمةُ" لا تأتي بكثرة ِالقواعد ِوصعوبتِها، بل تأتي بقلة ِالتعقيد، مع حسن ِالتوجيه ِالمدرسّي، والمطالعة ِ الجيّدةِ" ، ولا بد َّمن اعتماد ِالأساليبِ التحليليةِ والتطبيق ِالعملي ِّ في التدريسِ، مع الأساليب التلقينيةِ فلا بدَّ من طريقةٍ جديدة ٍتجمع ُبين محاسنِ الطرقِ التلقينية والطرق ِ التحليليةِ.
- عملُ تطبيقات ٍعلى النظريات ِالحديثةِ في مجالاتِ اللغةِ العربيةِ، مع ذكِر الأمثلة ِ العملية ِالتي تلقي الأضواء َعلى كيفية ِالممارسةِ للعملية ِالتعليميةِ والإعداد ِلها في ميدان اللغةِ العربيةِ.
- ومما يجبُ ملاحظتُه ُأن"القراءة َوالاستماعَ والحديثَ، جوانبُ مهمة ٌجداً لإتقانِ اللغةِ، وللتحصيلِ الثقافي، وهي أهم ُّبكثير ٍمن تمريناتِ الإنشاءِ الشفويِّ والتحريري."
- وبما أن المطالعة َالجيدة َركن ٌأساسيٌ في تعلقِ الشخصِ بلغتهِ فلا بُدَّ من توافرِ مكتبةٍ صغيرة ٍفي كلِّ بيت ٍتعودُ إليها الأسرةُ كافة للنهلِ منها تحوي على كتب ٍثقافيةٍ متنوعةٍ بلغةٍ سليمةٍ ولا بُدَّ من الإشارة ِلمبادرة ِوزارةِ الثقافةِ الأردنيةِ بإصدارِها سنوياً مكتبة ًلكلِ أسرةٍ بأسعارٍ رمزيةٍ زهيدةٍ لتشجعَ على مفهوم ِالقراءة ِللجميعِ، وهذه المبادرةُ من أفضلِ المبادرات ِالتي تبنتها الوزارة.
- توجيه ُاهتمامِ "الطلبة ِالمبدعين في الثانوية ِالعامةِ إلى دراسةِ اللغة ِالعربيةِ، وتقديم ِ التشجيعِ المادي ِوالمعنويِ لهم لاجتذابِهم إلى هذا الحقلِ" .
- ما أن أغلبَ فئاتِ الشعبِ متابعة ٌلوسائلِ الإعلامِ المختلفة ِفيجبُ أن تكونَ اللغة ُالمستخدمة ُ في الإذاعةِ والتلفزة ومختلف ِوسائلِ الإعلام ِفي البلادِ العربية الحديثة ِ باللغة ِالعربيةِ السليمة، وكذلك المسرحُ والتمثيليات، وترجمة ُالأشرطة ِوالمسلسلاتِ الأجنبيةِ إلى العربية ِالسليمةِ لما لها أثرٌ على المتلقي.
- لا بُدَّ في مجالِ التعريب ِمن المقاربةِ في لغةِ العلمِ بين لغتنِا العربية ِواللغات ِالعلميةِ العالمية ِالأخرى، عن طريقِ الإكثار ِمن استعارةِ المصطلحاتِ الحضاريةِ الحديثةِ التي لا أصولَ لها في العربيةِ، وذلك بتحريفِها لتتناسبَ مع قواعدِ لغتنِا، مع بقاءِ شيءٍ من لفظِها مشتركاً مع اللغاتِ الأخرى وفي هذا إغناءٌ للغتنِا، وخروج ٌبها إلى العالميةِ التي لا بُدَّ منها لتأخذَ لغتنُا مكانَها من العالمِ وخاصة ًأننا في سباقٍ مع العلم ِوالتكنولوجيا، وقد سبقْنا الغربُ المتقدمُ في علومِه وتكنولوجيِته، فيستخدمُ كل َّالوسائلِ لإغناءِ لغاتِه بالمصطلحاتِ الحديثةِ: يشتقُّها من اللاتينية واليونانية، أو يخترعُ لها ألفاظاً من لغاتِه، أو قد يطلق ُعليها أسماءَ المخترعين والباحثين فتصبحُ هذه الأسماء ُمصطلحات ٍعلميةً، فالترجمة ُهي التطبيقُ العمليُّ للمصطلحات المعربة، وهي الوسيلةُ العملية ُلتحقيقِ نهضةٍ علمية ٍعربيةٍ.
ولا بُد َّمن ضرورةِ التنسيقِ بين العاملين في حقولِ التعريبِ في العالم ِالعربي، بحيثُ يدرسُ أولاً ما تمَّ تعريبُه ُحتى الآن، ثم يأخذُ كلُّ بلد ٍعربي، أو كلُّ جهة ٍعلميةٍ عربيةٍ، جانباً من الجوانبِ لتعريب مصطلحاتِهِ الحاليةِ والمستقبلية ِثم تنصبُّ كل ّ أعمال ِ التعريبِ في جهةٍ واحدة ٍموسعة ٍومتعددةِ الاختصاصات لإعادة النظرِ فيها أولاً، ثم لتوحيدِها في الأقطار ِالعربية ِكلِّها، ويكونُ توحيدُها ملزماً للجميع. وينبغي الحدُّ من الاجتهاداتِ الفرديةِ التي لا تقومُ على التخصيصِ، بحيثُ لا يجوزُ لشخصٍ غيرِ مختصٍ في مادةٍ علميةٍ أن يضربَ في صنوفِ التعريب ِفي كلِّ الاتجاهاتِ ،إن التخصصَ أولاً، والتنسيقَ ثانياً، والتوحيدَ ثالثاً، لهي عمليات ٌضرورية ٌوملحةٌ جداً، وتقتضيها المصلحة القومية، وإذا لم يتم ْهذا فستظلُّ الفوضى مستمرةً، وسيصبحُ لنا عدة ُلغاتٍ علمية عربيةٍ بدلَ اللغةِ الواحدة. وهذه البعثرةُ اللغوية ُهي أدهى على الأمةِ من بعثرةِ الجهودِ والاتجاهاتِ السياسية ِالتي يظلُّ من الممكنِ ومن السهلِ إصلاحُها، وحين يستشري الفساد ُفي اللغةِ القومية، لا يعودُ من الممكنِ إصلاحُها.
الخاتمة
بناءً على ما سبقَ، فإن الباحثين في مجالِ اللغةِ والهويةِ يشيرون إلى معاييرَ لا بُدَّ من توافرِها حتى تحملَ اللغةُ هوُّيةَ الأمةِ، منها: إنتاج اللغةِ في مجالِ الفكر والثقافةِ، ودرجةُ التطورِ في اللغة ذاتها، بالإضافة ِإلى قدرةِ هذه اللغةِ على الاستجابة للمتغيراتِ في مجالِ العلمِ، والاقتصادِ، والتكنولوجيا، وغيرِ ذلك من مشاكلِ اللغة ِوصعوباتِها في زمان ٍغير زمانِها. ولا بُد َّمن معاييرَ يجبُ تطبيقُها للنهوضِ باللغة ِالعربيةِ أهمها: تعاونُ البيت ِمع المدرسة ِوالجامعة لنحصدَ لغة ًقوميةً وأشخاصا يعتزون بلغتِهم وهويتِهم العربية.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم
- حسن حنفي، العولمة والهوية، منشورات المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون جامعة فيلادلفيا –الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية، جامعة فيلادلفيا، ط1، 1999.
- خالد الكركي، اللغة هوية الأمة، مقالة القيت في مؤتمر العربيّة وهويّة الأمّة، قسم اللغة العربيّة وآدابها، الجامعة الأردنيّة، 2012نشرت في 22/11/2012.
- ابن خلدون: المقدمة، الدار التونسية، 1984.
- روبرت فليبسون، الهيمنة اللغوية ،ت. سعد بن هادي الحشاش، جامعة الملك سعود للنشر العلمي، ط7، 2001
- عبد العلي الودغيري، وضع اللغة العربية في عصر العولمة، محاضرة قدمت في الموسم الثقافي لمجمع اللغة العربية الأردني سنة 2011 .
- عبد الكريم خليفة، مؤتمر سبل النهوض باللغة العربية، ضمن فعاليات الموسم الثقافي الثلاثين لمجمع اللغة العربية الردني، 20-22/11/2012 عمان الأردن
- علي الجمبلاطي، وأبو الفتوح التوانسي، الأصول الحديثة لتدريس اللغة العربية والتربية الدينية، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة
- علي شريعتي، العودة إلى الذات، ترجمة إبراهيم الدسوقي شتا، دار الكتاب المصري، مكتبة الاسكندرية 2011 .
- عيسى برهومة ووليد العناني، اللغة العربية وأسئلة العصر، دار الشروق، ط1، 2007 ، ص181
- عيسى برهومة، سؤال اللغة والهوية، 23/1/2009، نت.
- عيسى الناعوري، اللغة العربية والحياة، مقالة ضمن مخطوط من قضايا اللغة والأدب والنقد.
- عيسى الناعوري، من مشكلات اللغة العربية، مقالة ضمن مخطوط من قضايا اللغة والأدب والنقد.
- سعد بن هادي القحطاني، أهمية الترجمة في اللحاق بالتقدم العلمي، صحيفة الجزيرة السعودية، عدد 10629، الأحد 19/شعبان /1422ه.
- كايد هاشم، عيسى الناعوري بلغات أجنبية، جريدة الدستور، 16/كانون الثاني، 2006.
- مهين حاجي زاده وشهريار نيازي، تحديات اللغة العربية وشاكلها في العصر العولمة، نت.
هوامش:
مواضيع مماثلة
» المقال السابع: كتاب " العربية" ليوهان فك - عرض وتوجيه-
» مظاهر الفكر اللّساني الغربي في اللّسانيات العربية الحديثة
» بنية اللغة الشعرية عند مصطفى سند
» تعريف بمجلة " أشكالات في اللغة والأدب"
» أثر التصوف الإسلامي في التحولات الدلالية للقصيدة العربية الصوفية د. محمد بكادي
» مظاهر الفكر اللّساني الغربي في اللّسانيات العربية الحديثة
» بنية اللغة الشعرية عند مصطفى سند
» تعريف بمجلة " أشكالات في اللغة والأدب"
» أثر التصوف الإسلامي في التحولات الدلالية للقصيدة العربية الصوفية د. محمد بكادي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى